خَوفٌ لا تَخويف

بقلم راشد فايد*

يعرف “الحزب الحاكم” أن لا أحد في لبنان أو المنطقة، ومن ضمنهم مولاه الإيراني، يُريدُ حرباً في بلاد الأرز، سواء أهلية أو إقليمية، لكن ذلك لا يمنعه من التلويح بها، خصوصاً أن الضحايا، إذا ما وقعت، ليسوا من الفرس، بل لبنانيين من كل الجماعات، وإذا وعد زعيمه بيئته الحاضنة بمفاتيح جنّة مُفصّلة على مقاسهم، فإنه يَعِدُ حليفه في “وثيقة مار مخايل” الشهيرة، بتعديل اتفاق الطائف ليناسب طموحات الصهر ذي الدلال، ويُعيد عجلة الزمان إلى ما قبل “الجمهورية اللبنانية الثانية”.

كيف الدرب إلى ذلك؟

إستخدم صدام حسين، رئيس دولة العراق “القوية” القلّة من زوار بلاده الأجانب من أميركيين واوروبيين، وغيرهم، كدروعٍ بشرية نصبها في مواقع استراتيجية لحمايتها من قصف التحالف الدولي (وقد تبين لاحقاً أن الأمر كان مُبالغاً به).

اليوم، يستخدم السيد حسن نصر الله اللبنانيين جميعاً، بلا تمييز، دروعاً بشرية لحماية حليفه الإيراني في عملية التفاوض على الملف النووي، وهو وزّع، في خطابه الأخير، تهديداته على الجميع، محلياً ودولياً، وأعلن ما يعرفه الجميع ومفاده أنه مَن يُقرر مصير البلاد والعباد، فيرفض أو يقبل ما يناسبه من مبادرات دولية، فيتجاهل المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، بل ويُعاندها بالإصرار على حكومة سياسية، وينصاع وفده إلى موسكو، التي لم تفقد سطوتها السوفياتية الشهيرة، ويُهدّد، إذا لم تعالج الأزمة “ضمن الأطر القانونية والشرعية، فنحن لدينا خيارات كبيرة ومهمة…سنلجأ إلى تنفيذها”، ولا ينسى تخوين مَن يدعو إلى حياد لبنان، رافضاً فهم دعوة البطريرك بشارة الراعي إلّا من كوّة الإرتباط بـ”المحور الأميركي-الإسرائيلي”.

لكن نصرالله الذي يُهدّد الرئيس المُكلَّف أن يشكل الحكومة أو سيعوّم (بصفته مرشد لبنان) حكومة الدكتور حسّان دياب، ويلوّح للمتظاهرين بـ”للبحث صلة” إذا لم يوقفوا قطع الطرقات، ويهدد الجيش والقوى الأمنية أن “تحرّكوا ولا تتفرجوا”، ويأمر حاكم البنك المركزي بوقف انهيار الليرة. هذا الرجل القوي المُهيمن البطاش يريد أن يُقنعنا، وهذا دأبه منذ انطلاقة الثورة السورية، أنه أعجز من مواجهة تهريب الدولار والأغذية المدعومة والكبتاغون والنفط ومشتقاته؟ ربما السبب أن في ذلك تعجيلاً بانهيار البلد، يخدم توجهاتٍ إقليمية ولأن جمهور بشار الأسد أعزّ على قلبه من اللبنانيين ولو أن “البيئة الحاضنة” في عدادهم.

بين موسكو وباريس وبكركي لم يجد السيد بديلاً من رفع سقف المواجهة مع الجميع، وحتى حليفه، النصف الآخر من الثنائي، فبدا خطابه الأخير، رسالة خوف من الآخر، كالصفير في ليل موحش، أكثر مما هي لتخويف الآخر. والسيد عوّدنا ألّا يخبر عن نواياه، فلم ينذرنا اليوم؟  تعلمنا صغاراً أن مَن يُريد أن يقتل لا يُهدّد، فكيف وقد بات الموت والحياة صنوان لدى اللبنانيين، لا يتمايزان، بفضل علاقات عون ونصر الله الدولية والعربية “الناجحة”؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى