15 عاماً من الإنتظار، وما زال قتلة رفيق الحريري طُلقاء

بقلم كابي طبراني

بعد مرور خمسة عشر عاماً على اغتيال رئيس مجلس وزرائه الأسبق، لم يشعر شعب لبنان بعد بأي شعورٍ بالإرتياح والرضا  أو ما يُسمّى بالإغلاق (closure). لقد وجدت المحكمة الخاصة بلبنان، وهي محكمة دولية تم تشكيلها لتحقيق العدالة في مقتل رفيق الحريري، أن واحداً فقط من الأربعة المُشتبَه بهم، وجميعهم عناصر من “حزب الله”، مُذنِبٌ.

وذكرت المحكمة أنه لا توجد أدلّة كافية للإستنتاج بأن هناك تورّطاً لقيادة “حزب الله” وحليفها النظام السوري، الذي كان يحتل لبنان في ذلك الوقت، في عملية الإغتيال.

هذا الحكم الذي طال انتظاره، والذي كلّف الوصول إليه ما يقرب من مليار دولار، لم يكن قادراً على وضع حدٍّ نهائي لهذه المحنة. لن تتحقق العدالة والمساءلة عن جريمة شنيعة غيّرت مصير لبنان بالكامل. وعلى الرغم من أن أحد قتلة الحريري قد أُدين، إلّا أن قدميه لن تطأا السجن. سليم جميل عياش، العضو المُدان في “حزب الله”، لا يزال طليقاً لأن الحزب المُتشدّد رفض تسليمه أو تسليم أيٍّ من المُتَّهمين الآخرين إلى المحكمة، والتي حسب وزير العدل السابق شارل رزق الذي أشرف على إنشائها في حينه، كان الحزب مُطّلعاً على قوانينها وموافقاً عليها.

هناك فرصةٌ ضئيلة في أن يتم اعتقال عياش من قبل السلطات في لبنان، حيث يتمتع “حزب الله” بنفوذ كبير. وكان الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، والرئيس السوري بشار الأسد، رفضا الرد على أيٍّ من أسئلة المُحقّقين.

يأتي هذا الحكم المُخيِّب للآمال في وقت عصيب للبنان. لم تتعافَ البلاد بعد من انفجارٍ مًدمّر هزّ بيروت في 4 آب (أغسطس). لقد إنفجر 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في مستودع/عنبر سيئ التخزين في مرفأ المدينة، مما أسفر عن مقتل 220 شخصاً وإصابة الآلاف وهدم أجزاء كبيرة من العاصمة اللبنانية. إعترف مسؤولون رفيعو المستوى، بمَن فيهم الرئيس ميشال عون، بأنهم كانوا على علم ومعرفة بأن المادة الكيميائية مُخزَّنة في المرفأ.

وكان من المفترض أن يكشف التحقيق في الانفجار نتائجه في غضون خمسة أيام. لقد مرّ أسبوعان، لكن لم تظهر أي معلومات. يُطالب الكثير من اللبنانيين الآن بإجراء تحقيق دولي في الإنفجار، لأنهم لا يثقون في الطبقة السياسية الفاسدة التي سمحت بحدوث الانفجار بإجراء التحقيق وإدانة نفسها.

إذا كان التحقيق في قضية الحريري يؤخذ كمثال، فعلى اللبنانيين ألّا يتوقّعوا نتائج في أي وقت قريب. جاء حكم الأمس بعد 15 عاماً من الإنتظار، وعقدٍ على تشكيل المحكمة، والنتيجة تركت اللبنانيين يتساءلون عما إذا كانت العدالة ستتحقّق يوماً.

من ناحية أخرى، باتت قدرة الناس على التعبير عن مظالمهم بشأن هذا الوضع مُهدَّدة الآن. لقد فُرضت حالة الطوارئ في بيروت بعد الإنفجار. وانتهت أمس وستُجدَّد لمدة شهر خلافاً للقانون اللبناني الذي ينص على عدم جواز تجديد حالة الطوارئ إلا لمدة ثمانية أيام بعد موافقة مجلس الوزراء والبرلمان.

تَمنح حالة الطوارئ الجيش سلطةً أكبر، وتَحُدُّ من التجمّعات في الأماكن العامة، وتسمح بالرقابة على وسائل الإعلام. إذا تم تطبيق هذه القواعد، فقد يجد الأشخاص الذين يطلبون تطبيق حكم المحكمة الخاصة بلبنان أنفسهم صامتين. وكانت منظمات حقوقية إنتقدت أجهزة الأمن اللبنانية لاستخدامها القوة المُفرطة ضد المتظاهرين منذ انطلاق الحركة الإحتجاجية الحاشدة في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.

من جهته، أعلن الرئيس سعد الحريري، بأنه قَبِلَ الحكم وطلب من “حزب الله” المساعدة على تحقيق العدالة بتسليم الإرهابي المُدان.

الواقع أن الحكم بحدِّ ذاته مهمّ لأنه يُشكّل سابقة للمساءلة. لقد مرّت العديد من الجرائم المُرتَكَبة في لبنان من دون عقاب. وبالتالي، فإن قرار المحكمة الخاصة يُشكّل، إلى حدٍّ ما، نقطة تحوّل لمستقبل البلاد في هذا الصدد.

لقد حقّق حكم المحكمة عدالة جزئية للبنان وعائلة الحريري وعشرات أسر الضحايا الأبرياء في تفجير 2005 الإرهابي. الآن الشعب اللبناني ينتظر تنفيذه. وهذه مسؤولية الحكومة اللبنانية.

  • كابي طبراني هو رئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: GabyTabarani@

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى