Moi civiliser vous

هنري زغيب*

قبل أَيام، تحديدًا صباح الأَربعاء2 آب/أغسطس الجاري، صدرَت جريدة “لوموند” الفرنسية الشهيرة، وعلى جبين صفحتها الأُولى افتتاحية بعنوان عريض: “لبنان… يَخُونُهُ حكَّامه” (Le Liban trahi par ses responsables). ولا أَدري إِن كان أَحد عندنا من الحكَّام “الجهابيذ” (جمع “جَهْبَذ” وهي هنا للسخرية إِذ الجمع الصحيح هو “جهابذَة”) قرأَ هذا العنوان وشعر بالذُلِّ والعار والخجل أَن يكون من أَهل الحكْم اليوم.

وقبل أَسابيع، في 14 تموز/يوليو الماضي، كان في قصر الصنوبر احتفالٌ بالعيد الوطني الفرنسي، ولا أَدري كم بين أُولئك الحكَّام “الجهابيذ” عندنا نكَّس رأْسَه ذُلًّا وعارًا وخجلًا وهو يُصغي إِلى تقريع السفيرة الفرنسية آن غريُّو تنهال على سياسيي لبنان الحاضرين منهم والغائبين، صافعةً إِياهم بعبارات من طراز “أَين كنتم لو انَّ فرنسا لم تحتضن مع شركائها قواكُم الأَمنية؟ وأَين كنتم لو ان فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي ثلاث مرات متتالية لتُجَنِّبَكم انهيارًا عنيفًا تحت وطأَة الإِفلاس المالي والانفجار في مرفإِ بيروت، ولو لم تَهُبَّ فرنسا لدعم مدارسكم كي لا تُغلق أَبوابها؟”.

هذا الكلام السافر من سفيرة فرنسا، ذكَّرني بغلاف مجلة “الصياد” التي أَصدر سعيد فريحة عددها الأَول نهار استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1943، وعلى غلاف العدد رسم كاريكاتوري لِـجُنديِّ سنغالي في لبنان يتنمَّر على مجموعة مواطنين لبنانيين صارخًا بهم: “Moi civiliser vous” (أَيْ أَنا أُمَدِّنُكُم”) وكان الجيش السنغالي فترتئذٍ ينفِّذ في لبنان أَوامر سلطة الانتداب الفرنسي.

طبعًا، ليس مقبولًا، بل مرفوضٌ بحزمٍ، كلام هذا السنغالي المأْجور الذي يجهل حضارة لبنان، وكذلك كلامُ سفيرة فرنسا في مخاطبة اللبنانيين وتمنينهم بما فعلَت فرنسا للُبنان، وإِن يكن مُـحْكمًا توجيهُها كلامَها للسياسيين اللبنانيين، كما صحيحٌ ما جاء في عنوان افتتاحية لوموند بأَنَّ لبنان يخونُه سياسيوه.

هل أَتجَنَّى على بيت بو سياسة؟ أَبدًا. ها هم اليوم مرتاحون على وضْعهم، يُمضُون الصيف هانئين هنا أَو في الخارج، وكلُّ ما يفعلونه هو انتظار الـ”بابا نويل” جان إِيف لودريان يعود إِليهم بسلة هداياه حاملًا لهم الحلَّ في أَيلول إِذا حلَّ أَيلول وجاء اللودريان كما وَعَد.

صحيح أَنَّ بين أَهل السياسة عندنا من يُنادون بالحل الوطني واتفاق أَهل البيت دون انتظار الـ”بابا” نويل الفرنسي، لكنَّ نداءَهم لا يلقى صدى، ويبقى السياسيون مستلقين على ظهورهم بدون أَدنى جهد أَو تعب، منتظرين الحلَّ من مندوب الخماسية الدولية يأْتيهم به “لودريانيًّا” فيبْصمون عليه ويعلنون أَنهم تعبوا واجتهدوا كي يؤَمِّنوا انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، وحجَّتُهم السخيفة ذاتها بأَن الرئيس اللبناني هو دائمًا حصيلة توافق دولي.

لا أَعرف، ولا أَعرف مَن يعرف بلدًا في العالَم مُشَرِّعوه بلا رأْي ولا قرار ولا صوت، يرتاحون في بيوتهم أَو على شطآن عطلتهم الصيفية، وينتظرون مَن يأْتي لهم بالحلِّ مُعَلَّبًا من الخارج فيبصمون عليه. ومع ذلك يدَّعون ويتغرغون بأَنهم يمثِّلون صوتَ شعبٍ منحهم صوتَه فجَعلوه في ساعة الصِفْر صِفْرًا أَحمقَ فارغًا بل… مُفْرَغًا من أَيِّ صوت.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى