إنزاحَ الكابوس وبَقِيَت التَركة الثقيلة

بقلم عرفان نظام الدين*

تَنَفَّسَ العالم الصعداء وهو يشهد على الهواء مباشرة هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُمارس سياسة الإنكار لأنه لم يكن يُصَدِّق أن الشعب سيخذله بفارق كبير في الأصوات.

هذا ما جناه الرئيس القوي الذي كان يبرق ويرعد كل يوم، ويَتوَعّد القريب والبعيد، ويرتكب الهفوات والأخطاء والإتهامات، ويواجه تُهَمَ التحرّش الجنسي، وتعامل بصلافة مع مساعديه حين ضرب رقماً قياسياً في طرد الواحد تلوَ الآخر.

صحيحٌ أن ما جرى من تفاصيل وممارسات، واتهامات عن التزوير وتصويت الموتى، ومظاهرات خارج مراكز الإقتراع تدعو إلى الضحك والاستغراب من حدوثها في أكبر دولة واقوى قطب أحادي في العالم، حتى ظننا في بعض الأحيان أن الإنتخابات تجري في بلادنا من دون تزوير وشراء أصوات وترغيب وترهيب.

إلّا أننا يجب أن نعترف بان الشوائب لا تمنع الإعتراف بعظمة الديموقراطية عندما تجري إنتخابات ضد رئيس الجمهورية وهو على قمة السلطة، ومن ثم تتوالى الهزائم من دائرة الى دائرة وهو يصرخ ويحتج ويكاد يبكي، مُرَدّداً مزاعم التزوير ويرفض الإقتراع عبر البريد الذي وافق الجميع على شرعيته سابقاً.

ولا شكّ في أن كل هذه التفاصيل أصبحت وراءنا لان التركة ثقيلة جداً، وقد أُلقِيَت على كاهل الرئيس المُنتَخب العجوز، جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس، اللذين عليهما الآن أن يُبرهنا للعالم المُنتَظِر أنهما قادران على حملها وإزالة أثارها وأزماتها التي لم يترك ترامب بلداً أو منطقة إلّا وزرع فيها قنبلة موقوتة، وخرج وهو مختلف مع جميع الدول من أوروبا الى الصين وروسيا، إلى كوريا، ومن كندا الى أفريقيا. اما الشرق الاوسط فقد كان الملعب الكبير الذي هَيمَن على أحداثه منذ اليوم الأول لولايته، لكنه لم يُحقّق نجاحاً واحداً يُذكَر به بالخير، فيما فرض عقوبات على إيران ونجح في تحريض دول الخليج وفرض عليها الخوّات بزعم المواجهة، لكنه لم يسير خطوة في مواجهة المد الايراني والسياسة التوسّعية من سوريا الى لبنان، ومن العراق الى اليمن، وانتظر الجميع أن يُنفّذ ضربته ويضع حداً للتوسّع لكنه لم يفعل.

الخطيئة الوحيدة التي نجح فيها بكل أسف، وقهر بها العرب، هي جريمة إرضاء إسرائيل تنفيذاً لقناعاته الصهيونية وطموحه لكسب أصوات اليهود في الولايات المتحدة، لكنهم خذلوه، وعلى رأسهم بينامين نتنياهو الذي سارع الى تهنئة منافسه رُغم صراخ ترامب بأنه سلّفه (جريمة) الإعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وضمّ الجولان ومناطق من الضفة الغربية، لكن كل هذه لن تمر مهما كان الثمن. وهنا تكمن مسؤولية أميركا في تصحيح الخطأ، رُغم الإعتراف بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الدولة العبرية واحدة مهما تغيّرت الإدارات. وبانتظار وضوح الموقف لا بدّ منً الإشارة إلى أن الرئيس العتيد سيكون مُنشغلاً بعد تسلمه مهام الرئاسة في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل لأكثر من ٦ أشهر لترتيب فريقه ودراسة ملفات التركة الثقيلة، وتحديد المواقف من أزماتها. فلننتظر ونرى مع أننا نعرف سلفاً انه لن يكون أسوأ من ترامب.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى