ما هو مصير الليرة اللبنانية عند توقف دعم مصرف لبنان؟

بقلم الدكتور مروان القطب*

صرّح حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أن احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية المُتبقّي لديه يبلغ ١٩,٥ مليار دولار. إلّا أن هذا المبلغ ليس صالحاً كلّه للإستعمال، لأن الاحتياطي الإلزامي المُكَوَّن من الودائع المصرفية يبلغ ١٧,٥ مليار دولار، وهذا الاحتياطي لا يُمكن المس به، ما يعني ان الباقي القابل للإستخدام يبلغ ملياري دولار أميركي.

وإذا ما احتسبنا قيمة الكميات المُستورَدة من السلع الأساسية في الأشهر الستة الاولى من السنة الجارية، والتي بلغت ١,٥ مليار دولار للمحروقات و٥٥٠ مليون دولار للأدوية و٧٧ مليون دولار للقمح، فيكون إجمالي قيمة السلع الثلاث المُستورَدة خلال الأشهر الستة من العام الحالي هو ٢,١ ملياري دولار، ويعني ذلك ان المُتبقي من الإحتياطي القابل للإستعمال يُغطي ستة اشهر فقط كحد أقصى، ولتغطية المواد الاساسية الثلاث من دون غيرها.

وفي حال لم يحدث تدفّقٌ نقدي إلى الإقتصاد اللبناني بمبالغ بالدولار الأميركي، فإن توقف الدعم حتميٌّ بعد أشهر معدودة، وهذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاعٍ أسعار السلع الأساسية، فتصبح ربطة الخبز باربعة الاف، وصفيحة البنزين ب٦٥ الف ليرة، هذا إذا ما احتسبنا سعر صرف الدولار على ٧٥٠٠ ليرة.

إلّا أنه في حال توقّف الدعم من طريق استعمال الإحتياطي المُكوَّن لدى مصرف لبنان، فإن تغطية استيراد السلع ستكون من سوق صرف العملات، ما يعني زيادة الطلب على الدولار، وإمكانية ارتفاع سعر صرفه بصورة تصاعدية، كما أنه يُتَوقَّع عدم إمكانية السوق من تأمين الدولارات اللازمة لتأمين هذه السلع بصورة ثابتة ومستقرة، مما يُعرّض الإقتصاد الوطني الى انقطاع هذه السلع الأساسية، وخلق أسواق سوداء لها قد لا يستطيع أحدٌ توقّع الاسعار التي يُمكن أن تصل إليها.

أضف الى ذلك أن قيمة التداول في سوق صرف العملات تُقدَّر ما بين سبعة الى عشرة ملايين دولار يومياً، أي ما يُلامس ٢,٥ ملياري دولار سنوياً، في حين ان تأمين حاجات لبنان من السلع الأساسية الثلاث يحتاج الى ٤,٢ مليارات دولار، أي أن توقّف الدعم سيؤدي الى زيادة الطلب على الدولار بنسبة تتجاوز الضعف، ما يعني ان ارتفاع سعر صرف الدولار سيتضاعف عما هو عليه حالياً، وبالتالي تضاعف اسعار جميع السلع بما فيها أسعار السلع الأساسية.

أما بطاقات دعم المواطن، التي تُطرَح في أروقة مصرف لبنان كبديلٍ من استعمال الإحتياطي من العملات الأجنبية، فإن آليتها لم تتبلور بعد، وما رشح لتاريخه أنها بطاقات مصرفية تشمل جميع اللبنانيين، وتوفّر دعماً لهم. إلّا أنه يؤخذ على هذه الآلية ما يلي:

– هذا الدعم يحتاج الى تمويل، فإن كان مصدره موازنة الدولة العامة فيعني ذلك زيادة الأعباء العامة. وكما هو معلوم، إن إيرادات الدولة في تراجع مضطرد، وإمكانية الإستدانة مُعطّلة. أما اللجوء الى طباعة النقد فآثارها سيئة جداً وتؤدي الى تضخم جامح وانهيار مُتزايد ومتسارع لقيمة الليرة.

– إن شمول هذه الآلية لجميع اللبنانيين، يُثير أسئلة حول المعايير التي ستُعتَمد لتحديد حجم الدعم، خصوصاً أن استهلاك اللبنانيين للسلع الاساسية متفاوت، بخاصة الأدوية والمحروقات.

– إن اللجوء الى اعتماد البطاقات المصرفية يتطلب تنظيماً مصرفياً لآلية تشمل كل اللبنانيين، مما يزيد من الطاقة التشغيلية لهذا القطاع الربحي ويلقي على عاتق الدولة أعباءً مالية إضافية لتأمين العائد لهذا القطاع.

خلاصة القول أن الآتي من الأيام يحمل تحديات جساماً، والآليات البديلة المطروحة غير واقعية، يُخشى أن تكون نوعاً من أنواع التخدير أمام انهيارٍ مُتسارع للسياسات النقدية.

  • الدكتور مروان القطب هو خبير لبناني في الشؤون المالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى