يجب مساعدة الأكراد السوريين على مُحاكَمة “داعش”

بقلم كابي طبراني

أعلنت السلطات الكردية السورية أخيراً أنها ستبدأ محاكمة الأعضاء الأجانب في تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في الشهر المقبل، وطلبت من المجتمع الدولي مساعدتها في المحاكمات القضائية. بعد مرور عام تقريباً على سقوط آخر معقل ل”داعش” في سوريا، لا تزال “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي يقودها الأكراد، والتي تحكم شمال شرق البلاد، تحتجز 12,000 من المشتبه بهم من أعضاء “داعش” وعائلاتهم في معسكرات وسجون مؤقتة.

الأكراد السوريون في وضع دقيق. لا يُمكِنهم إحتجاز وسجن المُشتبه بهم وعائلاتهم إلى أجَلٍ غير مُسمّى، لكن في الوقت عينه لا يُمكنهم إعادة آلاف المقاتلين الأجانب من جانب واحد لمواجهة العدالة في بلدانهم الأصلية، كما لا يمكنهم محاكمتهم كلهم في سوريا.

على الرغم من ادعاءاتهم بأن المحاكمات ستبدأ بمساعدة أجنبية أو بدونها، فإن الحقيقة الصارخة هي أن هذه المساعدة ضرورية في الحرب الأوسع ضد الإرهاب. إن السلطات الكردية السورية ببساطة لا تملك الوسائل المالية والخبرة الفنية للقيام بهذا المسعى بنفسها.

وكما هو واقع الحال، فإن محكمة الشعب في شمال وشرق سوريا ليس لديها محامون ولا وسائل لمعالجة الطعون. ومما زاد من معاناة السلطات الكردية هو رفض الدول الغربية، التي هي جزء من التحالف العالمي لهزيمة “داعش”، إعادة مواطنيها المُشتبه بهم على الرغم من مناشدات “قسد”. لقد ذهبت المملكة المتحدة إلى أبعد من ذلك، إذ أنها جرّدت أعضاء “داعش” من الجنسية البريطانية للتهرّب من مسؤوليتها عن الإرهابيين المحليين.

لا يُمكن جعل “قسد” وغيرها من الجماعات السورية تتحمّل هذا العبء بمفردها، لأسباب ليس أقلها أن الآلاف من الأجانب تعرّضوا للتطرف وتطرّفوا في الخارج، ويجب أن يتحمّلوا مسؤولية وعواقب أفعالهم في البلدان التي حدث فيها هذا التطرّف.

من ناحية أخرى لا تتمتع “قسد” إلّا بسيطرةٍ محدودة على المنطقة – وهو وضعٌ تفاقم بسبب الغزو التركي لشمال شرق سوريا الذي بدأ في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. تعتبر أنقرة أن “وحدات حماية الشعب”، وهي مجموعة كردية والمكوّن الرئيس في “قوات سوريا الديموقراطية”، هي منظمة إرهابية تابعة ل”حزب العمال الكردستاني” المتمرّد ضد النظام التركي، لذا أجبرتها على الخروج من المنطقة الآمنة المزعومة التي تُسيطر عليها على الحدود. لقد سعت “قسد” إلى طلب وتوفير الحماية من الرئيس السوري بشار الأسد لمقاومة هجوم تركيا. كما استفاد العديد من الإرهابيين الذين احتجزهم الأكراد من الفوضى الذي أحدثها التوغل التركي فهربوا من الإحتجاز وأعادوا التجمّع. وقد فرّ ما يقرب من 1,000 إرهابي مشتبه به من مخيم عين عيسى في يوم واحد، ويُمكن لمئاتٍ آخرين الفرار إذا زادت التوترات.

يتطلب إجراء المحاكمات العادلة أيضاً بيئة مُستقرّة، حيث يتم احترام سيادة القانون ولن تتغيّر الإدارة بين عشية وضحاها. الحرب الأهلية المستمرة في سوريا جعلت هذه الظروف غير موجودة ومستحيلة.

إن الفشل في تقديم الإرهابيين إلى العدالة، والفشل في مساعدة آسِريهم على احتجازهم بشكل إنساني وبكفاءة مُمكنة، سيعكس ويُلغي المكاسب التي حققها بصعوبة التحالف العالمي لهزيمة “داعش” وشركائه. كما سيُعرّض العالم لخطر متزايد من الهجمات الإرهابية. يجب أن يعمل المجتمع الدولي معاً لتجنّب مثل هذه الكارثة. وليس التعاون الدولي ضرورياً فقط للمساعدة على حماية الأبرياء من عودة ظهور “داعش”، إنه أيضاً خطوة مهمة في تكريم ذكرى الضحايا والناجين الذين سقطوا، والسماح لعائلاتهم بالشعور بالرضا والإرتياح.

بالأمس، إستمرت محاكمة هاشم عابدي، شقيق الإرهابي الذي يقف وراء تفجير “ملعب مانشيستر” في المملكة المتحدة، في لندن. إستغرقت المحاكمة أربع سنوات حتى تتحقق، إلّا أن نتائجها لا تزال ذات صلة اليوم كما كانت في وقت التفجير. تستحق عائلات 22 ضحية معرفة حقيقة وفاة أحبائها، والسعي إلى تحقيق العدالة لهم. وكذلك الحال بالنسبة إلى العديد من ضحايا “داعش” في سوريا والعراق.

فَقَدَ “داعش” أرضه الأخيرة في العراق في أواخر العام 2017، لكن الفساد ونقص التمويل والإطار القانوني المُهتزّ للمُشتَبَهين بالإرهاب قد أفشل مهمة بغداد في تحقيق العدالة أو كبح الإرهاب. صدرت أحكامٌ بالإعدام على أعضاء “داعش” المُدانين بعد محاكمات مُتسَرِّعة، بينما تمكّن آخرون من الفرار وإعادة تنظيم صفوفهم بمعدل أعلى مما هو الحال في سوريا حيث الحرب مستمرة. ينبغي على جميع البلدان أن تتعلم من هذه الأخطاء وأن تفعل كل ما هو ممكن لضمان تحقيق العدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى