التقارُبُ السعودي-الإيراني فَشِلَ في خَفضِ التَصعِيد

رُغم الاتفاق الذي وقّعته الرياض وطهران برعاية بكين، لم يعرف الوضعُ من سوريا إلى حدود إسرائيل إلى مضيق هرمز أي تراجعٍ أو خفضٍ للتصعيد الإيراني.

قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني: كأن الإتفاق بين طهران والرياض لم يوقَّع!

ستيفن كوك*

عندما تمَّ الإعلانُ عن اتّفاقٍ بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الديبلوماسية في 10 آذار (مارس) الفائت، رحّبَ العديد من المسؤولين والمعلّقين الأميركيين به. على الرُغمِ من أنَّ الصفقةَ التي رعتها الصين كانت بمثابةِ ضربةٍ واضحةٍ لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلّا أَّنَّ الخبراء توقّعوا أن التطبيع بين الرياض وطهران سيؤدي إلى خفض التصعيد الإقليمي.

لخّصت وحدة المعلومات في مجلة “الإيكونوميسـت”، التي تحظى باحترامٍ كبير، وجهةَ النظر هذه، مُعلِنَةً أنَّ “الحوارَ والتعاونَ الأكبر بين السعودية وإيران بدلًا من العداء والدعم النشط للفصائل المتنافسة من شأنهما إزالةِ ديناميكيةٍ مهمّة مُزَعزِعة للاستقرار من مناطق الصراع في المنطقة” – على الرغم من اعتراف المؤلّفين، الذين لم يُكشَف عن أسمائهم، بأن العنفَ ما زال مُمكنًا. واقترحَ آخرون أن الاتفاقية يُمكنُ أن توفّرَ مجموعةً من الفوائد خارج مناطق الصراع، بما في ذلك إنهاء التدخّل الإيراني في البحرين، وتجديد الاستثمار السعودي في إيران، وحتى تحسين فرص منع انتشار الأسلحة النووية.

إنَّ الحوارَ والتعاونَ الأكبر بين السعوديين والإيرانيين أمرٌ إيجابي بالطبع. لكن على الرُغمِ من تبادلِ السفراء المخطَّط له ودعوة الملك سلمان بن عبد العزيز الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة العربية السعودية، لم يحدث وقفٌ وتخفيضٌ للتصعيد. جولةٌ حول المنطقة، من سوريا إلى حدود إسرائيل إلى مضيق هرمز، تشيرُ إلى عكس ذلك. إن الوقت ما زالَ مُبكرًا بالطبع. الإتفاقُ الذي توسّطت فيه بكين لم يتجاوز عمره ثلاثة أشهر. لكن حتى الآن، يبدو أن الإيرانيين يستفيدون من التطبيع لتنفيذ مصلحتهم الإقليمية بدلًا من تقليل التوتّرات.

الوعدُ الأكبر للتطبيع بين إيران والسعودية هو السلام في اليمن. يريدُ السعوديون إنهاءَ تدخّلهم العسكري هناك، ويسعون إلى الحصولِ على مساعدةٍ من طهران، التي أصبحت راعيةً لخصوم الرياض، الحوثيين. لكن حتى الآن، لم يكن للتطبيع تأثيرٌ كبير في الوضع على الأرض.

هناكَ وقفٌ لإطلاقِ النار، ويُمكنُ للسفن تفريغ المساعدات والبضائع في الموانئ التي كانت مُغلَقة في السابق، ومطارُ العاصمة اليمنية صنعاء مفتوح. كلُّ هذه أخبارٌ جيدة، لكن هذه التطوّرات سبقت الاتفاق السعودي-الإيراني-الصيني. هناك محادثاتُ سلام، لكن إنهاء الصراع في اليمن لا يزالُ بعيدَ المنال إلى حدٍّ كبيرٍ لأنَّ الحوثيين كانوا عنيدين. ربما سيتغيّر ذلك، وربما يكون نتيجة الحوار الجديد بين الحكومتين السعودية والإيرانية، لكن من الصعب حتى الآن القول بأنَّ مسارَ اليمن قد تحسّنَ بشكلٍ ملحوظ نتيجةً للاتفاق.

لا يبدو الوضعُ في أماكن أخرى من الشرق الأوسط أفضل. بعد ثلاثة أسابيع فقط من اتفاق السعوديين والإيرانيين، هاجمَ وكلاءُ إيران القوات الأميركية في سوريا، ما أسفرَ عن مقتلِ متعاقدٍ أميركي وإصابة عدد من الجنود الأميركيين. يستهدفُ عملاء إيران بشكلٍ روتيني ما يقرب من 900 جندي أميركي (وعدد غير معروف من المتعاقدين الأميركيين) في سوريا، ولكن كان من المفترض أن تكونَ لاستئنافِ العلاقات بين السعودية وإيران آثارٌ مُفيدة على التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

يمكن للمرء أن يناقش ويجادل سبب وجود الولايات المتحدة في سوريا، ولكن إذا كانت طهران مُهتمّة بخفض التصعيد الإقليمي، فمن المتوقع أن يُوقفَ حلفاؤها إطلاق النار. وبدلًا من ذلك، تظلُّ إيران مُلتَزِمة بإخراجِ الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ومن الواضح أنها تريد وضع الأميركيين تحت الضغط والنار لتحقيق هذا الهدف.

بعد فترةٍ وجيزة من صدِّ الجنود الأميركيين ضربات الطائرات المُسَيَّرة في سوريا، عقد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اجتماعًا مع قادة “حماس” و”حزب الله” و”الجهاد الإسلامي الفلسطيني” في بيروت. وكانت النتيجةُ هجماتٍ صاروخية مُنسَّقة على إسرائيل من لبنان وسوريا وقطاع غزة. بعد حوالي شهر، في العاصمة السورية دمشق، التقى الرئيس الإيراني رئيسي بقادة الجماعات الفلسطينية المسلّحة الذين ذكرن التقارير أنهم أعربوا عن امتنانهم لدعم طهران.

يبدو أنَّ هدفَ إيران هو تصعيدُ حرب الظل مع إسرائيل. حتى الآن، كانت لدى الإسرائيليين ميزة واضحة، حيث قاموا بشكلٍ روتيني بضرب الجماعات الإيرانية والمتحالفة مع إيران في سوريا والعراق. حتى الآن، لم تتمكّن إيران من الردِّ بفعالية في ساحة المعركة. لكن من الواضح أن قاآني يعتقد أنه إذا تمكّنَ من توحيدِ وكلاءِ إيران، فيمكنه عكس نكسات إيران. ومع ذلك، قد لا يكون الأمر نجح على هذا النحو مع قائد فيلق القدس. لقد قتل الإسرائيليون عددًا من قادة “الجهاد الإسلامي” في قتال في أوائل أيار (مايو) بينما كانت حركة “حماس” تراقب من الخطوط الجانبية. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن هذه الانتكاسة دفعت قاآني إلى إعادة التفكير في جهوده لتصعيد الصراع مع إسرائيل.

ثم هناكَ مياه الخليج العربي. في أيار (مايو)، أعلن البنتاغون أنه يعزز “موقفه الدفاعي” في المنطقة. لماذا؟ لأن الإيرانيين كانوا، مرة أخرى، يُهدّدون الممرّات البحرية. بعد اجتماع قاآني في بيروت، التقطت الولايات المتحدة معلومات تُفيدُ بأنَّ طهران كانت تُخطّطُ لمهاجمةِ السفن التجارية في مياه الشرق الأوسط.

في غضونِ أسبوعٍ واحد فقط في أواخر نيسان (إبريل) وأوائل أيار (مايو)، استولت القوات الإيرانية على ناقلتي نفط. وفقًا لمسؤولين أميركيين، قامت إيران بمضايقة أو مهاجمة أو التدخل في 15 سفينة تجارية ترفع علمًا دوليًا على مدار العامين الماضيين. يبدو أنَّ طهران تستجيبُ وتردّ على تطبيق العقوبات الأميركية، بحسابِ أنَّ الشحنَ -أي شحن- في الخليج هو لعبة عادلة. كانت إحدى الناقلات التي أخذتها تبحر بين الموانئ الإماراتية في دبي والفجيرة، حتى مع تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع إيران. هذا لا يبدو وكأنه تهدئة وتخفيض للتصعيد، أليس كذلك؟

لا تكمن القصة الكبيرة حول الصفقة الإيرانية-السعودية-الصينية في تطوير شرق أوسط أكثر استقرارًا وهادئًا، حيث يأخذ اللاعبون الإقليميون الأمور بأيديهم من أجل صياغة مستقبل أفضل. إنه في الواقع أكثر وضوحًا من ذلك: لقد خسر السعوديون، وتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع إيران هو مجرّد غطاء لتلك النكسة.

من نواحٍ مختلفة أخرى، يبدو السعوديون في صعود: شراء “منظمة العضوية الأولى في العالم للقيام بجولات لاعبي الغولف المحترفين” “PGA” الأميركية؛ اتباع سياسات مستقلة عن راعيتهم، الولايات المتحدة؛ والاستثمار في كل مكان من بكين إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو. لكن في الشرق الأوسط -وتحديدًا اليمن ولبنان وسوريا والعراق- لم يتمكّن السعوديون من طرد الإيرانيين، الذين عززوا أو وسّعوا نفوذهم في جميع البلدان الأربعة في السنوات الأخيرة. ربما كان أكثر مظاهر هذا الأمر دراماتيكية هي رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة الرئيس السوري بشار الأسد -الذي يُدين بحكمه المستمر جزئيًا لإيران- إلى حظوة جامعة الدول العربية الطيبة.

قد يكون السعوديون أساتذة في لعبة الغولف الدولية، لكن الإيرانيين انتصروا في المجال المهم. الآن، بعد أن أبعدت الرياض عن الطاولة ، تعمل طهران على تقويض ما تبقى من التحالف الإقليمي المناهض لإيران في المنطقة – وهي سياسة تشمل شنّ هجوم ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

لفترةٍ طويلة، شَكّلت الافتراضاتُ السيئة أساسَ سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك فكرة أن قادة إيران يريدون تطبيع العلاقات مع جيرانهم. في الواقع، إيران لا تريد تقاسم المنطقة وليست قوّةَ وضعٍ راهن. هدف النظام هو إعادة ترتيب المنطقة بطريقةٍ تُناسب طهران، ومع وعد السعوديين الآن بسفيرٍ واستثمارات، شعر الإيرانيون أنهم أصبحوا راهنًا أكثر حرية لدفع أجندتهم. بعبارةٍ أخرى، ليست هناك تهدئة ولا وجود لتخفيض التصعيد.

  • ستيفن كوك كاتب رأي في فورين بوليسي، وزميل أول في “إيني إنريكو ماتي” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الفجر الكاذب: الاحتجاج والديموقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”. يمكن متابعته عبر تويتر على: @stevenacook
  • يصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى