الحرس الثوري الإيراني يسعى إلى تشديد سيطرته على الإقتصاد مع عودة العقوبات
فيما تعمل إدارة دونالد ترامب على إعادة العقوبات وزيادتها على إيران فإن الحرس الثوري الإيراني يجدها فرصة ومناسبة للإستغلال من أجل زيادة سيطرته على الإقتصاد وخصوصاً في قطاعي الطاقة والبناء.
بقلم أحمد مجيديار*
في وقت سابق من هذا العام، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي ان المرشد الأعلى علي خامنئي قد أمر فيلق الحرس الثوري الإسلامي القوي في البلاد بتقليص أنشطته الإقتصادية، الأمر الذي أثار الأمل في أن النظام قرر تخفيف هيمنة هذا الفيلق على الإقتصاد. لكن قادته أعلنوا بسرعة رفضهم لأي فكرة تقود إلى تخفيض قبضتهم على الطاقة والأصول التجارية. ويشير البيان الأخير الذي أصدره رئيس مؤسسة خاتم الأنبياء للإعمار (تُعرف أيضاً بإسم “غـُرب”)، الذراع الهندسية الرئيسية للحرس الثوري، إلى أن الفيلق، على العكس من ذلك، يسعى إلى إستغلال رحيل الشركات الأجنبية في أعقاب الإنسحاب الأميركي من الإتفاق النووي، وتوسيع أنشطته الإقتصادية، ولا سيما في صناعتي الطاقة والبناء المُربِحَتين.
40 مشروعاً ضخماً
قال الجنرال عباد الله عبد الله، رئيس خاتم الأنبياء للإعمار، أخيراً إن المجموعة ستُنفّذ 40 مشروعاً ضخماً في السنة التقويمية الإيرانية الحالية، والتي تنتهي في آذار (مارس) 2019. وأوضح، مُتحدِّثاً على هامش مؤتمر حول “إقتصاد المقاومة”، أن معظم هذه المشاريع مُصمَّمة لإدارة المياه وتطوير حقول النفط والغاز في البلاد. وأشار إلى أن شركة خاتم الأنبياء قد أكملت بالفعل العديد من المشاريع الرئيسية في قطاع النفط، مؤكداً أن المرحلة الثانية من مصفاة “نجمة الخليج الفارسي” (Persian Gulf Star Refinery) أصبحت جاهزة للتشغيل. كما كشف عبد الله أن شركة الإعمار التابعة للحرس الثوري في طريقها لإكمال مشروع ضخم لإمدادات المياه في غرب إيران بحلول نهاية العام. ويُغطّي المشروع 1460 كيلومتراً ويشمل 17 سداً و150 كيلومتراً من الأنفاق و 700 كيلومتر من خطوط النقل. بالإضافة إلى ذلك، قال عبد الله إن خاتم الأنبياء قدمت مقترحات لوزارة الطاقة لتصميم وتنفيذ العديد من مشاريع المياه الرئيسية في المحافظات الوسطى والشرقية. وأضاف أنه تم بناء أكثر من نصف خزانات المياه في البلاد من قبل خاتم الأنبياء.
أزمة مياه
وبينما يدّعي عبد الله أن مشاريع إدارة المياه التي ينفذها خاتم الأنبياء سوف تخفف من ندرة المياه المتزايدة في البلاد، فإن العديد من خبراء المياه وخبراء البيئة يشعر بالقلق من أن مشاريع بناء السدود المستمرة للحرس ستجعل المشكلة أكثر سوءاً.
لقد قام الحرس الثوري ببناء مئات السدود على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما أدى إلى تغيير الإتجاه الطبيعي لتدفق المياه وتفضيل النخبة على حساب الإيرانيين العاديين. وحين يحاول الخبراء معالجة المشاكل ويطرحون أسئلة حول السياسات الكارثية للحرس الثوري، فغالباً ما ينتهي بهم المطاف في السجن. في رسالة السنة الجديدة الموجهة إلى الشعب الإيراني في شهر آذار (مارس) الفائت، أشار البيت الأبيض إلى أن بناء السدود الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني قد جفّف الأنهار وأحدث مشكلات بيئية في البلاد.
كما سيؤدي مشروع المياه الضخم الأخير الذي أُقيم في غرب إيران إلى تفاقم مشاكل المياه في العراق المجاور. وقامت طهران بالفعل بتقييد تدفق المياه إلى كردستان العراق، مما عقّد مشاكل المياه في بلاد ما بين النهرين ودفعها إلى نقطة الأزمة. إن بناء 17 سداً في غرب إيران لن يؤدي إلّا إلى زيادة وتعقيد المشكلة.
ملء الفراغ
وأكد عبد الله أيضاً أن المجموعة التابعة للحرس الثوري مستعدة لملء الفراغ الناجم من مغادرة الشركات الأجنبية بسبب العقوبات الأميركية، لكنه أشار إلى أن خاتم الأنبياء ستكون مستعدة للشراكة مع شركات وبنوك إستثمار أجنبية التي ما زالت مهتمة بالتعامل مع إيران — مُشيراً إلى أن الحرس الثوري يسعى إلى إستغلال عودة العقوبات الأميركية من خلال الإستحواذ على مشاريع النفط والغاز الرئيسية التي خططت لها في البداية الشركات الأوروبية والآسيوية الكبرى للإستثمار والإستكشاف. وبينما تعتزم واشنطن إعادة فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية، يجادل قادة الحرس الثوري بأن شركاتهم التجارية يجب أن تُعطى دوراً أكبر لتقوية “إقتصاد المقاومة” – وهو مصطلح يستخدمه القادة الإيرانيون للتأكيد على الإعتماد على القدرات المحلية بدلاً من الإستثمار الأجنبي لتحسين إقتصاد البلاد المُتعثِّر.
تزايد الدور الإقتصادي
أعرب أعضاء في حكومة روحاني وبعض المشرعين عن قلقهم من أن دور خاتم الأنبياء المتزايد في الإقتصاد قد خنق القطاع الخاص. لكن عبد الله كان رفض هذه الإنتقادات في الماضي، مُدَّعِياً أن مؤسسته تعمل حالياً مع 5000 شركة لتنفيذ مشاريع البناء وغيرها من المشاريع. ويشير أيضاً إلى أن حوالي ربع مليون شخص يعملون في مشاريع خاتم الأنبياء في جميع أنحاء البلاد.
عندما تحدث وزير الدفاع حاتمي عن الحاجة إلى قيام الحرس الثوري بترك المشاريع الإقتصادية التي لا تتعلق بمجال عمله، فإن رد عبد الله كان تحدّياً: “لقد أنهينا الحرب بنجاح (مع العراق) بدعم من الشعب وبرزنا منتصرين ضد جميع القوى العظمى. اليوم، يجب أن يتم العمل في مشاريع البناء والتنمية “، على حد تعبيره. وكشف الجنرال الذي ينتمي إلى الحرس الثوري كذلك أن خاتم الأنبياء ستزيد من دورها في المشاريع المتعلقة بصناعة الطاقة وإدارة المياه والقطاعات الرئيسية الأخرى. وردّد قادة آخرون في الحرس الثوري الإسلامي وجهة نظر مماثلة. “وفقاً للقانون، تحتاج القوات المسلحة في وقت السلم إلى مساعدة الحكومة. وبناءً على ذلك، فإنه منذ نهاية الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الفائت، قامت شركة “سيبه” (Sepah) التابعة للحرس بتنفيذ أعمال بناء لم تكن الشركات الأخرى قادرة على إنجازها”، قال الجنرال إسماعيل كوثري، نائب قائد وحدة سارالله التابعة للحرس الثوري، والمسؤول عن الأمن في طهران. وشدد على أن “نشاط البناء في الذي تقوم به “سيبه” يستند إلى إذن من آية الله علي خامنئي”.
أسسه مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني بعد ثورة 1979 لحماية النظام من التهديدات الداخلية والخارجية، فإن الحرس الثوري الإيراني لم يتطور إلى أقوى قوة عسكرية في إيران فحسب، بل صار يهيمن أيضاً على القطاعات الإقتصادية الرئيسية في البلاد، مثل الطاقة والبناء، والإتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل الإعلام، والتعدين، والإلكترونيات، والسيارات، والخدمات المصرفية، وأكثر من ذلك. في العام الماضي، أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري أن قواته تشارك الآن أيضاً في الصناعة الزراعية الإيرانية. في حين يجادل قادة الحرس الثوري الإسلامي بأن أنشطتهم الاقتصادية تهدف إلى مساعدة سياسة البلاد في “اقتصاد المقاومة” ومساعدة الفقراء، فإن قوة النخبة في الواقع تنفق معظم إيراداتها على النفقات العسكرية في الداخل والخارج.
وقد إستفادت خاتم الأنبياء وغيرها من الشركات التابعة للحرس الثوري الإسلامي بشكل كبير من برنامج الخصخصة الذي أطلقه الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. في العام 2006، حصلت الشركة على صفقات بقيمة 7 مليارات دولار على الأقل في قطاعات النفط والغاز والنقل وغيرها.
وبحسب وكالة تسنيم للأنباء، فقد ساعدت قوات الحرس الثوري في مجال الطاقة في الآونة الأخيرة وزارة الطاقة في عمليات الزراعة السحابية لمكافحة الجفاف. كما نفذت القوة البرية التابعة للحرس الثوري خططاً واسعة النطاق في السنوات الأخيرة لتطوير المقاطعات الحدودية والمناطق المحرومة، مثل إقليم سيستان وبلوخستان الجنوبي الشرقي.
تمويل الأنشطة غير المشروعة للحرس الثوري الإيراني
الواقع أن خاتم الأنبياء ليست مجرد شركة للبناء. إن المؤسسة التابعة للحرس الثوري تشكل قوة سياسية واقتصادية كبيرة في إيران وتموّل عمليات الحرس الثوري في الخارج. تقوم المؤسسة وشركاتها الأمامية بتنفيذ مشاريع في دول المنطقة، وخصوصاً في مناطق النزاع مثل سوريا والعراق. في تشرين الأول (أكتوبر) 2007، قامت وزارة الخزانة الأميركية بتعيين خاتم الأنبياء وشركات أخرى عدة تابعة للحرس الثوري في إطار الأمر التنفيذي 13382 كجزء من خطة لمواجهة محاولة إيران الحصول على قدرات نووية ودعم الإرهاب ووضعتها على اللائحة السوداء. وفي شباط (فبراير) 2010، إتخذت وزارة الخزانة خطوات إضافية ضد خاتم الأنبياء بوضع رئيس الشركة آنذاك، الجنرال رستم قاسمي، وشركاتها التابعة على لائحة العقوبات. وكما لاحظت وزارة الخزانة الأميركية، فإن الحرس الثوري الإيراني يستخدم الأرباح من خاتم الأنبياء في أنشطته غير المشروعة، بما في ذلك الإنتشار النووي ودعم الإرهاب في المنطقة.
• أحمد مجيديار زميل ومدير مشروع مراقبة إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
• كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.