عندما يموت الأمل في سوريا

بقلم كابي طبراني

قبل إندلاع الحرب الأهلية في سوريا، قالت أسماء الأسد لصحيفة زائرة أنها وزوجها الرئيس بشار الأسد لا يريدان شيئاً سوى تمكين “الشباب لكي يُصبحوا مواطنين فاعلين، وقادرين على أن يكونوا جزءاً من التغيير الذي تشهده البلاد”. وعندما نزل هؤلاء الشباب إلى الشوارع في العام 2011 وطالبوا بالتغيير في عرض للمواطنة النشطة، ردّ النظام بوحشية. في ذلك الوقت، كان السوريون الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و24 سنة يشكّلون 36.3 في المئة من مجموع سكان البلد، فيما شكّل أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة 22 في المئة.
الواقع أن السوريين من جميع الأعمار قد تعرَّضوا للعنف والخسارة والصدمات النفسية، أكان ذلك من قبل نظام الأسد، أم من قبل الإرهابيين المتطرفين، أم المُعارِضة المعتدلة … لكن الحرب كان لها تأثير مُدمِّر بشكل خاص في الأطفال والشباب. إن نصف اللاجئين السوريين المُسَجَّلين – الذين يتجاوز عددهم الآن 5 ملايين – هم من الأطفال والأولاد الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً. لقد تحوَّلت سوريا نفسها إلى كيان عثٍّ متآكل، عالق بين همجية “داعش” و”جبهة النصرة”، وفوضى نظام الأسد، وضياع المُعارَضة.
إن السوريين الشباب باتوا الآن مُثبَطبن ومُحبَطين معنوياً بدرجة مرتفعة. فوفقاً لدراسة إستقصائية للاجئين من ذلك البلد، فقد تبيَّن أن الغالبية لا تريد العودة إلى ديارها حتى عندما تنتهي الحرب. وجاءت النتائج التي نُشِرت الأربعاء الفائت (2/8/2017)، نتيجة مقابلات جرت وجهاً لوجه مع 400 لاجئ سوري تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في لبنان والأردن كجزء من “مسح الشباب العربي 2017”. وقال 53 في المئة من المُجيبين في الأردن و55 في المئة في لبنان إن من غير المرجح أن يعودوا إلى سوريا بشكل دائم. إن كندا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة هي البلدان الثلاثة الأولى التي قال اللاجئون السوريون الشباب أنهم يرغبون في الهجرة إليها وإعادة بناء حياتهم المُمزّقة فيها.
وليس من المستغرب أن تكون هذه الدول الثلاث الوجهة المٌفضَّلة للسوريين الفارين من الإضطهاد. فهذه البلدان معروفة بتسامحها حيث تُتيح للناس من جميع الأصول والأديان والأعراق فرصاً وممارسة حقوقهم. ويُذكَر أن الإمارات منحت أكثر من 100,000 سوري الإقامة منذ العام 2011، ويعيش أكثر من 240,000 سوري على أراضيها، وقد أصبحت في العام الفائت أول دولة خليجية تضع خطة رئيسية لمنح اللجوء السياسي للمواطنين السوريين. وكما قالت وزيرة التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، في قمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين في أيلول (سبتمبر) 2016، إن تنوّع سكان دولة الإمارات هو بمثابة “ردٍّ واضحٍ على الموجة العالمية لكراهية الأجانب”. ولكن، مع ذلك، هناك حاجة مُلِحّة إلى العمل العالمي المُنَسَّق.
ويبقى أن نتائج “مسح الشباب العربي” تُذَكِّرُنا، لكي لا ننسى، بالتكلفة البشرية للتصرفات غير الحكيمة وغير الرشيدة للرئيس الأسد، الذي ولّد ردّ فعله القاسي على المتظاهرين في درعا أولاً، ورفضه في ما بعد تلبية طلبات غالبية المواطنين وإحتواء المعارضة المعتدلة، ومن ثم إصراره على التمسّك بالسلطة، رغم ما آلت إليه البلاد من تمزّق وإنقسام، إلى خلق “جبهة النصرة” المتطرفة وتسهيل وصول “داعش” إلى البلاد، الأمر الذي دمّر سوريا تماماً بحيث صارت فكرة العودة إلى الديار تُرعِب الشبان والشابات الذين يشكّلون أملها ومستقبلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى