…والحِقدُ مُستَمِرٌّ

راشد فايد*

“قُلّ لي، ماذا يجب أن يفعلوا بكم حتى تقتنعوا بأنهم لا يستحقّون الإحترام؟”

السائلُ مصرفيٌّ مصريٌّ ذو شأنٍ في بلاده، وسامِعُه نظيرٌ له لبناني، ومكانُ الحديثِ مؤتمرٌ في اختصاصهما انعقد الأسبوع الفائت في بيروت، أما مُناسبة “الواقعة” المذكورة فهي أن نائباً لبنانياً، لم يتردّد المشاركون المحلّيون في التصفيق عند دخوله القاعة، مُتأخّراً عن موعد الإفتتاح، على عادة اللبنانيين في كل مؤتمر، أما المقصودون بالفعل المنتظر فهُم الساسة اللبنانيون عموماً، وأهل هذا الزمن الرديء تحديداً.

يواري هذا السؤال آخر هو: هل مات الرأي العام اللبناني، أم هو، أصلاً، لم يكن موجوداً منذ كان الرأي العام في العالم يُغيّر الأنظمة، ويطيح بها؟ وإلّا ما المغزى من استمرار الصمت العام على أزمةِ حُكمٍ فضحتها انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 التي تُنازع مذ ذاك من أجل الحياة، لكنها تتعرّض للخيانات ولمحاولات انتهازيين السطو على ما أنجزت ولو كان محدوداً، وما المحامي المارق وقصة الـ 200 ألف دولار إلّا رأس جبل الجليد الذي سيزداد انكشافاً، ولا يغرب عن هذا السطو المحامي نفسه و”الميليشيا” المدنية التي شكّلها مع جماعاتٍ من “التيار الوطني الحر” لتكون “القوة الضاربة” لتمرير اعتداءاتِ القاضية غادة عون على الأملاك الخاصة لشركتين ماليتين مُرخَّصتَين، خلافاً للقانون ولقرار رئيسها المدّعي العام غسان عويدات برفع يدها عن ملفّيهما.

لكن، “إذا كان رب البيت بالدفّ ضارباً”، أفليس “من شِيَمِ أهل البيت كلهم الرقص؟”، فرئيس الجمهورية، ميشال عون،  يُعطّل، منذ سنة، مشروع التشكيلات القضائية برغم أن القانون يُلزمه مع الوزراء المعنيين ورئيس الحكومة بالتوقيع عليها فور انجازها من دون إبطاء برغم أيّ رأيّ مختلف، وفي ذلك أحد وجوه استقلالية القضاء، وهي من الشروط الدولية لمساعدة لبنان على تجاوز محنته.

لم يُخطئ المصرفي المصري في سؤاله. فالقضاء يتفكّك، وهو السلطة الثالثة في تركيبة الدولة، فيما مجلس النواب، السلطة الثانية، يتثاءب في دوره وكأن لا أزمة تنخر الوطن، وتُجوِّع أبناءه، أما السلطة التنفيذية، برئاسة رئيس الجمهورية فمتفرغة لاختلاق المُناكفات المتنوعة، لتعطيل الحياة العامة، وابتداع إشكالاتٍ لتعطيل تشكيل حكومة جديدة إختار النواب لرئاستها الرئيس سعد الحريري: فمرةً يُرسل عون إليه بدرّاجٍ لتسليمه رأيه بالتشكيلة الحكومية، وتارةً يوسّط البطريرك الماروني، الكاردينال بشارة الراعي، لتسليمه تشكيلتَين حكوميتين بمخالفات، أوّلها أن ذلك مهمة الرئيس المُكَلَّف، وثانيها أن الوزراء المقترحين حزبيون وثالثها أن عديد كل تشكيلة 24 وزيراً، وليس 18، ورابعها تمويه الثلث الضامن بكذبة لا تمارى، وآخرها أنهما ليستا حكومة اختصاصيين.

بين ما يصدر عن بعبدا، بياناً أو تسريباً، وبين تسارع انهيار الدولة تحت ضغط تدهور قيمة الليرة، والأزمة النقدية، و”الجوع الوطني العام”، وبين حرص العهد الدؤوب على تلاشي البلد، يبدو لبنان مُختبَراً لأسوأ حقدٍ سياسي، يستهدف موقع طائفة بعينها في التركيبة الوطنية، ولم تكن إيجابية ساكن بعبدا السابقة تجاهها سوى تزلّفٍ للوصول إلى الرئاسة. ولبّ ما يريده اليوم تحريف الطائف لاقتناص صلاحيات ليست له ولا يملك، حتى الرئيس الحريري، سلطة للتفريط بها. والحِقدُ مُستمرٌ.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى