حَربٌ فاشِلة مهما كانت النتائج والخسائر فادحة

عرفان نظام الدين*

في عُرفِ السياسة عبر التاريخ يُعطى الحاكم أو المسؤول الجديد مدة ١٠٠ يوم لكي يُثبِتَ وجودَه ويبدأ تنفيذَ خارطةِ طريق، ويتمكّن من السيطرة على مفاصل الحُكم وقياس ردود الفعل الداخلية والخارجية. وفي عُرفِ الحروب تتكرر التوقعات الأولى لسير المعارك حسب نتائج الشهر الأول وما تحقّق من حسمِ ومُعطيات الضربة الأولى، ومدى ما تحقق من سيطرةٍ على مواقع استراتيجية، وفي كل يومٍ بعد ذلك يُحتسبُ من رصيد ميزان الفشل والنجاح.
وفي الحرب الإسرائيلية الظالمة على المدنيين الفلسطينين الأبطال في قطاع غزة يبدو الفشلُ الإسرائيلي شبه أكيد في حالتَي تقدّم القوات البرية وسيطرتها على مواقع مهمة، أو في حال الاضطرار للتوقّف وتعثّر الخطط الأوّلية أمام شجاعة المقاتلين.
هذا التحليل ليس مَبنيًا على العواطف والمُبالغة في الحُكم على النتائج، فالحربُ الإسرائيلية وقرارُ الاقتحام والسيطرة البرية خطرة والفشل بها حتميٌّ مهما استخدمت إسرائيل من أدواتها الوحشية كما تفعل الآن بأسلوبٍ مُخالفٍ لكل قوانين الحرب ما يُعرّضها لمضاعفاتٍ خطيرة ينطبق عليها وصف “إنها حربٌ، المُنتَصِرُ فيها مهزوم”.
ومع مرور 24 يومًا على بدء العدوان يُمكِنُ رصد قائمة من المتغيّرات والخسائر التي لم يَحسُب المجرم بنيامين نتنياهو وعصابة المتطرفين والعنصريين لها حسابًا، أهم ما فيها:
* أيُّ مقياسٍ للنصر سيخرجون به مع جرائم ضدّ الإنسانية لا بدَّ أن يدفعوا ثمنها، وأيُّ حسابٍ مع مواجهةٍ بين دولةٍ ظالمة تملك كل أنواع الأسلحة الفتّاكة والمُحرَّمة دوليًا وبين شعبٍ أعزلٍ لا يملك إلّا الإيمان والصبر؟ وايُّ نصرٍ يتحقّقُ على جثث آلاف الأطفال والنساء والمدنيين الآمنين؟ وأيُّ حسابٍ لقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ والأبراج على رؤوس أصحابها؟
* إنَّ الحربَ البرية ووجِهَت بمقاومةٍ شرسة كبّدت الإسرائيليين خسائر فادحة، وهذا قد يبشّر باندلاعِ حربِ شوارع تستمرّ وقتًا طويلًا لا تستطيع إسرائيل التحمل في ظلِّ انقسامٍ داخلي وتدهورٍ شديد في الاقتصاد.
*  إنَّ حكّامَ إسرائيل يعرفون جيدًا أنَّ المسؤولَ عن الهجوم على المستعمرات الاستيطانية في غلاف غزة هي حركة “حماس”. كما إنّهم يعرفون، أو ادّعوا إنهم لا يعرفون، أنها لا تُمثّل غالبية الشعب الفلسطيني، بل كانت هناك معارضة قوية من المنظمات والفصائل الفلسطينية الأخرى، وفي مقدمها حركة “فتح”، في غزة قبل العدوان لحكومة “حماس”، فلماذا هذا الانتقام الوحشي من كل فلسطيني على وجه الأرض؟
*  كلُّ هذه المعطيات تؤكد أنَّ وراءَ الأكمّة ما وراءها، وأنَّ إسرائيل استغلت الهجوم على المستعمرات في غلاف غزة لتنفيذِ مُخطّطٍ مُعَد سلفًا لتهجير الفلسطينيين بدءًا من غزة الى الترانسفير المُعَدّ لأهل الحق والأرض من عرب الداخل الفلسطينيين، ثم تهديد أمن مصر من خلال دفع الفلسطينيين الى سيناء.
*  تبقى نقطة مهمة ومعبّرة عن بدايات الفشل الإسرائيلي وهي بدء التغيير الملموس في الرأي العام العربي والدولي تَمَثَّلَ في المظاهرات الصاخبة في الدول الكبرى وصلت الى مليونية لندن، كما حصل تغيّرٌ في المواقف العربية الرسمية التي بدأت تشعرُ بهول الكارثة الناجمة عن استمرار المجازر، بل إنَّ مواقف رسمية صدرت بالأمس من مسؤولين كبار تُطالبُ بوقف قصف المدنيين وصولًا إلى استنكار الاعتداء على أهلنا في الضفة الغربية… كلُّ هذه المتغيّرات يمكن أن تتطور نحو الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها والبحث عن حلٍّ سلمي يحفظ ماء وجه إسرائيل ويقضي بنزع سلاح “حماس” وغيرها.
* أاما النقطة الأهم فتمثّلت في نجاح إسرائيل، بسبب حماقة قادتها، في أمرٍ واحد وهو توحيد الصف الفلسطيني وإحياء الروح الوطنية الفلسطينية لتكسب أجيالًا كاملة تتمسك بالمقاومة والجهاد لتحرير وطنها المحتل. وهذا وحده كافٍ لتاكيد ما ذكرت عن حرب سيكون المنتصر فيها مهزومًا… وإن غدًا لناظره قريب.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومحلّل سياسي عربي مقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى