يا للهول!؟

بقلم راشد فايد*

من غير المُجدي النقاش مع صاحب غلظة في الفهم، وخفّة في الرأي، لا سيما حين لا يرى إلّا ما يريد رؤيته، ولم يفقه من حسن النيّة إلّا ما يُغذّي التجهيل. مع ذلك تقتضي الوقائع تذكير مستشار رئيس الجمهورية، سليم جريصاتي، بأن اعتراضه على إشارة الرئيس المُكَلَّف سعد الحريري إلى “وقف العد”، في خطابه بذكرى اغتيال الشهيد رفيق الحريري، كان يجب أن يرد به على أمور مشابهة خصّبها يراعه في 6 شباط (فبراير) 2006 في ما سُمي “تفاهم مار مخايل”.

إستفظعَ المستشار الإشارة حتى حدت به إلى الصراخ، على طريقة الفنان الكبير يوسف وهبي: لا… وألف لا. وكاد يقول “يا للهول” ويدفعني إلى الرد، بالأسلوب نفسه: ويحك؟ ماذا تقول؟ فالمستشار الذي لا يتحرّك لسانه إلا خدمةً لأوهامه تجاه فريق وازن مُحدَّد في هذا الوطن، زعيمه سعد الحريري، لم يرَ في “وقف العدّ” إلّا اعتداء على الدستور الذي يضمن المناصفة، بينما كان قائده وقّع “التفاهم” الشهير، بما فيه من إيحاء بمعاملة المسيحيين كأهل ذمة، وهذا ما أكده قادة التيار في إشاراتهم الدائمة إلى أن التفاهم إياه “حمى المسيحيين”.

السؤال: مِمَن حمى التفاهم المسيحيين؟ من “كاريتاس”، أم مِمَن يحمل السلاح، واستفاد من الغطاء المسيحي الجزئي لـ”يغزو” بيروت والجبل في 7 أيار (مايو) 2008 ؟ وأين الرهان على مؤسسات الدولة، لا سيما الجيش وقوى الأمن وأجهزة الاستخبارات والمعلومات ومشتقاتها؟ فكيف يقبل المستشار، ومَن هو أعلى منه، أو دونه مقاماً، بالدويلة بديلاً من الدولة لحماية المسيحيين، وينسى حماية المؤسسات  الوطن والمواطنين؟

لا تشي الوقائع منذ وُلِدَ “التفاهم” بغير ذلك: وضع هذا النص المسيحيين تحت ولاية الحزب المسلح، ولم يهتز عنفوان المستشار مذاك ولم يصرخ “لا…لا، بل كاد يلقي الأشعار الإحتفالية المُناسِبة. ولا يخرج كلامه عن سياق تفخيخ الدرب أمام الرئيس المكلف، والواضح أن بين اللبنانيين من يستسيغ إبقاء البلاد بلا حكومة، برغم كل المآسي المتولّدة عن ذلك في الحياة العامة، فيتصيّد أي فرصة لزرع التفخيخ السياسي. في المقابل يغيب الحزب المهيمن عن المشهد كأنه في بلاد أخرى.

للتذكير، إشتهر زمن هيمنة المنظمات الفلسطينية بعبارة ” القصة بنانية بنانية”، أي “لبنانية لبنانية” (باللهجة الفلسطينية الشعبية)، أي أن لا دخل للمنظمات المسلحة الفلسطينية، لا من قريب ولا من بعيد، باشتباك ما أمني، أو تشكيلة حكومية، والمغزى المُضمر هو أن أوان إنهائه لم يحِن بعد، ولم يتحقّق المُرتجى منه لمصلحة أصحاب اليد العليا. وفي زمن احتلال الوصاية الأسدية للقرار اللبناني، لم يتغيّر النهج فإذا “انتصر” الحليف الأقرب كان به، وإلّا “دُعم” بآخرين. المهم أن “النتيجة لمصلحة “اليد العليا” الراهنة.

اليوم يُعيد الحزب المسلح الوقائع ذاتها، وغدا ستتوالى، في الوقت المؤاتي، أفخاخ مطالب سنّة 8 آذار، وحصة القوات اللبنانية، والعقدة المسيحية والعقدة الدرزية في خلدة، كما الأرمن. ويسألون: مَن لا يريد ولادة الحكومة؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى