مؤسسة خيرية تابعة للنظام القطري موّلت جماعةً تركية مُرتبطة بتنظيم “القاعدة”

يبدو أن هناك منظّمات خيرية مثيرة للجدل في قطر وتركيا تتعاون لدعم منظمات موضوعة على قائمة الإرهاب. فإلى أيّ حدّ يعلم أهل النظام في الدوحة وأنقرة عن عمليات هذه المنظمات؟

الشيخ تميم ورجب طيب أردوغان: هل هما اللذان هندسا عملية التعاون بين جمعية عيد الخيرية وهيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات؟

عبد الله بوزكورت*

تلقت منظمة خيرية تركية، وصفها مجلس الأمن الدولي بأنها على صلة بتنظيم “القاعدة”، ملايين الدولارات من جمعية خيرية قطرية، مُتَّهمة أيضًا برعاية الإرهاب، وفقًا لبيانات مُسَرَّبة حصلت عليها “نورديك مونيتور”.

تلقت “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” (İnsan Hak ve Hürriyetleri ve İnsani Yardım Vakfı) في اسطنبول، وهي مؤسسة خيرية تعمل مع وكالة المخابرات التركية، 85.2 مليون ريال قطري (23.4 مليون دولار بسعر الصرف اليوم) بين العامين 2012 و2018.

بدأ التمويل، الذي تم تقديمه في 81 شريحة على مدى أربع سنوات من قبل جمعية الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، والمعروفة أيضًا باسم “جمعية عيد الخيرية”، بعد عامٍ على اندلاع الصراع الأهلي في سوريا، حيث موّلت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الإسلامية وسلّحت المتمرّدين، بما في ذلك الجماعات الجهادية العنيفة، للإطاحة بنظام بشار الأسد. التمويل، الذي كان يستهدف دعم عمليات “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” في تركيا وسوريا، ساعد على تمويل عمليات المؤسسة دولياً في أوروبا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا وكذلك في أميركا اللاتينية.

حصل على البيانات المُسَرَّبة أوّلاً “منتدى الشرق الأوسط”، وهو مؤسسة فكرية مقرها فيلادلفيا، وتم مشاركتها مع “نورديك مونيتور”. لم تقم “مؤسسة عيد الخيرية” القطرية بتمويل “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” في تركيا فحسب، ولكن أيضًا العديد من المنظمات الإسلامية الأخرى في جميع أنحاء العالم، بعضها له صلات بجماعات إرهابية.

في الحالة التركية، بمساعدة المال القطري، ركّزت “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” على دولٍ مثل ميانمار والفلبين والكاميرون وبنغلاديش ونيبال في جنوب شرق آسيا، بينما استقطبت جماعات إسلامية في كولومبيا وهايتي والإكوادور وبيرو والتي سُجّلت كمتلقية للتمويل في أميركا اللاتينية. في وقتٍ من الأوقات، أرسلت “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” أيضًا أموالًا إلى أوروبا، ظاهريًا لمساعدة اللاجئين السوريين النازحين هناك. في إفريقيا، تم تمويل عمليات المؤسسة التركية في مصر وجمهورية إفريقيا الوسطى من قبل دولة قطر أيضًا.

اتُهمت كل من “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” و”جمعية عيد الخيرية” بتمويل الإرهاب، وبخاصة عمليات تنظيم “القاعدة” وإخوته وأخواته في مناطق مختلفة من العالم.

ظهرت على مرّ السنين أدلّة تُشيرُ إلى أن “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” قدّمت الدعم اللوجستي لمختلف الجماعات الجهادية الإسلامية بما فيها تنظيم “القاعدة” و”الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” (داعش). تم رفع أولى التهم الخطيرة ضد شبكة هذه المؤسسة الخيرية المثيرة للجدل من قبل المدعي العام التركي في كانون الثاني (يناير) 2014 بعدما كشف تحقيقٌ للشرطة أن “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” قد قامت بتهريبِ أسلحةٍ إلى جهاديين تابعين لتنظيم “القاعدة” في سوريا.

أدى التحقيق الجنائي، الذي أجراه المدعي العام في مقاطعة فان شرقي تركيا، إلى “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” عندما كشفت عمليات التنصّت والمراقبة أن فرعَي المؤسسة في “قيصري” و”كيليس” يرسلان الأموال والمستلزمات الطبية والمنزلية للجهاديين في سوريا بمساعدة جهاز المخابرات الوطنية التركية، الذي يديره هاكان فيدان، المُقرَّب من الرئيس أردوغان، وهو شخصية إسلامية.

كان استنتاج المُدّعي العام أن المنظمة غير الحكومية شاركت في المخطط وهي تعلم جيدًا ما معنى المشاركة فيه ولآي هدف. لم تكن مشاركة عشوائية أو فردية، بل كانت مُخططًا مُتعمّدًا بمعرفة الإدارة العليا لـ”هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”.

وخوفًا من أن يؤدي توسيع التحقيق إلى ظهور شخصيات بارزة في هذه الهيئة الخيرية المُثيرة للجدل وكشف الروابط مع حكومته، تحرّك رئيس الوزراء أردوغان بسرعة لوقفه وإلغائه. وعلى الأثر قامت الحكومة بإقالة واعتقال جميع رؤساء الشرطة والمُدّعين العامين الذين كشفوا عن تعاملات “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” السرّية مع الجماعات الجهادية.

أفضل تصوير للعمل السري لـ”هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” قدّمه خبيرٌ بارزٌ في مكافحة الإرهاب عمل في مجال الإرهاب لعقود وقام بالتحقيق في الجماعات الإسلامية المتطرفة ومراقبتها. في جلسة استماع بتاريخ 16 آب (أغسطس) 2016، شهد علي فؤاد يلمازر، الرئيس السابق لقسم استخبارات الشرطة المتخصص في الجماعات الدينية المتطرفة، أن “حملات “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” مُصمَّمة لتقديم المساعدة للجهاديين المُتورّطين في الإرهاب حول العالم وتقديم المساعدة الطبية، التمويل واللوجستيات والموارد البشرية للجهاديين”.

وأضاف يلمازر أنه قدم بنفسه تقارير مفصلة عن صلات “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” الإرهابية لأردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء. “كما أنني قدّمتُ تقارير شاملة للغاية لرئيس الوزراء حول هذه المسألة في ذلك الوقت. وهذه التقارير محفوظة أيضًا في أرشيف الدولة [التركية]. وهي [“هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”] إحدى المنظمات الرائدة عندما يتعلق الأمر ب”انشطة تنظيم “القاعدة” في جميع انحاء العالم”، قال أمام المحكمة.

كما تم إثبات صلات “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” ب”داعش” في قضية قضائية في تركيا. وفقًا لشهادة امرأة تركية تُدعى ميرف دوندار، زوجة أحد مقاتلي “داعش”، محمود غازي دوندار، وكلاهما مُدرَجان على قائمة الانتحاريين المشتبه بعلاقتهما ب”داعش”، فقد قامت “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” بتوجيه الإمدادات اللوجستية إلى الأشخاص الذين يعيشون في المناطق والمدن والبلدات الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقالت للمحكمة في جلسة بتاريخ 10 حزيران (يونيو) 2021: “كنا نعيش في أراضي “داعش”، ولم يكن زوجي يعمل في سوريا. كنا نوزّع الإمدادات [التي تقدمها “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”] على المحتاجين”.

وكان موقع “نورديك مونيتور” كشف سابقًا أن “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” أرسلت أيضًا أسلحة إلى الجماعات الإسلامية في ليبيا، باستخدامِ سفينةٍ لإيصال الإمدادات الإنسانية. وقد تم حل المشكلات التي واجهتها السفينة أثناء تسليم الأسلحة بواسطة الديبلوماسيين الأتراك المُعَينين في ليبيا.

من ناحية أخرى، تمّ الإعلان عن كشفٍ دامغٍ للأنشطة الإرهابية ل”هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” من قبل روسيا في العام 2016. ووفقًا لوثائق استخباراتية تم تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي في 10 شباط (فبراير) 2016، كشف السفير الروسي فيتالي تشوركين، الممثل الدائم لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، عن وثائق استخباراتية روسية تُعطي حتى أرقام لوحات تسجيل الشاحنات التي أرسلتها “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات” إلى سوريا مُحمّلة بالأسلحة والإمدادات المُوجَّهة للجماعات الجهادية بما فيها “جبهة النصرة”.

ليس من المُستغرب أن يكون دافع الأموال القطري ل”هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”، “جمعية عيد الخيرية”، موضع جدل أيضًا حول صلاته بالجماعات الإرهابية. ووفقًا لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فهي “على الأرجح أكبر منظمة إغاثية للناشطين السلفيين وأكثرها نفوذًا في العالم”. تم تصنيف مؤسسها عبد الرحمن النعيمي على أنه إرهابي عالمي من قبل وزارة الخزانة الأميركية في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2013. وذكرت وزارة الخزانة أن النعيمي سهّل دعمًا ماليًا كبيرًا لتنظيم “القاعدة” في العراق والصومال واليمن وعمل كمحاور بين قادة “القاعدة” في العراق والمانحين في قطر.

في 23 أيلول (سبتمبر) 2014، أضافت لجنة الجزاءات المفروضة على تنظيم “القاعدة” التابعة لمجلس الأمن الدولي إسمه إلى قائمة الأفراد والكيانات الخاضعين لعقوبات مالية مستهدفة وحظر سفر وحظر توريد أسلحة. كما اتُهم العديد من مسؤولي جمعية عيد الخيرية برعاية الإرهاب.

عمل النعيمي بشكل وثيق مع علي بن عبد الله السويدي، وهو مواطن قطري آخر والمدير العام لجمعية عيد الخيرية. في حزيران (يونيو) 2017، تم تصنيف السويدي كمموّلٍ للإرهاب في قائمة مشتركة أعدّتها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين.

والواقع أن جمعية عيد الخيرية ليست المنظمة القطرية الوحيدة التي أرسلت التمويل إلى “هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”، فقد قامت جمعية قطر الخيرية ومؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للخدمات الإنسانية والهلال الأحمر القطري والعديد من الجهات القطرية الأخرى بتمويل العمليات العالمية ل”هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات”.

  • عبد الله بوزكورت هو صحافي استقصائي ومحلل سياسي مقيم في السويد. وهو يدير “شبكة االبحث والرصد الإسكندنافية” (Nordic Research and Monitoring Network)، وهو رئيس مركز ستوكهولم للحرية. يمكن متابعته عبر تويتر على: @abdbozkurt. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.
  • يصدر هذا المقال بالعربية في “اسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “نورديك مونينتور” (ستوكهولم).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى