أينَ العرب من دروسِ أوكرانيا؟
عرفان نظام الدين*
بينما كانت الحربُ الروسية على أوكرانيا يشتدّ سعيرُها، وتتصاعد المخاوف في العالم من أن تتحوّل إلى حربٍ عالميةٍ ثالثة، ومعها الرعب من التلويح باستخدام الاسلحة النووية، كان بعض العرب يملأ وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات السخيفة حول الروسيّات والأوكرانيات ومع أيٍّ منهما علينا أن نقف.
والأكيد ان الوضع لا يَحتمِلُ مثل هذه الترهات، لأنّ الخطرَ داهمٌ وقد يمتد الى مختلف أنحاء العالم بما فيه منطقتنا العربية التي تعوّدت أن تدفعَ الأثمان الباهظة عند نشوبِ أي حربٍ والوصول الى اتفاق سلام، ولهذا فإنَّ الأولوية يجب أن تتركّز على الأخذ بعين الاعتبار كل تفاصيل الحدث وتبعاته ومدى تاثيره في الأوضاع العربية، وأخذ الدروس والعِبَر وأهمّها أن شريعة الغاب هي السائدة في العالم، وأن الكبير يأكلُ الصغير والقوي يُسيطر على الضعيف وحجّة الأقوى هي الأفضل. والامثلة كثيرة كان آخرها تجربة الانسحاب الأميركي من افغانستان، واليوم تتكرّر التجربة مع أوكرانيا التي تُرِكَت وحيدة في مواجهة الدبّ الروسي لقاء منحها حفنة من الدولارات وكميات من الأسلحة التي لا تكفي ليومٍ واحد في المعركة الشرسة.
الدرسُ الأول هو أن أيَّ اعتمادٍ على الوعود الكاذبة من شرق وغرب يودي الى التهلكة، فشريعة الغاب هي السائدة والدول الكبرى لا يهمّها إلّا مصالحها وأطماعها بثرواتنا ونفوذها، وهذه أمورٌ صارت معروفةً وذاق العرب منها الأمرّين وكانت النتيجة أن دخل الاستعمار من النوافذ بعدما خرج من الأبواب. ونظرةٌ سريعة على خارطة الدول العربية تكفي للتاكّد من هيمنة الدول الكبرى على مصيرها ومُقدّراتها.
الدرس الثاني يدفع للتنبّه من الفرقة والتشرذم والقطيعة، وما آلت إليه العلاقات العربية، وكيف استُغِلَّت لتسهيل عودة الهيمنة. كما إن الوحدة الوطنية تُسهِمُ في إحباط العدوان مع تدعيم الروح الوطنية والإيمان بالوطن والاستعداد للموت للذود عنه، وهذه القيم أثارت إعجابَ العالم كله وهو يشاهد أفراد الشعب الأوكراني يواجهون بصدورهم دبابات العدوان الروسي، ويمكن القول أن الأوكرانيين برجالهم ونسائهم قد حطموا أسطورة القوة العظمى ووجّهوا صفعةً لبوتين المُتعَجرف مهما كانت نتائج الحرب.
الدرس الثالث يُركِّزُ على الاستعداد لصدِّ الاعتداءات في أيِّ وقت. ليس بالأسلحة والمعدّات فحسب، بل بالبناء الداخلي بإصلاح العلاقات بين السلطة والمواطن وتعزيز المشاركة في أيِّ أمرٍ بأُسلوبٍ ديموقراطي حقيقي؛.أما في الجانب الاقتصادي فمن المؤكّد أن إقامةَ نظامٍ إقتصاديٍّ قويٍّ وسليم هو الرديف للاستعداد العسكري. فقد اكتشفنا أخيرًا مدى قوة أوكرانيا الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعة المدنية والعسكرية تصل الى انتاج دبابات ومدفعية وصواريخ وطائرات ومُنشآت نووية، وهذا يدفعنا للتساؤل بحسرة وأسف عن الاقتصادات العربية والناتج المحلي عندما نعلم أن أوكرانيا تصدر نصف احتياجاتنا من القمح والشعير والزيوت وغيرها ونسال أين السوق العربية المشتركة؟ وأين إهراءات الشرق في مصر وسوريا ولبنان والعراق؟ وأين السودان؟ وأين وأين … وأين سلّة الغذاء العربي؟ كل شيء راح وانقضى، ونُهِبت الثروات العربية، وعمَّ الفساد، وتُرِكَت الشعوب تموت جوعًا أو تتسوّل الرغيف في طوابير الذل؟
الأسئلة كثيرة والمطلوب واحد مفقود… ماذا يفعلون الآن لمواجهة المستجدّات؟ أكتفي بسؤالٍ مصيري أين يقف العرب من الحرب القائمة؟ وهل أيقنوا أن مفاعيلها ونتائجها ستشمل العالم كلّه وتطالُ منطقتنا وتضعها على طاولة المفاوضات عندما تصمت المدافع وتحين ساعة إعادة توزيع مناطق النفوذ؟ ثم ماذا لو امتدت نيران الحرب؟ مع التأكيد على أن ما بعد حرب أوكرانيا لن يكون كما كان قبلها في العالم كله، والنظام العالمي الذي بدات ملامحه تظهر واضحة؟ وهذه بعض الدروس التي يجب دراستها حتى لا يقع الفأس على رؤوس العرب؟ فهل نتّعظ قبل فوات الأوان؟
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.