السودان وتطبيع العلاقات مع إسرائيل: ما هي التداعيات الداخلية؟

ربما يُسهّل تطبيع العلاقات مع إسرائيل حذف السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، لكنه قد يؤدّي إلى تعزيز مكانة الأفرقاء العسكريين وأركان نظام عمر البشير السابق.

 

عبدالله حمدوك ومايك بومبيو: لم يستطع الثاني إقناع الأول بتطبيع العلاقات مع إسرائيل

 

بقلم جهاد مشامون*

أعلن المتحدّث باسم وزارة الخارجية السودانية حيدر صادق، في 17 آب (أغسطس)، أن بلاده “تتطلع لاتفاق سلام مع إسرائيل”، في تصريحٍ جاء على خلفية التكهنات بشأن ما إذا كان السودان سيعمد إلى تطبيع علاقاته الديبلوماسية مع الدولة العبرية. وكانت هذه التكهنات انطلقت في شباط (فبراير) الفائت عندما التقى رئيس مجلس السيادة الذي يُعتبَر الهيئة الإنتقالية الأعلى رتبة في السودان، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة اتفاقٍ يسمح للطيران الإسرائيلي بالتحليق في أجواء السودان. لن تكون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تأثيرات مهمة في مكانة السودان العالمية فحسب، بل قد يساهم أيضاً في تعزيز مكانة الأفرقاء العسكريين وأركان نظام البشير السابق.

وقد أعرب الفريق أول ركن البرهان عن أمله باستخدام روابطه مع إسرائيل من أجل حذف السودان عن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي من شأنه أن يُشكّل نصراً سياسياً كبيراً، بما يتيح له الحصول على الدعم من أنصار نظام البشير وشركائه السابقين في الأعمال من أجل الترشح للرئاسة في انتخابات 2022.

منذ الإنقلاب الذي أدّى إلى عزل الرئيس السابق عمر البشير من السلطة في العام 2019، تعمل السلطات الإنتقالية في السودان على تفكيك النظام السابق. فقد استعادت هذه السلطات سيطرتها على الأصول المملوكة من أنصار النظام السابق، وفرضت قيوداً على مشاركتهم السياسية من خلال إقصائهم من الخدمة المدنية. تتعارض هذه المبادرات مع مشاركة أعضاء النظام السابق في الإنقلاب. فقد اعتقد كثرٌ منهم أنهم سيعودون إلى السلطة من خلال انتخابات مدنية، ريثما يتم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب – علماً بأن إدراج البلاد على هذه القائمة كان من الأسباب التي أدّت إلى اندلاع تظاهرات في السابق ضد نظام البشير. ومن شأن حذف السودان من القائمة أن يتيح أيضاً لوجوه النظام السابق الإفادة من مصالح تجارية محظورة بموجب الإدراج في القائمة.

يعمل الفريق أول ركن البرهان على ترسيخ الدعم الذي يقدّمه له أعضاء النظام السابق استعداداً لترشّحه لانتخابات ما بعد المرحلة الإنتقالية التي ستُجرى في السودان في سنة 2022. لقد أدّى اعتقال الرئيس السابق وغيره من قادة النظام ووضعهم قيد الحجز، إلى انقسام أنصار النظام السابق إلى فصائل متنافسة من دون قيادة مركزية. يُشار إلى أن البرهان عضو في الحركة الإسلامية السودانية، أي المنظمة الأم لحزب المؤتمر الوطني الذي كان ينتمي إليه الرئيس المخلوع، وتحظى هذه الحركة بدعم نحو عشرين في المئة من السودانيين، ما يجعل اسمه مطروحاً بقوّة لملء الفراغ في السلطة. هذا فضلاً عن أن توسيع دائرة الدعم السياسي هو أمرٌ ضروري للبرهان، لأن المعارِضين يدّعون أن النظام السابق اختاره مع الفريق ركن ياسر العطا وشخصيات عسكرية أخرى للحلول مكان البشير في حال عزله من منصبه.

أحد الدوافع وراء رغبة الفريق أول ركن البرهان في الترشح لانتخابات 2022 سعيه إلى الحصول على الحصانة الرئاسية، نظراً إلى تورّطه المزعوم في إبادة دارفور. يدّعي عدد كبير من السودانيين أن البرهان كان مسؤولاً، من خلال تولّيه منصب قائد القوات العسكرية في وسط دارفور، عن تسليح حرس الحدود، أي الميليشيات العربية التابعة للحكومة والتي ارتكبت الإبادة وجرائم أخرى في دارفور بين العامَين 2003 و2016.

يُشار إلى أن رئاسة البرهان لمجلس السيادة تمنحه حصانة وتحميه من الملاحقة القضائية. ولكن بعد تنحّيه من رئاسة المجلس في شباط (فبراير) 2021، قد يخضع تورطه في دارفور للتدقيق من المجلس التشريعي الذي لم يُبصر النور بعد و/أو من المحكمة الدستورية. وقد فتح تاج السر الحبر الذي عُيِّن حديثاً في منصب النائب العام في مجلس السيادة، تحقيقاً في الجرائم التي ارتكبها مسؤولون سابقون في نظام البشير خلال إبادة دارفور. وكذلك تتطرق هذه الجهود الآيلة إلى إحقاق العدالة وسيادة القانون إلى المطالب التي يرفعها المحتجون بمحاكمة المسؤولين في النظام السابق. على ضوء هذه التطورات، الضمانة الوحيدة كي يحتفظ الفريق أول ركن البرهان بالحصانة هي من خلال تولّيه منصب الرئاسة الذي يحميه من الملاحقة القضائية.

إضافةً إلى الطموحات السياسية الشخصية التي تقف خلف رغبة البرهان في تطبيع علاقات بلاده مع السودان، كان للإمارات العربية المتحدة تأثيرها فيه أيضاً. فقد أشار مسؤول عسكري سوداني رفيع إلى أن الإمارات شجّعت البرهان على تحسين العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل في مقابل الحصول على الدعم الإسرائيلي في الضغط على الولايات المتحدة لرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وعلى الرغم من سرّية الإجتماع مع نتنياهو، أقرّ البرهان أمام مراسلين صحافيين في الخرطوم في 4 شباط (فبراير) الفائت بأن الهدف من الإجتماع كان من أجل الحصول على المساعدة من إسرائيل للتعجيل في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

قبل تدخّل البرهان، حاول رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إقناع الولايات المتحدة، خلال زيارة له إلى هناك استمرّت ستة أيام في كانون الأول (ديسمبر) 2019، بحذف السودان سريعاً من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ولكن هذه العملية تتطلّب موافقة الكونغرس الأميركي على أن تتبعها مراجعة تُجريها وزارة الخارجية الأميركية وتستغرق ستة أشهر. تطالب الولايات المتحدة بأن يُسدّد السودان تعويضات عن الهجمات التي شنّها عملاء لأسامة بن لادن – الذي قام نظام البشير بإيوائه في تسعينات القرن الفائت – على السفارة الأميركية في كل من كينيا وتنزانيا في العام 1998 وعلى السفينة الأميركية “يو أس أس كول” في اليمن في العام 2000. وهذا يُضاف إلى الأسباب التي تؤدّي إلى تأخير الحصول على الموافقة من الكونغرس.

بعد فشل رئيس الوزراء حمدوك في الحصول على رفع السودان من القائمة، إلتقى الفريق الأول ركن البرهان، في خطوة قام بها من تلقاء نفسه، برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو. ولم يستشر البرهان الحكومة الإنتقالية أو شريكها، أي قوى إعلان الحرية والتغيير، قبل اجتماعه بنتنياهو، فتسبب بذلك بتقويض الحكومة وقوى إعلان الحرية والتغيير ومصداقية رئيس الوزراء، فيما عزّز قاعدة الدعم له. فردّ بعض القادة في قوى إعلان الحرية والتغيير بمحاولة التحالف مع الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقّب بـ”حميدتي”، وهو نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، من أجل التصدّي لنفوذ البرهان المتصاعد داخل الجيش والعمل على تنفيذ مطالب الثورة. ولكن التحالف مع هذه الشخصية السجالية قد يؤدّي إلى ضرب مصداقية الحكومة. فتورُّط حميدتي في مجزرة الخرطوم التي نفّذتها قوات الدعم السريع في 3 حزيران (يونيو) 2019 ألحق ضرراً كبيراً بصورته العامة على نحوٍ يتعذّر الرجوع عنه. ويُنظَر إليه بأنه يُقدّم الطاعة للإمارات والسعودية ويحصل على التمويل منهما لإرسال جنوده إلى ليبيا واليمن عندما تطلبان منه ذلك، ما يُفاقم الإنطباع السلبي عنه في أوساط الرأي العام. غير أن هذا التحالف قد لا يدوم طويلاً، نظراً إلى تمثيل قوى إعلان الحرية والتغيير للمحتجّين الذين يطالبون بحكومة مدنية والذين لن يقبلوا بتسليم حكم السودان مُجدَّداً إلى قائد عسكري.

على مشارف أشهر قليلة من الإنتخابات الأميركية، غالب الظن أنه سيجري تأجيل النظر في رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يتسبب بمزيد من التأخير في نيلها الأهليّة التي تخوّلها الإفادة من إعفاءات عن الديون الاقتصادية التي تُقدّمها لها المؤسسات المالية الدولية. إذاً، لقد وضع الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، من خلال تطبيع علاقات بلاده مع إسرائيل، حكومة حمدوك وقوى إعلان الحرية والتغيير والجيش أمام تحديات جديدة غير ضرورية يَتوقّع منها أنصارها داخل السودان العمل على رفعها، ما يزيد من تعقيدات العملية الانتقالية. بدلاً من الاعتماد حصراً على المعونات الخارجية، ينبغي على الحكومة العمل مع المجتمع الدولي من أجل إرساء أجندة اقتصادية تكون مُبتَكرة وملائمة للسياق الإقتصادي السوداني.

  • جهاد مشامون طالب دكتوراه في سياسة الشرق الأوسط في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر في بريطانيا. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @ComradeJihad

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى