قمة بيروت الإقتصادية تُظهر إنقسامات المنطقة

بقلم كابي طبراني

ستوفّر بيروت في نهاية هذا الأسبوع نافذة على الإنقسامات الحالية في العالم العربي، على الرغم من أن القمة العربية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية من المفترض أن تكون إقتصادية بشكل حصري، إذ أنها تجذب قادة المال والأعمال لمناقشة حالة الإقتصاد في العالم العربي مع ملوك ورؤساء ووزراء ومسؤولي دوله. وقد شهدت القمم السابقة نتائج جيدة أثمرت إستثمارات وفيرة في التعليم والبنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة.
لكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة، فقد سيطر على تحضيرات “قمة بيروت” التشهير السياسي، سواء داخل لبنان أو خارجه. وفي هذه اللحظة المحورية، مع إستمرار الصراع في اليمن وسوريا، وعدم الإستقرار الذي يعصف بالعراق وليبيا، وسعي إيران إلى زعزعة إستقرار المنطقة، والأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تلف بلد الأرز، تحتاج البلدان العربية إلى الوحدة. يجب أن يكون هذا المؤتمر بمثابة تذكيرٍ بأن العالم العربي أكبر وأعظم من مجموع أجزائه وأن دول هذه المنطقة يجب أن تُملي وتُعدّ مستقبلها بشكل جماعي.
هناك الكثير من الإمكانات في المنطقة، حيث يوجد أكثر من 420 مليون نسمة معظمهم من الشباب المُتعطّشين للفرص، ومصادر غنية من الموارد الطبيعية. غير أن الفرص المؤثرة للتقدم تُفسِدها وتُعثّرها المشاحنات السياسية والتوزيع غير العادل للثروة.
لقد كان من الواضح منذ البداية أن مشاركة سوريا ستكون محل خلاف. مع تصاعد الجدل حول ما إذا كان سيتم إعادة دمشق إلى الجامعة العربية أم لا، في أعقاب سيطرة الرئيس بشار الأسد من جديد على الجزء الأكبر من البلاد بدعمٍ من إيران و”حزب الله” وروسيا، أعلن منظّم القمة لبنان، الذي يستوعب ما لا يقل عن مليون ونصف المليون لاجئ سوري، أن سوريا لن تُدعى. وكشف الغضب الناتج من ذلك عن خطوط الصدع في المشهد السياسي الطائفي في لبنان، حيث كان كلًّ من “حركة أمل” و”حزب الله” الشيعيين يدفع إلى دعوة وحضور دمشق.
لبنان نفسه من دون حكومة منذ الإنتخابات التشريعية التي جرت في أيار (مايو) الفائت. وفي الوقت الذي كان رئيس الجمهورية ميشال عون يأمل في استخدام هذه المنصّة العربية الجامعة لمساعدة بلاده على تجنب كارثة إقتصادية، كان رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، يدعو إلى إلغاء المؤتمر. ومع وقوع المُضيفين في حالة من الفوضى، من الجدير أن نسأل عن الأمل في حدوث قمة ناجحة ومُوحِّدة. وفي غضون ذلك، إندلع نزاعٌ جديد في الأسبوع الفائت بسبب دعوة ليبيا إلى المؤتمر، والتي إختفى على أراضيها مؤسس “حركة أمل”، الإمام موسى الصدر، في العام 1978. وقد قام أنصار الحركة، ليلة الأحد الفائت (13/01/2019)، بتمزيق الأعلام الليبية ورفع أعلام “حركة أمل” مكانها.
يكفي القول إن العالم العربي مُنقسمٌ. لكن الطريق الوحيد إلى إحراز تقدّم ذي مغزى هو من خلال الحوار والإلتزام بمستقبل مُشترَك يستند إلى تعاونٍ حقيقي. والواقع أنه قبل أن يبدأ هذا المؤتمر فقد حُكِمَ عليه بالفشل، بسبب غياب الإرادة السياسية لاعتماد سياسات تقوم على أساس العمل الجماعي. ومن دون إيمان حقيقي واعتقاد أساسي من حكام المنطقة بأن لديهم مصيراً مُشترَكاً، دعماً لتطلعات شعوبهم، فإن الأمل ضئيلٌ في عقد مؤتمرات قمة على مستويات رفيعة.
إن الدول في جميع أنحاء المنطقة، من العراق وليبيا إلى سوريا واليمن، تتطلّب الآن إعادة إعمارٍ، مُجتمَعياً واقتصادياً. إن العمل على دعم البلدان الخارجة من الحرب يُمثل فرصة حقيقية يتم تبديدها من خلال الإنقسام. هناك الآن حاجة ملحة إلى التحسينات الإقتصادية والإجتماعية التي من المقرر مناقشتها في بيروت، ولكن إلى أن توجد إرادة سياسية حقيقية، ستظل هذه الإحتياجات الملحة لدول المنطقة من دون معالجة وبانتظار “ربيع عربي” حقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى