هل تُعزّزُ صفقةُ الغازِ البحري بينَ لبنان وإسرائيل إرثَ عون؟

مايكل يونغ*

قبل أقلّ من أسبوعين من مغادرته المُقرَّرة لمنصبه، يصرُّ الرئيس اللبناني ميشال عون على أن اتفاقَ لبنان الأخير مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية يُمثّلُ نجاحًا شخصيًا له. ويُمهّدُ الاتفاق الطريق أمام لبنان وإسرائيل لاستغلال احتياطات الغاز البحرية لكلٍّ منهما -أو بالأحرى احتياطات الغاز المُفتَرَضة- في مناطق اقتصادية حصرية مُحَدَّدة بوضوح.

من المؤكد أن الرئيس عون ومستشاريه قاموا بالمناورة بشكلٍ جيد للتأكّد من أنهم كانوا في قلب المفاوضات مع الوسيط الأميركي عاموس هوشستاين. الاتفاقُ يعني أن حطامَ قطار رئاسة عون، حيث انهارَ الاقتصاد اللبناني وانتشر الفقر في جميع أنحاء المجتمع، لن ينتهي بتذمّر. ولكن، أبعد من ذلك، ليس من الواضح أن الاتفاقية قد تُغَيِّرُ الكثير بالنسبة إلى الرئيس.

بالنسبة إلى عون، تسود قضيتان رئيستان، وكلاهما يتعلّقُ بالمستقبل السياسي لصهره جبران باسيل. أوّلًا، يأملُ الرئيس أن يكونَ لدوره في تأمين صفقة مع إسرائيل تداعيات إيجابية على الصعيد المحلي، الأمر الذي سيتيح لباسيل حريةٌ أكبر لفرض أولوياته على الرئيس المقبل، حتى وإن كان من غير المحتمل للغاية أن يتم انتخابه هو.

ثانيًا، يعتقد الرئيس أيضًا أن توقيعه على صفقة بوساطة من إدارة جو بايدن سيجعل من المرجح أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها عن باسيل. وكان رئيس “التيار الوطني الحر” عوقب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 بتهمة الفساد. لكن العونيين يعتقدون أن الدافع الحقيقي كان قرب باسيل من “حزب الله”. لذلك، يُفترَض بأن تسهيل الرئيس للاتفاق مع إسرائيل، وموافقة باسيل على ذلك، أن يُبعِدَ ألأخير عن الحزب وتشدّده المُناهِض لإسرائيل.

كل هذه الافتراضات خادعة أو مُضَلّلة أو مَبنيّة على مُقدّمات زائفة. إن افتراض عون أن الصفقة مع إسرائيل ستعكس وجهات النظر السلبية لرئاسته في الداخل هو من باب التمنّي. ليس من الواضح بعد كمية الغاز التي يمتلكها لبنان، أو تكلفة استخراجها، أو كيف سيتم بيعها، لكن غالبية اللبنانيين لا تربط الصفقة بعون وحده. لم يكن هناك اتفاقٌ إلّا عندما غنّى رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء من النشيد نفسه، بعد الكثير من الخلافات.

كما لا يبدو أن عون مُدرِكٌ أن حجمَ الانهيار الاقتصادي كبيرٌ لدرجة أنه لا شيء يفعله سيُغيّر آراء مواطنيه تجاهه. لقد كان مصدرًا رئيسًا للخلاف الوطني (على الرغم من أنه لم يكن وحيدًا)، وبالتالي كان أحد هؤلاء القادة الذين ساهمت عدم كفاءتهم خلال فترة الأزمة في إفقار المزيد من اللبنانيين منذ بداية الانهيار في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

إن أمَلَ عون في أن يَمنَحَ نجاح الصفقة البحرية باسيل المزيد من النفوذ لفرض شروطه على رئيس لبنان المقبل أمرٌ مُضَلِّل. منذ أن أدرك باسيل أنه ليست لديه فرصة لخلافة والد زوجته، سعى إلى فرض شروطه على أيّ رئيسٍ جديد، واستخدام ذلك كنقطة انطلاقٍ لترشيحه في غضون ست سنوات. يشعر باسيل أن بإمكانه القيام بذلك، لأن الرئيس الجديد سيحتاج إلى موافقة الكتلة المسيحية التي يتزعمها نائب البترون لتأمين شرعيته.

ومع ذلك، فإن هذه المعادلة كانت ستُثبت وتكون موجودة سواء تم الاتفاق على صفقة بحرية أم لا. لم يكن من قبيل المصادفة أنه في اليوم الذي أعطى لبنان موافقته الرسمية على الصفقة مع إسرائيل، كان باسيل يقوم بجولاتٍ بمبادرةٍ جديدة حول الرئاسة. وجوهر خطته أن البحث عن مرشح يجب أن يتم برعاية رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية، وأن يكون مرشحًا توافقيًا يتمتع بقوة تمثيلية.

بالنسبة إلى باسيل، التمثيل يعني التمتع بدعم الكتل المسيحية الكبيرة في البرلمان. منذ أن قال حزب “القوات اللبنانية”، المنافس المسيحي الرئيس للعونيين، إنه سيدعم مرشحًا يواجه “حزب الله”، بدأ العونيون يُلَمِّحون إلى أنه من خلال دعم مرشح توافقي (وهو خيار تفضّله معظم الأحزاب السياسية)، يمكنهم وحدهم منحه شرعية مسيحية.

الصفقة البحرية لم تُعزّز أو تُضعف من قبضة باسيل في هذا الصدد. وربما يصحُّ القول أيضًا إن ذلك لم يؤثر في موقف الأميركيين في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليه أيضًا. بينما أثار باسيل غضب واشنطن والعديد من الدول العربية منذ فترة طويلة بسبب تحالفه مع “حزب الله”، فقد تمت معاقبته بموجب “قانون ماغنيتسكي لمساءلة حقوق الإنسان العالمي” (Magnitsky Global Human Rights Accountability Act). ويعاقب هذا القانون أولئك المتورّطين في الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، ولكي تزيل الولايات المتحدة هذا التصنيف/العقاب، يجب عليها تبرير مثل هذه الخطوة علنًا.

إن تصنيف واشنطن لشخص فاسد يتطلب عملية طويلة لتأكيد هذا الاتهام. لا تستخدم وزارة الخزانة هذا السلاح باستخفاف، وقد كشف المسؤولون الأميركيون سرًّا في الماضي أن الجهود المبذولة لفرض عقوبات على الأفراد المُقرّبين من عون أسقطتها وزارة الخزانة بسبب نقص الأدلة. ويبدو من السخف أن نفترضَ أن باسيل سيُعلِن بطريقةٍ سحرية براءته لأن والد زوجته دفع باتجاه صفقة تصبُّ في مصلحة لبنان.

في أحسن الأحوال، الصفقة البحرية هي مجرد جائزة ترضية لعون، إذا كانت تعني أنه يمكن استغلالها في المنافسات السياسية الداخلية من قبله ومن قبل باسيل. ومع ذلك، فمن المؤكد أنها تتناقض مع سنوات من الأداء الكئيب، عندما ضحّى عون بكل شيء نيابة عن صهره. ستنتهي مدّته قريبًا وسيكون ال”خروج” بملاحظةٍ “إيجابية”، لكنه لن يُدرِكَ أبدًا أن الكلمة العملية هنا، بالنسبة إلى معظم اللبنانيين، هي “خروج”، وليست “إيجابية”.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى