أَجمل مكتبات العالَم (4 من 4)

واجهة مبنى مكتبة رضا (الهند)

هنري زغيب*

بين أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم، عرضتُ ثلاث مكتبات عامة في الحلقة الأُولى من هذه السلسلة، ، وثلاثًا أُخرى في الحلقة الثانية، ثم ثلاثًا في الحلقة الثالثة. هنا الحلقة الرابعة والأَخيرة عن أَربع مكتبات.

أَين هي؟ وماذا فيها؟

  1. مكتبة دير ويبلينكِن في أُولْـم (أَلمانيا)

تبدو للنظرة الأُولى كأَنها تجسيد مادي لحكاية خيالية من العصر الباروكي (طراز آخر القرن السادس عشر ومطالع القرن الثامن عشر). هي من أَجمل المكتبات في العالَم لكنها محصورة داخل دير أَلْماني لا يزورُه كثيرون. تم تصميمها على طراز “الروكوكو”  (تيار هندسي نشأَ في فرنسا مع أَواسط ثلاثينات القرن الثامن عشر في انتفاضة ضد كلاسيكية طراز لويس الرابع عشر، وراح ينتشر في أُوروبا خصوصًا في إِيطاليا والنمسا وجنوب أَلمانيا). يلفت فيها الوهم البصري الذي يوحي بأَن أَعمدتها الرخامية بيضاء وزهرية، وبأَن تماثيلها من الخزَف والذهب، لكن الواقع أَن أَرضها وسقفها من الخشب المطلي في واقعية مباشرة تسمى “الغش البصري” (فن خاص يُظهر المنظر في ثلاثة أَبعاد، بينما هو ذو بُعد مسطَّح واحد).

لم يبقَ فيها اليوم سوى 96 كتابَا نادرًا من أَصل 15,000 كانت تَملأُ المكتبة مرتَّبةً بحسب المواضيع التي كان يشي بها رسمٌ فوق باب الجناح. غير أَن المعارك الفرنسية النابوليونية أَتاحت سرقة الكثير من الكتب إِلى فرنسا، وصادر البقيةَ ملِكُ ووتمبرغ فردريك الأَول (1754-1816). تَـمَّ إِخراج الدير والمكتبة من سيطرة الكنيسة على عهد نابوليون سنة 1803. فقبْل نابوليون كانت أَلْمانيا مشَكَّلة من مئات مقاطعات صغيرة تحت سيطرة الكنيسة، بعدذاك لم تعُد فيها إِلا نحو 36 مقاطعة إِذ تمت مصادرة الأَملاك بتحويلها إِلى أَتباع نابوليون. واليوم أَصبح الدير جزءًا من جامعة أُولْم الأَلْمانية.

داخل مكتبة سانت غال (سويسرا)
  1. مكتبة رضا (رامبور، الهند)

هي في قلب التراث الهندي/الإِسلامي الثقافي. تمتلئُ رفوفها بآلاف الكتب واللوحات والمنمنمات والوثائق التاريخية والمخطوطات المهمَّة والنادرة. وفي أَحدث إِحصاء أَن فيها نحو 90 أَلف كتاب قديم بالعربية والأَردية والفارسية والسنسكريتية ونحو 21 أَلف مخطوطة بينها 5500 مخطوطة بالعربية.

أَسسها سنة 1774 حاكم رامبور فضل الله علي خان (1730-1794) وتديرها الآن الحكومة المركزية. هي في قلعة حميد علي خان (1896-1930) وهو كان أَحد المشاركين في “معرض القصر البلوري الأَمبراطوري” الذي أُقيم احتفاءً بتتويج الملك جورج الخامس. كان حميد نظَّم المعرض وكلَّف لتصميمه المهندس الشهير وليام كرو رايت (1837-1906) فبناه على طراز يجمع العناصر الإِسلامية والهندية والقوطية معًا. ولاحقًا كثيرًا ما اعتمد هذا الطرازَ مهندسون بريطانيون في الهند إِبان القرن التاسع عشر.

بعد الوحدة الهندية وانضمام رامبور إِليها سنة 1949، أَصبحت المكتبة في عهدة مجلس أُمناء شكَّله سنة 1951 حاكمُ رامبور رضا علي خان باهادور (1908-1966)، وظل المجلس نافذًا حتى 1975 حين انتقلَت المكتبة إِلى رعاية الدولة بقرار من مجلس النواب، أبقى على حاكم رامبور سيّد مرتضى علي خان (1926-1982) نائبَ رئيس مجلس الأُمناء مدى الحياة. ولدى وفاته أُلغي هذا المنصب. والمكتبة حاليًّا تتمتع بنظامها: مؤَسسة وطنية مستقلة بوصاية وزارة الثقافة ولها ميزانية خاصة من الدولة المركزية، وهي عضوٌ رئيس في “الدائرة الوطنية للمخطوطات” التي أُنشئَت سنة 2003.

مكتبة شتوتغارت (من الداخل)
  1. مكتبة دير القديس غال (غالن، سويسرا)

القديس غال (550-645) راهب إِيرلندي ساهم في نشر الإيمان عبر أُوروبا الغربية. وكلا الدير والمكتبة من القرون الوسطى وهما “من أَكبر المراكز الثقافية في أُوروبا”. صمَّم المكتبة المهندس النمساوي بيتر ثومب (1681-1766) على طراز الروكوكو، وعلى جبين مدخلها الرئيس نقْشٌ يوناني معناه: “مكانٌ شافٍ شجونَ الروح”.

المكتبة مرفوعة على اسم القديسين السويسريين غال وأوثمار، والدير كان من أَوائل المواقع التي سجَّلَتْها منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالَمي سنة 1983 كــ”نموذج الدير الكارولنجي من الزمن الأَمبراطوري الجرماني”. وكلا الدير والمكتبة مسجَّل في “اللائحة السويسرية للكنوز الثقافية ذات الأَهمية الوطنية والإقليمية”.

المتوفر حاليًّا في المكتبة نحو 400 مخطوطة باتت مسجلة مرقمنَة في المكتبة الرقمية الإِلكترونية، وهي مشروع نموذجي بات يضم نحو 600 مخطوطة متوفرة. والمكتبة الرقمية باتت اليوم جُزءًا من مكتبة جامعة فرايبورغ.

  1. مكتبة مدينة شتوتغارت، ألْمانيا

تبدو من الخارج كأَنها مكعَّب متقَن، مصمَّمة بشكل يجمع الحديث مع التقليدي. قاعتُها الكبرى تتَّبع طراز البانتيون في باريس. و”مؤسسة يونغ يـي” للهندسة صمَّمت المكتبة بشكل مكعَّب مربّع من طبقتين تحت الأَرض وتسع فوق الأَرض، طول جدارها 44 مترًا بعلُوّ 40 مترًا. هي من الإِسمنت الخام مع القرميد والزجاج لإِعطاء مناخ من الهدوء والأَمان في إِطار من الجمال البصري والمدى المفتوح.

وفي الطبقات الثماني مطعم ومقهى أَدبي ومجموعات تشكيلية نادرة، ومنها يمكن الخروج إِلى الطبقة التاسعة التي تتيح رؤْية دائرية في 360 درجة فوق وادي شتوتغارت، وصالة محاضرات واجتماعات ذات 300 مقعد.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى