كيف أدخَلَت البَحرينيات التمييز في المواطنة في الفضاء الرقمي

تجدّدت في البحرين أخيراً حملة، تقودها ناشطات نسائيات، يُطالبن بالمساواة في المواطنة. يُشكل التمييز في المواطنة حالياً موضوعًا رائجاً في الخطاب العام، وقد يؤشّر في نهاية المطاف إلى تحوّل في مشهد مُناصرة القضايا الاجتماعية.

التمييز في المواطنة ضد المرأة في البحرين يجب أن يُلغى

ظبية الرفاعي*

في 28 آب/أغسطس الفائت، نشرت مجموعة من البحرينيات صور “سيلفي” على موقع “تويتر” وهنّ يرتدين قمصاناً عليها رسمٌ لرسامة الكاريكاتور البحرينية سارة قائد التي جسّدت نساءً يرتدين اللباس التقليدي ويرفعن أذرعهن نحو السماء للإمساك بيدٍ تَظهر تحتها كلمة “مواطنة”. وتحت هاشتاغ #جنسيتي-حق- لي-ولأبنائي، احتجّ العديد من النساء، إلى جانب عددٍ كبير من النشطاء وقادة المجتمع المدني والنسوي، على التمييز المقنَّن بين المرأة والرجل في قوانين الجنسية البحرينية.

خلافاً للرجل، لا يحق للمرأة البحرينية، حين تتزوّج من رجل أجنبي، أن تمنح جنسيتها لأولادها؛ ونتيجةً لذلك، يعيش الأولاد في البحرين كأشخاصٍ تابعين إلى أن يبلغوا سن الثامنة عشرة، فعندئذٍ يتوجّب عليهم الحصول على إقامة أو يصبحون مُعرَّضين للترحيل من البلاد. لقد سلّطت الحملة الضوء على المخاوف التي تُراود أمّهاتٍ كثيرات مُعرّضات لخطرِ خسارةِ أولادهن لأنهنّ لا يَمتلكنَ الإمكانات المادية أو الواسطة اللازمة من أجل الحصول على إقامة دائمة لأولادهنّ. وقد تحدّثت إحداهن عن الإذلال الذي يتعرض له أولادها غير المُجَنّسين والذين هم بدون أب. فعلى الرغم من تفوّقهم الأكاديمي، لا يمكنهم الدراسة في الجامعة ولا الحصول على وظيفة ولا حتى فتح حساب مصرفي لأنهم لا يملكون المُستندات القانونية اللازمة للاستفادة من الخدمات والمرافق الأساسية في البلاد. وفي أقل من 24 ساعة على انطلاق الحملة، أصبح الهاشتاغ الخاص بها الأكثر تداولاً في البحرين، وانضمت إلى الحملة ناشطات كثيرات من بلدان الخليج المجاورة تضامنًا مع البحرينيات لتسليط الضوء على التمييز والإقصاء اللذين تتعرض لهما النساء في ما يتعلق بقوانين الجنسية.

سياق حملة “جنسيتي حق لي ولأولادي

على الرغم من السمعة التي اكتسبتها البحرين في منطقة الخليج العربي كدولة رائدة في إحداث تحوّل في مكانة المرأة والسماح لها بالمشاركة في السياسة والحياة العامة، إلّا أن البحرينيات ما زلن يواجهن تمييزاً مؤسّسياً في شؤون الجنسية والزواج والعلاقات الأُسَرية. وتقع في صلب هذه القضايا العدسة الجندرية التي رسمت مواطنة المرأة البحرينية ونظّمتها على مستوى الدولة والمجتمع. ففي كل مكان، يُنظَر إلى المرأة رمزياً بوصفها تجسيداً للأمة، ولكن في دول مثل البحرين حيث جرى تثبيت عملية بناء الدولة من خلال قومية دينية موحّدة، يُنظَر أيضاً إلى المرأة بوصفها تجسيداً لتقوى المجتمع ونقاوته الإثنية. ولذلك، في حين أنه يكفي أن يحمل الرجل البحريني الجنسية كي يُعتبَر مواطناً كاملاً، تبقى جنسية المرأة البحرينية مشروطة.

تتحمّل البحرينية عبء التكاثر البيولوجي والعقائدي للأمّة كونها أمّاً وكذلك مُكَلَّفة بشكلٍ أساسي بتأمين الرعاية، ومن هذا المنظار، لا تتمتّع بالاستقلالية الكاملة في اتخاذ قرارها بشأن الشخص الذي ستتزوجه، أو كيف تعيش حياتها بطريقة تُعبّر فعلاً عن مُعتقداتها ورغباتها. ولذلك فإن الدولة تتحكّم بأجساد النساء من خلال قوانين وممارسات تمييزية، فيما يراقبهن المجتمع ويُصدر أحكامه حول مدى “تجسيد” أو “خيانة” الخيارات الحياتية التي تتخذها المرأة البحرينية لمفاهيم المواطنة والانتماء الحقيقيين. والحال هو أنه في المشهد الرقمي للخطاب العام البحريني، يُستخدَم خطاب الخيانة، على نحوٍ شائع، سلاحاً ضد النساء اللواتي يطالبن بالمساواة في الحقوق. وتتحوّل مسائل مثل قوانين الجنسية التمييزية إلى قضايا تتعلق ب”الأمن القومي”، ولا يجوز مناقشتها من قبل الجمهور الساذج الذي يمكن أن ينقاد بسهولة وراء التأثير الغربي.

ردّاً على الاتهامات بشأن التأثير الخارجي، أطلقت نساء ونشطاء بحرينيون عدداً من الحملات الإلكترونية التي تتعلق بقضايا تمييز تختص تحديداً بالبحرين، ومن الأمثلة اللافتة في هذا الإطار المادة 353 التي تعفي المُغتَصِب من الملاحقة القضائية في حال قراره أن يعقد قرانه على الضحية. واعترض نشطاء أيضاً على قوانين الطلاق في المحاكم الجعفرية مُعتبرين أنها مُنحازة على نحوٍ سافرٍ للزوج. وقبل سنوات، شنّت بحرينيات حملة لإقرار قوانين أكثر تشدّداً لمكافحة التحرّش بعد انتشار مقطع فيديو يُظهر مجموعة كبيرة من الرجال تتحرش بسيّدات في متنزه مائي.

تَحَوُّل مشهد الحراك النسائي في البحرين

لا شكّ في أن الهاشتاغ قد ساهم في نشرِ التوعية من جديد بشأن التمييز في المواطنة في البحرين، غير أن الحملة لتحقيق المساواة على مستوى المُواطَنة تعود إلى العام 2007، وتقودها ناشطات رياديات من منظمات مختلفة في المجتمع المدني المحلي تَنَظّمنَ تحت مظلة الاتحاد النسائي البحريني. يمارس الاتحاد، منذ العام 2006، ضغوطاً لإلغاء قانون الجنسية لعام 1963، والذي ينصّ على أنه يجب أن يكون الوالد بحرينياً كي يحصل الأولاد على الجنسية البحرينية. وخاض الاتحاد أيضاً حملةً لدفعِ الحكومة إلى سحب تحفّظاتها بشأن الفقرة 2 من المادة 9 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تتطرّق إلى حق المرأة في إعطاء جنسيتها لأولادها وزوجها.

على الرغم من الجهود الدؤوبة والجديرة بالثناء التي يبذلها الاتحاد النسائي البحريني، لم يتحقق أي تقدّم يُذكَر حتى تاريخه، لسببَين أساسيين. فمن جهة، المسألة سياسية بطبيعتها، ومن جهة ثانية، تواجه منظمات المجتمع المدني في البحرين تحديات بنيوية كبيرة كانت حالت في السابق دون قدرتها على إحراز تقدّم. وتشمل هذه التحديات الإطار القانوني الذي ينظّم أنشطة منظمات المجتمع المدني والذي يُحظّر العمل السياسي؛ وندرة المساحات العامة المُتاحة أمام النساء الراغبات في التنظم والتحشيد؛ ومشاركة الشباب المحدودة في المجتمع المدني بسبب خيبة أملهم وعدم ثقتهم بفاعلية المشاركة المدنية في البحرين، ونزعة التسلّط التي أظهرها جيل النساء الأكبر سنّاً في السابق اللواتي يتولَين قيادة المجتمع المدني تجاه الشباب الأصغر سناً، وكذلك طبيعة المسائل التي غالباً ما تناقشها هذه المنظمات والتي عفا عليها الزمن ولا تُحاكي الواقع.

لكن بُذِلت منذ العام 2020 جهود واسعة من أجل رأب الانقسام بين جيل النشطاء الأكبر سنّاً الذين يعملون من خلال المنظمات الأهلية الفاعلة على الأرض وجيل الناشطين الشباب الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي ويعتبرونها وسيلتهم المفضّلة للمطالبة بالمساواة الجندرية والعدالة الاجتماعية. فقد أنشأ الاتحاد النسائي البحريني أخيراً لجنة شبابية وفتحَ الباب أمام الفتيات والنساء الملمّات بالمجال الرقمي للانضمام إلى اللجنة وأخذ زمام المبادرة في نشر التوعية بشأن التمييز القانوني الذي لطالما واجهته المرأة في البحرين. وشجّع الاتحاد أيضاً على رفع لواء القضايا الأكثر انسجاماً، من خلال لجنة الشباب واستخدام تطبيق الإنستغرام، مع الخطاب النسوي المعاصر الذي يطغى حالياً على المشهد الرقمي البحريني. وثمرة هذا التقارب بين الجيلَين القديم والجديد هي تضافر الجهود بين جناحَي الاتحاد للضغط على المؤسسات الحكومية وإطلاق حملة مكافحة التمييز في المواطنة التي تلقى انتشاراً واسعاً من أجل الدفاع عن حق المرأة في المواطنة المُتساوية والكاملة.

لا شكّ في أننا أمام مشهدٍ واعد، فالقضايا التي تبنّتها دائماً أجيال الناشطات الأكبر سنًا شقّت الآن طريقها إلى المساحات الرقمية للخطاب العام البحريني من خلال الجهود التي يبذلها عدد كبير من الشبان ومن النساء ذوات الوعي السياسي. لقد ساهم تحوّل المشهد في توسيع نطاق الإمكانات المتاحة أمام النساء اللواتي يتمسكن بالأمل ويواصلن النضال من أجل المساواة على الرغم من القيود المؤسّسية الكثيرة التي تعترض التحركات الاجتماعية في البحرين. وفي نهاية المطاف، فإن مدى استعداد الدولة للسماح بتنظيم حملات لمناصرة قضايا المساواة بين المرأة والرجل في السنوات المقبلة يتوقف على النتائج السياسية لهذا الوضع الجديد وغير المسبوق على مستوى الخطاب العام في البحرين والتي تستلهم من الخطابات النسوية الإقليمية والعالمية حول العدالة والسياسات الاجتماعية، وتُلهمها في الوقت نفسه.

  • ظبية الرفاعي هيباحثة بحرينية مهتمة بالنظرية النسوية النقدية وتطبيقاتها في الخليج العربي. يمكن متابعتها عبر تويتر على:@Dabyaa

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى