أنقرة تضع الأساس لمنطقة نفوذ كبيرة داخل سوريا ذات آثار بعيدة المدى
منذ أن إجتازت القوات التركية الحدود السورية لطرد الأكراد من منطقة عفرين، توقع البعض بأن تستمر تركيا في العمل ومحاولة ضم مناطق الحدود السورية في نوع من الاندفاع العثماني الجديد.
دمشق – محمد الحلبي
لا يزال هناك إختلاف كبير حول ما إذا كان الصراع في سوريا يقترب من نهايته أو ما إذا كان تحوّل إلى صراع إقليمي سيجلب المزيد من المخاطر إلى البلاد. ومهما كانت الإجابة، فإن المكان الذي قد تكون فيه تطورات لها آثار بعيدة المدى هو شمال سوريا، حيث تنتشر القوات التركية في منطقة كبيرة بين عفرين وجرابلس.
والسبب في ذلك هو أن الخطط التركية لشمال سوريا كما يبدو تتضمّن عنصرين: السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، بالإضافة إلى رغبة مُحتَمَلة في إرسال عدد كبير من الثلاثة ملايين لاجئ سوري الذين يعيشون حالياً في تركيا إلى هذه المناطق المحتلة لتوطينهم فيها. وثانياً إن أنقرة تضع الأساس لمنطقة نفوذ كبيرة داخل سوريا يُمكن أن تحميها القوات المسلحة التركية وحيث يُمكن إستخدامها لتعبئة وتحريك السكان اللاجئين.
من المنظور التركي، فإن مثل هذه المنطقة سوف تخدم ثلاثة أغراض رئيسية. أولاً من شأنها أن تُقلّل من عبء اللاجئين في تركيا من طريق إنشاء إقليم يُمكن إعادة توطين العديد من اللاجئين فيه؛ ثانياً سوف تسمح للأتراك ببناء قوات عسكرية محلية يُمكن أن تساعد على منع أي عودة للقوات الكردية المعادية، وثالثاً سوف تُعطي أنقرة نفوذاً مُحتمَلاً لزعزعة إستقرار نظام الأسد وربما فرض التسوية التي تفضلها لما بعد الحرب.
وقد تكهّن البعض بأن تركيا قد تذهب أبعد من ذلك وتحاول ضم مناطق الحدود السورية في نوع من الإندفاع العثماني الجديد. ومع ذلك، فإن هذا الأمر بعيدٌ جداً من التأكيد وقد يخطئ الغرض. إن ما يريده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو القدرة على إبداء رأيه والحصول على كلمة رئيسية في ما يحدث في سوريا، والسيطرة على مساحة كبيرة من الحدود التركية – السورية ستوفّر له هذا الهدف.
وفي ضوء ذلك، فإن تصريحات الرئيس دونالد ترامب أخيراً بأن الولايات المتحدة ستنسحب قريباً من سوريا قد تكون ذات صلة بالموضوع. في حين بدا البنتاغون مُندهشاً ومُتَفاجئاً ببيان ترامب، فقد يكون الرئيس الأميركي رأى أن الطموحات التركية هي فرصة ومناسبة للإنسحاب من سوريا. إن الوجود التركي لن يمنع بشار الأسد وحلفاءه الإيرانيين فقط من وسائل السيطرة على شمال سوريا، بل يمكنه أن يراقب ويمنع أي إحياء ل”داعش”.
من ناحية أخرى، يُمكن أن يكون للإنتشار التركي في شمال سوريا تداعيات على ما يحدث في إدلب، آخر منطقة رئيسية خارج سيطرة النظام. كانت هناك تكهنات عندما دخل الأتراك إلى عفرين إلى أنه تم التوصل إلى إتفاق بين تركيا وروسيا، حيث ستغض الأخيرة بموجبه الطرف عن التدخل التركي في مقابل سماح أنقرة لنظام الأسد وروسيا بإعادة إحتلال إدلب.
في الوقت الراهن، لم يحدث ذلك – وهل يمكن لمثل هذه المقايضة أن تستمر إلى آخر الطريق؟ من خلال مساعدة المتمردين في إدلب لمقاومة هجوم النظام، يُمكن لتركيا جمع أوراق قوية لتشكيل نهاية اللعبة السياسية في سوريا. قد يضع هذا الأمر علاقتها مع روسيا تحت الضغط، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا شك أنه كان عارفاً ومُدركاً بأن هذا الأمر يمكن أن يحدث عندما دعا تركيا للمشاركة في عملية أستانا، التي تعترف ضمنياً بمصالح ورهانات تركيا وإيران في سوريا.
إن عامل السكان سيثير قلق نظام الأسد. من بين ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، هناك مجموعة من الشبان الذين يمكن تجنيدهم في ميليشيا تحت رعاية تركية حيث يُمكن دفعها من الشمال. إذا كان ذلك سيحدث، فإنه يمكن أن يحوّل المشهد في الصراع السوري. ورغم أن مثل هذا السيناريو ليس معروفاً إذا كان هو أحد تفضيلات تركيا، فإن احتمال حدوث ذلك سيزيد من التأثير السياسي التركي.
في العام 1998، إضطرت سوريا إلى قبول إتفاق أضنة مع تركيا والتخلّي عن دعمها لحزب العمال الكردستاني. في ذلك الوقت، كانت القوات التركية الخاصة تعمل ضد حزب العمال الكردستاني على مدى عشرات الكيلومترات داخل الأراضي السورية في منطقة القامشلي. بعد ذلك، فهم الرئيس حافظ الأسد أن سوريا كانت ضعيفة في مناطقها الحدودية، لأن تعدد سكانها وعلاقاتها الاقتصادية مع الدول المجاورة جعلا دائماً تأثير دمشق هناك متردداً وغير فاعل أكثر من أي مكان آخر.
ويبدو أن هذا النمط لا يزال مستمراً اليوم. إن الأسد حريص على إستعادة مناطق دير الزور والحسكة في الشمال الشرقي ودرعا في الجنوب، لأن إستقرار نظامه سيعتمد على قدرته على تحييد التهديدات من هذه المناطق النائية. إن احتفاظه بحضور إستخباراتي قوي في كل هذه الأماكن قبل إنتفاضة العام 2011، يؤكد على أهمية إعتباره لهذه المناطق بالنسبة إلى متانة وديمومة النظام.
هذا الأمر تعرفه تركيا، كما تعرفه روسيا أيضاً. لم يكن أمام بوتين أي خيار سوى دعوة أردوغان للإنخراط في محادثات أستانا، نظراً إلى عبور تركيا الحدود السورية وإحتلال أراض داخل بلاد الشام. ومع ذلك ، يُمكن أن يكون هذا شيئاً سيندم عليه الأسد إذا قرر الأتراك إستغلال مكاسبهم لتقويض نظامه. فمع سياسات التهجير التي يتبعها النظام السوري التي أدت إلى خلق الملايين من اللاجئين، فإن الأسد ربما يكون في طريقه إلى ملء خزان ببطء يُمكن أن يغرق فيه في نهاية المطاف.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.