اللحوم النباتية: طفرة صناعة في زمن كورونا؟

مع استمرار نمو صناعة اللحوم النباتية العالمية على الرغم من تعطيل جائحة كوفيد-19، من المتوقع أن يشهد العديد من المناطق الناشئة طفرة في القطاع الذي سيصمد أمام الفيروس.

“ووبر المستحيل” لبيرغر كينغ: نال نجاحاً كبيراً

بقلم سمير الحلو

اللحوم النباتية هي مصطلح واسع يُستخدَم للإشارة إلى المُنتَجات التي يُقصَد منها أن تبدو من حيث المظهر والشم والنكهة مثل اللحوم، ولكنها مصنوعة – كما يوحي الإسم – بالكامل من النباتات وغيرها من المُنتجات غير الحيوانية.

لطالما كانت بدائل اللحوم الغنية بالبروتين مُتاحة، حيث يُشكل كلٌّ من التوفو (المصنوع أساساً من حليب الصويا) والتمبيه (المصنوع من الصويا) من بين المنتجات الأكثر شهرة في هذه الفئة – لكن هذه المواد الغذائية لا تهدف إلى تقليد اللحوم الفعلية.

في حين أن بدائل الألبان النباتية تزداد شعبيتها منذ بعض الوقت وتُشكّل الآن صناعة متطورة بشكل جيد، فقد اعتُبر تقليدياً أنه من الصعب للغاية إعادة إنتاج مظهر وملمس ونكهة اللحوم من خلال منتوجات نباتية.

ومع ذلك، فإن التطورات الجارية في الصناعة تعني أنه من السهل بشكل متزايد إنتاج المنتجات النباتية التي تُشبه إلى حد بعيد نظيراتها القائمة على الحيوانات.

وقد أدى هذا إلى نموٍّ كبير في ربحية القطاع العالمي. في الولايات المتحدة، بلغت قيمة صناعة الأغذية النباتية أكثر من 5 مليارات دولار في العام 2019 ، بزيادة 11٪ عن العام السابق، في حين نمت مبيعات اللحوم النباتية بنسبة 18٪ في العام الماضي و38٪ خلال العامين الماضيين.

على الصعيد العالمي، من المتوقع أن ينمو سوق اللحوم النباتية بمعدل 1.6٪ هذا العام – من 12.2 مليار دولار في 2019 إلى 12.4 مليار دولار. ومعدل النمو هذا هو أبطأ مما كان متوقَّعاً نتيجة لـكوفيد-1919. ومع ذلك، من المتوقع أن تصل الصناعة إلى 17.7 مليار دولار بحلول العام 2023.

شهد العام الماضي ما اعتبره الكثيرون لحظة اختراق في تغلغل اللحوم النباتية في الإتجاه السائد، عندما أطلقت سلسلة الوجبات السريعة العالمية “بيرغر كينغ” “ووبر المستحيل” (Impossible Whopper)، وهو بديل نباتي لأحد منتجاتها الرئيسة.

في مؤشر آخر إلى التغيير الكبير في بحر الثقافة، كانت القائمة في حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام تقريباً نباتية.

شهد هذا العام أيضاً امتلاء المساحة بالأقسام النباتية الجديدة للاعبين رئيسيين في مجال الأغذية، مثل “إنكوغميتو” (Incogmeato) لشركة “كيلوغ” (Kellogg) و “بلانتيرا فودز” (Planterra Foods) لشركة اللحوم الضخمة “جي بي أس” (JBS).

أحد العوامل المهمة وراء هذا التعزيز في ظهور اللحوم النباتية وشعبيتها هو الوعي المتزايد بالضرر البيئي الذي يُسببه أكل اللحوم. تُعتَبر تربية الماشية إحدى القطاعات الرئيسة المساهمة في تغير المناخ، في حين أن أنظمة الثروة الحيوانية – الأراضي المستخدمة إما للرعي أو لزراعة محاصيل العلف – تُشغل حالياً 45٪ من الأراضي على كوكب الأرض.

هناك أيضاً تصوّر متزايد بين المستهلكين بأن اللحوم النباتية صحّية أكثر مما يطلق عليه البعض – في محاولة لإعادة تشكيل المحادثة – مصطلح اللحوم “التقليدية” أو “الحيوانية”.

اللحوم النباتية وكوفيد-19

بعيداً من رؤية توسّعها المُحبَط بسبب جائحة فيروس كورونا، حققت صناعة اللحوم القائمة على النباتات مكاسب كبيرة في الأشهر الأخيرة، مع تجربة العديد من العملاء الجدد لمنتجاتها لأول مرة.

وفقًا للأرقام الصادرة عن شركة “نيلسن” (Nielsen) في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، تضاعفت مبيعات اللحوم النباتية البديلة الطازجة في الولايات المتحدة تقريباً في كل شهر من هذا العام.

أحد جوانب ذلك هو حقيقة أن توافر اللحوم الحيوانية الطازجة تأثر بشدة بسبب الاضطرابات في سلاسل التوريد الإقليمية والعالمية. وقد شكّل هذا مشكلة خاصة للحوم مُقارنة بالسلع الجافة، والتي يمكن تخزينها بسهولة نسبياً.

علاوة على ذلك، يعمل موظفو مصانع اللحوم عادة في أماكن قريبة جداً. والنتيجة، أصبح بعض المرافق أول بؤر ساخنة لكورونا، في حين كان لا بدّ من تعديل العديد منها بالكامل حتى تكون آمنة بما يكفي لعودة الأشخاص إلى العمل، فقد حدّ ذلك من توفّر منتجات اللحوم.

كان هناك عامل آخر يتعلق بالصحة والرفاهية. مع اتباع الأشخاص لأنماط حياة أكثر خمولاً نتيجة لعمليات الإغلاق، تحوّل الكثير إلى ما يُنظر إليه على أنه بدائل صحية أكثر لتناول الطعام.

أخيراً، يُعتقد على نطاق واسع أن فيروس كورونا الجديد قد انتقل إلى البشر من الحيوانات – وإن كانت حيوانات غريبة لا يمكن لمعظم الناس عادة الوصول إليها. ومع ذلك، فقد أدى ذلك إلى زيادة التدقيق في ما يتعلق بالمخاطر المُحتملة لتناول طعام من مصادر حيوانية.

النمو في الإقتصادات الناشئة

شهدت الإقتصادات النامية أيضاً إرتفاعاً في اهتمام المستهلكين باللحوم النباتية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الإتجاه التصاعدي. كما من المرجح أيضاً أن تستمر منطقة آسيا والمحيط الهادئ – والصين على وجه الخصوص – في النمو من حيث الإنتاج والإستهلاك.

في العام 2016، أعلنت الحكومة الصينية أنها تهدف إلى خفض استهلاك اللحوم إلى النصف بين السكان بحلول العام 2030، لأسباب تتعلق بالبيئة والصحة العامة – وهي مبادرة تخلق مساحة كبيرة في السوق للبدائل.

وفقاً لشركة “فيوتشور بريدج” (FutureBridge) الإستشارية الأميركية، في حين تم إطلاق 43 منتوجاً جديداً من منتجات اللحوم البديلة في الصين في العام 2019، فقد ارتفع هذا الرقم إلى 63 في النصف الأول من هذا العام وحده.

في الواقع، تُنافس مجموعة من الشركات الناشئة المحلية الوافدين الأجانب مثل شركة “إمبوسبِل فودز” (Impossible Foods) الأميركية لاحتواء سوق مزدهرة. تعمل شركة “زينميت” (Zhenmeat) في بكين على عظام مطبوعة ثلاثية الأبعاد لمنح بدائل اللحوم مستوى إضافياً من الأصالة.

كما أن مساحة بدائل اللحوم في الشرق الأوسط وأفريقيا آخذة في النمو، حيث تتوقع شركة أبحاث السوق “تريتون” (Triton) معدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.8٪ بين العامين 2019 و2027. وتشهد الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، نمواً: “فيغانِتي” (Veganity)، الذي يدّعي أنه مطعم القائمة النباتية الأكثر شمولاً في العالم، تم افتتاحه في دبي في العام الفائت.

من المناطق الأخرى التي تُعتَبَر على نطاق واسع أنها ناضجة لطفرة مُستدامة في بدائل اللحوم هي أميركا اللاتينية – على الرغم من حبها المشهور للحوم الحمراء، من سندويشات التاكو دي باستور المكسيكية إلى شرائح اللحم الأرجنتينية.

الواقع أن النباتية آخذة في الإزدياد في المنطقة، وكذلك الزراعة العضوية. في البرازيل، على سبيل المثال، بين العامين 2012 و2018، تضاعف عدد النباتيين المُعلنين عن أنفسهم، في حين أن الزراعة العضوية تزداد شعبية.

يُجادل تقريرٌ صدر أخيراً عن منظمة العمل الدولية وبنك التنمية للبلدان الأميركية بأن اعتماداً واسع النطاق للأغذية النباتية المُنتجة على نحو مستدام يُمكن أن يُوفّر دفعة رئيسة لاقتصادات أميركا اللاتينية.

ويُشير التقرير إلى أنه – على الرغم من أن الإنخفاض في الأنظمة الغذائية القائمة والمُوَجَّهة نحو المنتجات الحيوانية يمكن أن يؤدي إلى فقدان ما يقدر بنحو 4.3 ملايين وظيفة – فإن التحوّل إلى الأطعمة النباتية يمكن أن يُوَلِّد 19 مليون وظيفة جديدة.

بالنظر إلى أن الأغذية النباتية تتطلب مساحة أقل من الأراضي والمياه ومدخلات أقل من الأغذية القائمة على الحيوانات، فإن مثل هذا التحوّل في النظام الغذائي ينبغي أن يُقلّل من فقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي، فضلاً عن تحسين الأمن الغذائي.

على هذا النحو، في حين أنه سيكون من الصعب تغيير أنماط المستهلك السائدة في المنطقة، فإن الإتجاه نحو البدائل النباتية يمكن أن يثير بعض الفوائد الفورية والواسعة النطاق للبيئة والصحة العامة.

إن هذه التطورات تُشير إلى مستقبل واعد للحوم النباتية، لا سيما إذا كان بإمكان الصناعة الإستفادة من الإهتمام المُتزايد الذي شهدته خلال الوباء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى