إدعاء إسرائيل المُبسَّط عن علاقة “حزب الله” بالجيش اللبناني يُنذِر بمنحى الحرب المقبلة
قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أخيراً أن الحرب المقبلة ستكون على الجبهة الشمالية لإسرائيل وبالتحديد مع سوريا و لبنان معاً. و بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، نقلاً عن ليبرمان، فإن هذه الجبهة تتشكل من جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية و”حزب الله” و الجيش اللبناني الذي يأتمر بأوامر “حزب الله”، على حدّ تعبيره.
بيروت – رئيف عمرو
في 12 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لجنوده أن الجيش اللبناني يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من “حزب الله”، وأنه في أي حرب مستقبلية ستضطر إسرائيل على الأرجح إلى قتال الإثنين معاً. وكانت تصريحات ليبرمان تبسيطاً للغاية، ولكن إذا تبنّت تل أبيب مثل هذا الموقف، فإن سلوكها سيؤدي إلى النتيجة التي حذّر منها الوزير.
لا يُمكِن الإنكار بأن الجيش اللبناني و”حزب الله” كثيراً ما يُنسّقان عملياتهما، وذلك فقط بسبب التأثير السياسي الذي يتمتع به الحزب في لبنان، ولأن الجيش لا يملك خيار مواجهة الحزب عسكرياً من دون المخاطرة بحرب أهلية. بالتأكيد أن هذا الوضع ليس طبيعياً، ولكن لا يعني أن الجيش هو أداة ل”حزب الله”. كلاهما راسخ في المجتمع اللبناني. وإذا كانت إسرائيل ولبنان في حالة حرب، نعم فإن الجيش سوف يقاتل. هذا ما تفعله الجيوش.
هناك إتجاه متزايد لدى بعض الجماعات في إسرائيل والولايات المتحدة للخلط بين الجيش و”حزب الله”، بطريقة تفترض أنه لا يمكن التمييز بينهما. وهذا لا يخلو من الفروق الدقيقة فحسب، بل يُساعد على تبرير رد فعل إسرائيلي مُعيَّن في حرب مُحتَملة. كما أنه سيقوّض ويُحيِّد أي معارضة ل”حزب الله” في لبنان.
إن الإفتراض القائل بأن الجيش هو “جزء من “حزب الله”” هو ببساطة غير دقيق وغير صحيح. وهذا الرأي لا يأخذ في الإعتبار أن الجيش مؤسسة مُعقّدة، تتألف من طوائف ومجموعات مصالح كثيرة، بعضها مع “حزب الله” وبعضها ضده، وبعضها يستفيد أساساً من الوضع الراهن. مثل لبنان نفسه، إن الجيش هو “بيت بشقق عدة” حيث لا يُمكن وصفه بعبارات تفسيرية بسيطة.
على سبيل المثال، إن جزءاً كبيراً من ضباط ورتباء وأفراد الجيش هم من أهل السنّة. وفي حين أن الإتجاه هو التركيز على سلك الضباط، فإن أي قرار يُتَّخذ في القمة يجب أن يأخذ في الإعتبار ما إذا كان الجنود في المستويات الدنيا سيطبّقونه ويُنفّذونه عن طيب خاطر. وبالنظر إلى العداء السني على نطاق واسع ل”حزب الله”، فإن محاولة ربط الجيش بإحكامٍ بخيارات الحزب ليست أمراً يستطيع الضباط المتعاطفين مع “حزب الله” القيام به من دون قياس دقيق للمخاطر.
كما أن محاولة الخلط بين الجيش و”حزب الله” أمرٌ يَبعث على القلق لأنه يهدف أساساً إلى تبرير الإنتقام الجماعي ضد لبنان في حالة نشوب حرب مقبلة. وهذا ما يسمى “عقيدة الداهية” التي وضعتها إسرائيل بعد حرب 2006 في لبنان. وهي ترى أن أي صراع في المستقبل سيؤدي إلى تدمير إسرائيلي ضخم للبنية التحتية في لبنان، كما فعل في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام 2006.
ومن طريق الإصرار على أن الجيش اللبناني و”حزب الله” هما إثنان في واحد، فإن إسرائيل تقول فعلاً بأن الدولة اللبنانية و”حزب الله” هما واحد. وهذا يعني أن تدمير الجيش الإسرائيلي للبنان سيُعتَبر عملاً مشروعاً. وقد هدف بيان ليبرمان جزئياً إلى ردع “حزب الله”، من خلال تحذير الحزب بأنه سيكون عليه أن يتحمل المسؤولية عن أي حرب جديدة وتداعياتها. ولكنه كان أيضاً مُبرِّراً لقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء والإنخراط في التدمير الذي سيؤدي إلى تفاقم البؤس الوطني.
ولعلّ أكبر مشكلة في الإفتراض بأن الجيش اللبناني والدولة هما واحد مع “حزب الله” هو أنه يتجاهل كل أولئك اللبنانيين الذين يعارضون الحزب. ومن الإنصاف القول بأنهم يشكّلون الغالبية في البلد، وإن كانوا عاجزين عن فعل أي شيء، لأنهم لا يحملون السلاح. ومع ذلك، من خلال بيع ونشر سرد مبسط الذي يدل على أن الدولة اللبنانية هي فرع من “حزب الله”، فإن أولئك الذين يحملون مثل هذه النظرة يُشوِّهون سمعة الدولة وحدها، ويعززون “حزب الله” من الناحية النسبية، في حين يُقوِّضون أي رد فعل عنيف ضد الحزب بعد حرب محتملة.
لماذا هذا؟ لأن مثل هذا الإتهام يخلق سيناريو “إما – أو” حيث لا يترك أي وسيلة ثالثة. وبما أن اللبنانيين ودولتهم لا يمكنهما أن يكونا على الجانب الإسرائيلي، فإن عليهما بالضرورة أن يكونا شركاء ل”حزب الله”، يستحقان أي عقاب يتلقونه. إن الغالبية العظمى من اللبنانيين التي لا تريد الحرب، ولكن أيضاً ليست لديها قدرة حقيقية على منعها، هي مرفوضة في هذه النسخة من السيناريو. ومن المدهش أن أولئك الذين يحملون مثل هذا الرأي لا يُمكنهم رؤية بأن هذا الأمر يلعب لصالح “حزب الله”.
علاوة على ذلك، فإن تدمير إسرائيل الواسع النطاق للبنان لن يترك مجالاً للمعارضة. وسيصرّ “حزب الله” على أن الوحدة والتضامن هما الردان المقبولان الوحيدان على هذا الإنتقام. إن عدداً قليلاً من اللبنانيين سيكون قادراً على الإختلاف، خصوصاً إذا إستهدف الإسرائيليون الجيش، الذي يحظى بدعم كبير في البلاد، فضلاً عن البنية التحتية المدنية. كل هذا لن يساعد إلا على فرض نسخة من الأحداث التي يريدها “حزب الله”.
ويوفّر قطاع غزة مثالاً جيداً. في العام 2014، قامت إسرائيل أيضاً بعمليات إنتقامية واسعة النطاق ضد القطاع لإنهاء إطلاق الصواريخ من قبل “حماس”، حيث دمّرت أو ألحقت الضرر ب 100 ألف منزل، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. لكن هذا لم يستطع إنهاء سيطرة “حماس”. كما أن مثل هذا السلوك لن يستطيع إضعاف “حزب الله” الذي يتبع طهران وليس بيروت.
ولن تأخذ إسرائيل ولا الولايات المتحدة أياً من هذه الأشياء في الإعتبار إذا إندلعت الحرب في لبنان. وسوف يتصاعد الصراع بسرعة إلى أعلى مستويات العنف. وكما هو الحال في الحروب السابقة التي لا حصر لها، فإنه لن يعزز سوى العناصر الأكثر تشدداً وخطراً. والمشكلة هي أن الخاسرين الكبيرين في لبنان سيكونان المؤسسات حكومية من جهة وأولئك الذين لا يتعاطفون مع “حزب الله”. كيف سيعاني الحزب من مثل هذا الوضع يبقى لغزاً، ولكن ليبرمان يحتاج إلى تقديم الجواب.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.