هل يؤدي نجاح إيران في سوريا إلى جعلها ساحة لصراع طويل المدى؟
بعد أن إستثمرت كثيراً للحفاظ على إرتباطها الجيوسياسي ب”حزب الله”، يبدو أن إيران تعدّ العدة لوجود طويل المدى في سوريا. وقد أثار هذا الأمر إهتمام الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تُبديان قلقاً من توسّع جبهة جنوب لبنان إلى مرتفعات الجولان.
بيروت – نيكولاس بلانفورد *
بعدما نجحت في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد ضد مجموعة من الجماعات المتمرّدة المسلّحة لأكثر من ست سنوات، يبدو أن إيران تُمهّد الطريق وتعدّ العدّة لوجود طويل الأمد في البلاد التي مزّقتها الحرب، الأمر الذي يسبب قلقاً متزايداً في إسرائيل المجاورة، عدوتها المريرة، ويثير إهتمام واشنطن.
أنفقت إيران مئات الملايين من الدولارات لدعم الإقتصاد السوري، وأشرفت على قوات من الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات من أجل تعزيز وضع جيش الأسد المتدهور، ودرّبت شبكات من الميليشيات السورية المرتكزة على قوات “الباسيج” التطوعية شبه العسكرية الإيرانية.
إن نجاح إيران في توسيع نطاق نفوذها إلى بلاد الشام، التي تُعتبر بمثابة صلة جيوسياسية حيوية لطهران مع “حزب الله” في لبنان، جعل من سوريا ساحة رئيسية مُحتَمَلة إذا كانت الولايات المتحدة تريد تقويض الوضع الإقليمي الإيراني.
ونتيجة لذلك، فقد أشارت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى عزمها على ردع وإزالة نفوذ الجمهورية الإسلامية، ليس فقط في سوريا ولكن في أي مكان آخر في المنطقة.
وقالت رندة سليم، الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن والخبيرة في شؤون “حزب الله”، “إن أفضل إستراتيجية لمواجهة النفوذ الإيراني وإزالته هي إضعافه في سوريا من خلال حرمان إيران من الموارد التي إستثمرتها من خلال نظام الأسد”. وأضافت بأن “سوريا هي الأساس لترسيخ محور إيران – سوريا -العراق -“حزب الله”. وحرمان طهران من سوريا سوف يُفقِدها النفوذ ليس فقط في لبنان ويُضعف “حزب الله”، بل في المنطقة كلها”.
وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد في أواسط آذار (مارس) الجاري في موسكو للرئيس فلاديمير بوتين بأنه لا يُمكن ان يكون هناك سلام في سوريا طالما بقيت القوات الإيرانية هناك.
وقال عقب لقائه مع بوتين: “إن إيران تسلّح نفسها وقواتها ضد إسرائيل بما فى ذلك من الاراضي السورية، وهي في الواقع تكتسب موطئ قدم لمواصلة الحرب ضد إسرائيل”.
خطط لقاعدة بحرية
ويبدو أن طهران لا تنوي التخلّي عن سوريا والإنسحاب منها. في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، قال الجنرال محمد حسين بقاري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، إن الجمهورية الإسلامية يمكنها في المستقبل إنشاء قواعد بحرية في اليمن وسوريا. وتقدم إيران دعماً عسكريا للميليشيات الحوثية الشيعية التي تقاتل مع حلفائها اليمنيين (قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح) تحالفاً عسكرياً بقيادة المملكة العربية السعودية منذ آذار (مارس) 2015.
وقد أثار نتنياهو إقتراح القاعدة البحرية الإيرانية خلال إجتماعه مع بوتين. ويبدو إن استجابة موسكو الفورية لمخاوف رئيس حكومة إسرائيل غير واضحة حتى الآن، لكن العديد من المحللين يشككون في أن روسيا سوف تمارس – أو يمكنها – الضغط على حليفتها في ساحة المعركة إيران لعكس جدول أعمالها في سوريا.
وعلى الرغم من أن الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين واللبنانيين (“حزب الله”) قد صارت لهم اليد العليا في الصراع، فإن الحرب ما زالت بعيدة جداً من نهايتها. وبالنظر إلى النقص المُزمن في العديد الذي يواجهه الجيش السوري، فإن الأسد وشركاءه لا يزالون بحاجة إلى بعضهم البعض لكي يسودوا وينتصروا، وهو واقع يقف حائلاً ضد تفكك التحالف الآن.
وقال فريدريك سي هوف، مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي (Atlantic Council) في واشنطن: “إن إمكانية العمل مع روسيا لمحاولة الحد من النفوذ الإيراني جرى بحثها”. مضيفاً: “حتى الآن ليس هناك دليل على رغبة موسكو للقيام بذلك ولا دليل على أن لديها النفوذ لكبح جماح الأسد أو الميليشيات التي تقودها إيران”.
“يقول الروس لأعضاء المعارضة السورية بأنهم قد سئموا من عدم إحترافية جيش الأسد والميليشيات الشيعية التي جلبتها إيران من لبنان والعراق وأفغانستان”، يقول هوف. “ولكن ليس من الواضح ما تريد أو تستطيع أن تفعله موسكو حيال ذلك”، متابعاً.
قد تكون المحاولات الديبلوماسية الإسرائيلية لعرقلة الوجود البحري الإيراني في سوريا قد جاءت متأخرة. في 13 آذار (مارس) الجاري ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” (Nezavisimaya Gazeta) الروسية أن الأسد قد أعطى الضوء الأخضر فعلياً لإنشاء قاعدة بحرية إيرانية على الساحل القريب من جبلة وقاعدة حميميم الجوية التي تستخدمها حاليا القوات الجوية الروسية.
وإذا تأكد التقرير، فإن قاعدة بحرية في سوريا قد تمنح إيران طريقاً بحرياً لنقل الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، إضافة إلى الطريق الجوي الراسخ عبر مطار دمشق. كما يمكن أن تخلق إحتكاكا في مياه البحر الأبيض المتوسط، التي تقوم فيها البحرية الإسرائيلية وسفن الأسطول السادس الأميركي بدورياتها.
بناء جبهة الجولان
المنطقة الأخرى ذات الأهمية لإيران في سوريا هي مرتفعات الجولان، الهضبة البركانية في جنوب غرب البلاد التي تطل على شمال إسرائيل. وقد إستولت القوات الاسرائيلية على جزء كبير منها فى حرب 1967 وظلت منذ ذلك الحين تحت الإحتلال الاسرائيلي. وكان لمقاتلي “حزب الله” وفرق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وجود في الجولان الشمالي منذ أواخر العام 2013 على الأقل.
ووفقاً لمصادر مُقرَّبة من “حزب الله”، قامت المجموعة اللبنانية الشيعية في العام 2014 بتركيب بعض البنى التحتية العسكرية في المنطقة شمال القنيطرة، بما في ذلك مخابئ وملاجئ ومواقع لإطلاق النار، بهدف توسيع الجبهة مع إسرائيل من جنوب لبنان إلى الجولان. وفي كانون الثاني (يناير) 2015، قُتِل جنرال من الحرس الثوري الإيراني وستة من أعضاء “حزب الله”، بينهم مسؤولان كبيران، في غارة شنتها طائرة إسرائيلية من دون طيار بالقرب من القنيطرة. وقالت مصادر قريبة من “حزب الله” أن الفريق كان يقوم بتفتيش المنشآت التي تم تركيبها حديثاً عندما تعرّض للهجوم.
وقد تم نشر ما بين 100 و 150 مقاتلاً من “حزب الله” في الطرف الشمالي من الهضبة، ويُشتَبه في وجود عدد غير معروف من أفراد الحرس الثوري الإيراني معهم، وفقاً لمصادر أمنية غربية على دراية بديناميات الجولان. وفي الوقت الحالي، فإنهم وقوات حكومية أخرى يواجهون المتمردين المناهضين للأسد في المنطقة. بيد أن نظام الأسد يتفاوض لتحقيق سلسلة من إتفاقات لوقف إطلاق النار مع المجتمعات المحلية في شمال الجولان التي تسمح للمتمردين بالإنتقال إلى مقاطعة إدلب في الشمال مقابل إستئناف سيطرة الدولة على القرى التي يتم إخلاؤها.
وإذا إستمرت العملية بنجاح، فإن الجولان الشمالي قد يصبح محايداً وبعيداً من الصراع السوري، الأمر الذي يُمكن أن يسمح لإيران و”حزب الله” بإحياء خططهما الأصلية للمنطقة. وفي إشارة مُحتمَلة لنوايا إيران المستقبلية، فقد أعلنت حركة النجباء، وهي ميليشيا شيعية عراقية تدعمها إيران، في أواسط آذار (مارس) الجاري بأنها تُنشئ وحدة جديدة تُدعى “جبهة تحرير الجولان”.
وقال سيد هاشم الموسوي زعيم الجماعة في مؤتمر صحافي أن “هذه الوحدة هي جيش مُدَرَّب بخطط محددة”. وأضاف: “إذا طلبت الحكومة السورية، فنحن وحلفاؤنا على إستعداد لإتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير الجولان”.
منذ الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل في العام 2006، ظلت الحدود بين لبنان وإسرائيل هادئة في معظم الوقت، حيث كان الطرفان حذرين من إثارة نزاع آخر أكثر تدميراً. لكن جيورا إيلاند، مستشار سابق للأمن القومي الإسرائيلي وجنرال متقاعد، يوضّح أنه على عكس لبنان، حيث يمكن لإسرائيل أن تُحمّل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أعمال “حزب الله” من أراضيها، فإن الحكومة السورية لديها سيطرة محدودة على أراضيها.
“سوريا أبعد ما تكون عن دولة يمكن أن تكون مسؤولة، وإذا تمكن “حزب الله” من خلق مواقع على الحدود الإسرائيلية – السورية والعمل ضد إسرائيل من سوريا، سيكون من الصعب جداً ردع الحكومة السورية”، على حد قوله.
• نيكولاس بلانفورد صحافي في “كريستيان ساينس مونيتور”.
• مراسل “كريستيان ساينس مونيتور” جويل غرينبرج ساهم في هذا الموضوع من القدس.
• كُتِب هذا التفرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.