كيف يُمكنُ للرَقمَنَة أن تقودَ ثورةً تجاريّةً عالمية

الدكتور ثاني الزيودي*

يبدو أن التجارة الدولية قد تعافت تمامًا من الصدمتَين المزدوجتَين ل”كوفيد-19″ والصراع. في آخر تحديثٍ للتجارة العالمية، توقّع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أن القيمة الإجمالية للسلع المتداولة في العام 2022 ستتجاوز 32 تريليون دولار، بزيادة 12.2٪ عن العام 2021 و40.3٪ أكثر من ذروة الوباء في العام 2020. علاوة على ذلك، بلغ شحن الحاويات العالمية أعلى مستوى له على الإطلاق في آب (أغسطس) من العام الماضي.

ومع ذلك، نظرًا إلى أنَّ الركودَ يُهدّدُ الاقتصادات الرئيسة في العالم وخفّضت منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو التجارة لعام 2023 إلى 1٪ فقط، فمن الواضح أن النظام التجاري مُتَعَدِّد الأطراف ليس مَرِنًا بما يكفي لتحمّل المزيد من الصدمات الجيوسياسية.

بصفتها مركزًا تجاريًا رئيسًا يُركّز على التوسّع الاقتصادي العالمي، تعتقد دولة الإمارات العربية المتحدة أن هذه هي اللحظة لتغيير نظام التجارة الدولي. على وجه الخصوص، يمكن أن يؤدي دمج أدوات الثورة الصناعية الرابعة في سلاسل التوريد إلى ضخِّ المرونة التي تشتد الحاجة إليها، وتحفيز حقبة جديدة من النمو التجاري.

بالنسبة إلى صناعةٍ حيوية للغاية لصحة الاقتصاد العالمي، فمن اللافت عدد العمليات الأساسية لنظام التجارة الدولي الذي ظلَّ بدون تغيير خلال نصف قرن؛ من الضوابط الجمركية، وخطابات الاعتماد، وسندات الشحن، إلى شهادات المنشَإِ وقوائم التعبئة، لا تزال هناك مجموعة من العقبات الورقية تتعلّق بالإنسان تُعيقُ التدفّق السلس للبضائع.

تنشيطُ المجتمع التجاري العالمي

في دافوس في كانون الثاني (يناير)، تضافرت جهود الإمارات والمنتدى الاقتصادي العالمي لإطلاق “مبادرة تكنولوجيا التجارة” الدولية للمساعدة على تعطيل قطاع يحتاج بوضوحٍ إلى التعطيل. تمَّ تصميمُ مبادرتنا للجمع بين الحكومات وأصحاب المصلحة في مجال الخدمات اللوجستية والبنوك والمبتكرين لاستكشاف كيف يمكن للحلول الرقمية أن تُعزّزَ كل جانب من جوانب سلسلة التوريد، والأهم من ذلك، إنشاء أطر تنظيمية لتمكين البيع بالجملة عبر الحدود.

في مرحلتها الأوّلية، ستنشئ مبادرة تكنولوجيا التجارة مؤتمرًا دوليًا لمشاركة أفضل الممارسات وتشكيل السياسات، وإنشاء صندوق حماية (sandbox) تنظيمي للاختبار في الوقت الفعلي للأنظمة الجديدة، وإطلاق حاضنة لتطوير ودعم مشاريع التكنولوجيا التجارية الجديدة، ونشر تقرير عن ابتكار ونشر تكنولوجيا التجارة حول العالم. ومن المأمول أن تكون هذه خطوة أولى مهمة في تطوير إطارٍ تكنولوجي وقانوني مقبول من قبل مجتمع التجارة العالمي.

ونتيجة لذلك، يجب أن نكون قادرين قريبًا على تصوّر الذكاء الاصطناعي لأتمتة عمليات التحقق الجمركية، وتحليلات البيانات وحركات الحاويات المدعومة بالتعلم الآلي وإدارة المستودعات، والتحليل التنبُّئي المُستخدَم في إدارة الأزمات، و”بلوكتشاين” (blockchain) لإحداث ثورة في التمويل التجاري، والمدفوعات عبر الحدود، ومعرفة إجراءات عميلك في الوقت الحقيقي.

كل من هذه التقنيات لديها القدرة على خفض التكاليف، وزيادة الكفاءات، وتخفيف المخاطر، وتعزيز مرونة سلسلة التوريد، وتسريع النشاط التجاري عبر كل قطاع – وفي كل منطقة. المكافآت واضحة: يقدر الخبراء أن الاعتماد العالمي لتكنولوجيا بوليصة الشحن الإلكترونية وحدها يمكن أن يوفر للاقتصاد العالمي حوالي 4 مليارات دولار سنويًا.

توسيع نطاق ابتكاراتنا التجارية إلى العالم

وبوصفها بوابة عالمية مهمة ونصيرة الابتكار منذ فترة طويلة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة في موقع قوي لقيادة هذه العملية. لقد قمنا بالفعل بتطوير دراسات حالة تكنولوجيا التجارة في العالم الحقيقي، بما في ذلك منصّة التجارة والخدمات اللوجستية المُتقدّمة لموانئ أبوظبي، والتي تستخدم “بلوكتشاين” وتحليلات البيانات لتسهيل التجارة في الوقت الفعلي. منذ إطلاقها في العام 2020، أكملت المنصة بالفعل أكثر من 100 مليون معاملة رقمية، وألغت 9,300 طن من انبعاثات الكربون وقلّلت الوقت الذي تستغرقه الأعمال الورقية بنسبة 70٪.

كما أنشأت موانئ أبوظبي أيضًا ممرًا تجاريًا افتراضيًا لربط الموانئ والمطارات والجمارك والسلطات التنظيمية الأخرى لتنسيق سلاسل التوريد العالمية. “مارغو هَب” (Margo Hub) الخاص بالمُشَغّل هو سوق لوجستية رقمية تسمح للشركات والأفراد بإدارة متطلبات الشحن والتخليص وحجز الشاحنات والتخزين والمستودعات في حلٍّ واحد.

في دبي، تسعى منصة التمويل التجاري التابعة لموانئ دبي العالمية إلى سد فجوة التمويل التجاري من خلال ربط الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بالائتمان الذي تحتاجه، وقد استقطبت الآن أكثر من 56,000 عميل من 50 دولة حول العالم. إن مركز حاضناتها في دبي، الذي تم إنشاؤه بالشراكة مع “إنفست إنديا” (Invest India) و”كيرالا ستارتاب مِشِن” (Kerala Startup Mission)، يثير الابتكار في جميع أنحاء قطاع الخدمات اللوجستية في الهند.

من الواضح إذًا أن لدينا الأدوات. ما نحتاجه الآن هو قبول دولي وإرادة جماعية لإنشاء الاتفاقات والأنظمة وقابلية التشغيل البيني للنظام اللازمة لتحويل هذه المشاريع الفردية إلى معيار عالمي.

على مدار الاثني عشر شهرًا المقبلة، تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بفرصة فريدة لدفع الإجماع حول مبادرة تكنولوجيا التجارة وإدخال النظام التجاري متعدد الأطراف إلى القرن الحادي والعشرين.

في تشرين الأول (أكتوبر)، تستضيف أبوظبي منتدى الاستثمار العالمي الثامن، والذي سيسعى إلى حشد مجتمع الاستثمار والتنمية لمواجهة التحديات العالمية مثل مرونة سلسلة التوريد والبنية التحتية اللوجستية. وسيتبع ذلك في شباط (فبراير) 2024 المؤتمر الوزاري الثالث عشر، الهيئة الرئيسة لصنع القرار في منظمة التجارة العالمية، حيث ستضغط خلاله دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل إيجاد أطر دولية رقمية بالكامل.

هذه مهمة حيوية. على مدى السنوات السبعين الماضية، كانت التجارة حافزًا للنمو وخلق فرص العمل والتنمية،  حيث دفعت الجهود للتخفيف من حدة الفقر وتقليل عدم المساواة العالمية. نعتقد أن التجارة لا تزال تتمتع بالقوة التحويلية نفسها – ولكن يجب أن نعمل على ضمان أنها تفي باحتياجات الاقتصاد العالمي الجديد الذي يعمل بالطاقة الرقمية.

سيسمح لها اعتماد الأدوات الرقمية القيام بذلك، وسنكون هناك من أجل التغيير.

  • الدكتور ثاني الزيودي هو وزير دولة للتجارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة. يمكن متابعته عبر تويتر على: @ThaniAlZeyoudi

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى