إنكماش “سيتي غروب” يوضح إتجاهاً في البنوك الأميركية الكبرى

كانت قضية البنوك العملاقة التي هي أكبر من أن تُقفَل السبب الأكبر للأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة ومن ثم العالم في العام 2008، وعلى هذا الأساس فقد أصدرت إدارة أوباما قانون دود – فرانك الذي وافق عليه الكونغرس والذي أدى إلى إعادة بعض الثقة إلى الأسواق المالية الأميركية. ولكن بعد ست سنوات على صدوره إلى أي حد نجح؟ وما هو وضع البنوك العملاقة حالياً في أميركا؟

سيتي غروب في نيويورك: قلص نفسه لكنه ما زال عملاقاً
سيتي غروب في نيويورك: قلص نفسه لكنه ما زال عملاقاً

نيويورك – سمير صفير

أصبح “سيتي غروب” أول مصرف عملاق في الولايات المتحدة منذ نحو عقدين من خلال التوسع في مشاريع وشركات وبرامج جديدة في الوقت الذي سعى إلى إسقاط الحواجز التي تحد من حجمه. ولكن بعد أزمة 2008 تغيّرت أشياء كثيرة فيه وفي غيره من المصارف الكبيرة.
في الشهر الفائت بدا “سيتي غروب” مختلفاً كثيراً بشكل واضح عندما أعلن عن نتائجه الفصلية. لقد إختفت كلياً خطوط الأعمال مثل القروض العقارية عالية المخاطر، والتي كانت تُستخدَم لتحديد الشركةً.
على مدى السنوات السبع الفائتة، باع “سيتي غروب” أكثر من 60 شركة تابعة له، متخلياً عن فروع بنوك التجزئة من بوسطن الى باكستان. بعد كل ذلك، تقلصت حيازات البنك ب700 مليار دولار – مبلغ يعادل تقريباً الناتج الإقتصادي لسويسرا. وقال الرئيس التنفيذي للبنك مايكل كوربات في الشهر الفائت انه منذ توليه منصبه في العام 2012، إنخفض عدد القوى العاملة في الشركة بنسبة 40،000 وظيفة، من خلال تسريح العمال أو بيع شركات.
في الحملة الإنتخابية الأميركية، وفي النقاش الديموقراطي، خصوصاً على لسان السيناتور بيرني ساندرز، الذي تردد خلال الأسابيع الفائتة، كثيراً ما عاد الحديث إلى إفتراض أن شيئاً قليلاً جداً قد تغير في النظام المصرفي في أميركا منذ الأزمة المالية في العام 2008. ولكن النتائج المالية ل”سيتي غروب” كانت واحدة من الأشياء العديدة للتذكير عن مدى ما حققته الحكومة من نجاح فعلي من خلال دفعها للبنوك لكي تصبح أبسط وأكثر أماناً، إن لم تكن دائماً أصغر.
من ناحية أخرى، أكد بنك “أوف أميركا” و”جي بي مورغان تشيس”، في الإعلان عن أرباحهما الخاصة في الشهر الفائت، كم عزّزا وسادتهما المالية التي راكماها لحماية أنفسهما في أزمة، وكم هي الأعمال الخطرة التي قد تخلصا منها.
إن عروض البنوك خلال الشهر الفائت أشارت أيضاً الى أنه حتى لو يصل السيناتور بيرني ساندرز، الديموقراطي من ولاية فيرمونت، إلى البيت الأبيض – وأُحبِطت رغبته لتقسيم البنوك الكبرى – فإن الشركات المالية سوف تواجه ضغوطاً مكثفة من منظميها ومساهميها لتخفيف عدد الموظفين وخطوط الأعمال.
في نيسان (إبريل) الفائت، تحدث بنك “أوف أميركا” عن إحتمال إجراء مزيد من التخفيضات، في حين أشار “غولدمان ساكس” إلى أنه يتهيأ للشروع في أكبر حملة لخفض التكاليف منذ سنوات.
كل هذه التحركات هي دليل على قوة الأدوات التي إستخدمها المنظّمون بالفعل، وتُظهر نية الإستمرار في إستخدامها، لتغيير الوضع في أكبر البنوك الأميركية.

Untitled-1

بدلاً من مجرد القول للبنوك بالتقلص والإنكماش، فقد إستخدم المُنظّمون مجموعة من أدوات غامضة أحياناً – مثل متطلبات رأس المال – التي بهدوء لكن بشكل كبير تُعاقب البنوك لحجمها وتعقيدها، وتطلب منها ايجاد سبل للتقلّص من تلقاء نفسها.
فقط في الشهر الفائت، مارست هيئات تنظيم العمل المصرفي أداة جديدة نسبياً عندما قالت لخمسة من أكبر ثمانية بنوك أنها في حاجة إلى وضع خطط أفضل لتصفية أنفسها والتقلّص في حالة وقوع أزمة. إذا لم تفعل البنوك ذلك، فقد هدّد المنظمون بإجبارها على التقلّص أكثر من ذلك.
وكان “سيتي غروب” واحداً فقط من أكبر ثمانية بنوك لديه خطته، أو ما يُسمّى “وصية العيش” والتي وافق عليها مجلس الإحتياطي الفيديرالي والمؤسسة الإتحادية للتأمين على الودائع، في جزء كبير بسبب خطوات البنك التي إتخذها بالفعل بتقليص حجمه.
مع ذلك، مثل البنوك الكبرى الأخرى، فإنه لم يخرج بعد من الغابة. بسبب العقوبات التنظيمية لكونه كبيراً، يتساءل بعض الخبراء في شارع المال “وول ستريت” أنه حتى لو قلّص حجمه، فإن “سيتي غروب” لا يزال كبيراً جداً.
“يجب أن تقوموا ببيع الفضيات في قاعات الطعام أو مشابك الورق في المكتب أو كراسي المكتب أو المكتب كله”، قال المحلل المصرفي مايك مايو لكبار المسؤولين التنفيذيين في “سيتي غروب” في محادثة عبر الهاتف في الشهر الفائت.
وكان إحباط مايو إستجابة لمعاناة ونضالات “سيتي غروب” وغيره من المصارف العملاقة لزيادة الأرباح تحت العبء التنظيمي الجديد الذي يواجهه. وكانت النتائج في الربع الأول هذا العام من بين الأضعف التي أفادت البنوك الكبيرة عنها منذ الأزمة المالية، فيما هي تصارع وتعاني مع تباطؤ الاقتصاد العالمي وإنخفاض أسعار الفائدة بشكل مستمر.
ودفعت التحديات بأسهم البنوك نزولاً في هذا العام إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2012. وهذا بدوره، قد أجبر مديري البنوك على خفض الرواتب والعلاوات، والآلاف من فرص العمل، ضمن نطاق أعمالهم.
الخدمات المالية على الرغم من ذلك لا تزال من بين القطاعات الأكثر ربحاً في الولايات المتحدة. والأهم من ذلك، لا تزال البنوك الكبيرة عملاقة. “جي بي مورغان تشيس” و”ويلز فارغو” هما أكبر مما كانا عليه قبل الأزمة المالية. في جميع البنوك الكبيرة، لا تزال عمليات المخاطرة في “وول ستريت” توفر نسبة كبيرة من الإيرادات والأرباح.
ولكن كل ذلك تم ضغطه من خلال “الإلتزام بالبيئة التنظيمية الحالية”، قال بريان كلانهانزل، المحلل لدى “كيفي برويات أند وودز”، وهو بنك إستثماري.
وقال كلانهانزل أن “سيتي غروب” على الأرجح سوف يضطر إلى الكسر والتقسيم في نهاية المطاف إلى أجزاء أصغر إذا كان يرغب في زيادة النمو في ظل الأنظمة الحالية.
حتى الآن، كثير من الأصول التي باعتها البنوك الكبيرة مثل “سيتي غروب” شملت خليطاً من الشركات والأعمال – قروض الطلاب، ووحدة التأمين، وعمليات التجزئة في الزوايا النائية أو العالم النامي.
ولكن يقول كلانهانزل بأن البنك ما زال بحاجة إلى إتخاذ خطوات أكثر جذرية، مشيراً إلى “سيتي غروب”، كتقسيم أعماله المصرفية بين المستهلكين والشركات إلى شركتين منفصلتين أو بيع أجزاء من وحدته المكسيكية المربحة.
ومع ذلك، يمكن للمصارف الحصول على مهلة وإستراحة من العديد من هذه الضغوط إذا فاز الجمهوري دونالد ترامب بالبيت الابيض في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فقد دعا المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية إلى عكس الإصلاح المالي لقانون دود-فرانك الذي وجّه العديد من الإجراءات التنظيمية الأخيرة.
من ناحية أخرى، يواصل “سيتي غروب” وغيره من البنوك الكبرى الدفاع عن الأهمية الاقتصادية للبنوك العالمية مع مجموعة واسعة من خطوط الأعمال.
“نحن لا نعتقد ان الوقت قد حان لبدء بيع الأثاث”، قال المدير المالي ل”سيتي غروب”، جون سي غيرباتش رداً على المحلل مايو.
ولكن في أكثر من بضع نقاط، تسللت تلميحات الاستقالة إلى عروض كبار التنفيذيين في البنك فيما كانوا يتحدثون عن ضرورة الرضوخ لتشديد القبضة التنظيمية.
“نحن نحاول تلبية متطلبات جميع الأنظمة وجميع القواعد وجميع المتطلبات” قال الرئيس التنفيذي لبنك “جي بي مورغان”، جيمي ديمون في الشهر الفائت، بعد الإعلان عن واحد من أسوأ أرباع البنك منذ سنوات.
واضاف: “لقد كنا نفعل ذلك الآن لمدة خمس أو ست سنوات. لقد مرت ست سنوات على صدور قانون دود-فرانك؛ لديهم وظائفهم للقيام بها، وعلينا أن تتفق ونتوافق ونتكيف مع ذلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى