هل بقيت في تونس دولة؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

تلك مقولة عَنوَن بها الأستاذ الكبير مصطفى الفيلالي مقالاً في جريدة “الصباح” التونسية نشره في سنة 2012.
هل تغيّر الحال بعد 5 سنوات؟
طبعاً لا، فالسلطة خاضعة وبالكامل لمراكز نفوذ تتحكّم فيها، وتتخّذ القرار مكانها، حتى من دون أن تخفي ذلك.
إصلاح تربوي إستمر الإعداد له ما بين عامين وثلاثة أعوام، مهما كان تقييم مضمونه، يتم إلغاؤه بجرة قلم، رغم العمل الشاق واللجان التي عملت عليه، والاستنتاجات التي تمّ الإنطلاق منها، فقط إستجابة لمطلب نقابي بات هو المُتحكّم في البلاد ومقدراتها، وباتت الحكومات المتعاقبة خاضعة له بالكامل.
وزير ـ بقطع النظر عن حسن أو سوء أدائه ـ يُقَال بين عشية وضحاها ويوم أحد، وكأن النار إشتعلت في البيت، أو كأن الاصلاح الذي أقدم عليه لم يكن محل موافقة حكومتين متعاقبتين، وذلك حسب المعلومات غير المُعلنة، بسبب تهديد إتحاد الشغل بعدم المشاركة في إحتفالات غرة ماي (أيار)، وإصطفاف المركزية النقابية، وراء نقابات إختطت لنفسها هدفاً مُتمثّلاً في إقالة وزير، ليس هذا مجال تقييم إصلاحه، إن كان هو الذي تولّاه بمفرده ولم تتجنّد له جهات في أعلى مستويات الأداء “البيداغوجي”، وإستوحت مسارها من أكثر التجارب التعليمية تقدماً في العالم.
والمنفذ لهذا التراجع غير المُنتَظِم الخطوات ـ فحتى الهزيمة تحتاج إلى تخطيط وخطة وتمويه وإخراج ـ كان وزيراً مؤقتاً لا يتمتّع بصفة الديمومة في وزارة التربية، وليس مُتاحاً له أو مخوّل أن يتّخذ قرارات مصيرية تهمّ مستقبل ملايين الأبناء، وهذا ما يفسّر المزيد من هجرة أبنائنا، إلّا مَن ليست لديهم قدرة مادية، إلى تعليم خاص أو أجنبي من شأنه القضاء على مبدأ مدرسة الجمهورية، بمجانيتها ومستواها العالي، الذي كان في وقت من الأوقات قدوة … فنزل وسينزل إلى مزيد الحضيض.
فالحكومات المتعاقبة منذ 2014 دأبت على تراجعات لا تتّسم لا بالمسؤولية ولا بحقيقة السلطة التي نالتها من التفويض الشعبي، وبعيداً من كرامة الحكم، فقد تم إقصاء وزير الشؤون الدينية تحت ضغط حركة الاتجاه الاسلامي أو حزب “النهضة”، وإستقال مدير المستشفي الجامعي الوحيد في صفاقس ( ولا صحة للقول بأنهما مستشفيان جامعيان إثنان إلّا للتمويه)، قبل أن يُقَال وزير الصحة نفسه، لأنه أراد الإصلاح، ووقف مظاهر التسيّب، فأُقيل تحت ضغط نقابي، أصبح في بلادنا بعكس كل بلاد العالم التي تحترم فيها الحكومات نفسها، السيد المطلق والحاكم الفعلي، والبقية تأتي وستأتي في بلد عصي على الإصلاح، وبينه وبين الممارسة الديموقراطية الحقيقية ما بين السماء والأرض ـ بلد لنقل إنه بلا دولة ، بلد فيه يبدو غياب الدولة السمة المسيطرة والواضحة.
وكما التعليم الذي يفقد حقيقة روحه، لفائدة تعليم أجنبي أو خاص يهرب إليه كل من يستطيع، فالصحة باتت وستبيت أكثر بسرعتين، صحة في القطاع الخاص للأثرياء، وصحة متدنية للباقين من غالبية المواطنين، ووداعاً لما أراده الرئيس الحبيب بورقيبة للبلاد من مدرسة الجمهورية وصحة كل المواطنين بلا فروق اجتماعية وفئوية وطبقية.

• كاتب وصحافي تونسي، ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الصباح” التونسية. fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى