وشَهِدَ شُهودٌ من أهل المؤامرات؟

عرفان نظام الدين*

يعيش العالم هذه الأيام على فوهةِ بُركانٍ صامتٍ قد يَنفجِرُ في أيِّ لحظة مع تسارعِ الأحداثِ والمُتَغيِّرات الكبرى والتموضًعِ في حروبٍ باردة صغيرة وكبيرة، مع طرح سؤال عن العرب والمسلمين بصورة خاصة وموقفهم من الخطط المرسومة لتقرير مصيرهم وإعادة ترسيم الحدود .
ويكاد المشهد المأسوي يتكرّر بعد قرن من الزمن على خداع العرب، و”ضحك الإنكليز على ذقونهم”، بحملهم على القيام بما سُمِّيَ الثورة العربية الكبرى لتفكيك الخلافة العثمانية. وما أن أدّوا دورهم، تخلّوا عنهم وخانوهم ونفوا قائدها الشريف حسين الموعود بالخلافة العربية إلى قبرص، ونفّذوا مؤامرة سايكس-بيكو التي قسّمت العالم العربي إلى دويلاتٍ مُتنافسة وحدودٍ آيلة إلى التفجير في أيّ لحظة، وبعدها تم الكشف عن مؤامرة وعد بلفور لإنشاء الدولة العبرية وسيطرة إسرائيل تدريجاً على فلسطين.
المشهد الدولي بدأت تظهر تفاصيله بعد الانقلاب في المواقف الأميركية بين الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدِن، وهي تشمل العالم كلّه والشرق الأوسط من ضمنه لينطبق علينا مَثَل “بين حانا ومانا ضيّعنا لِحانا”. اًلاولوية ركّزت على العلاقة مع الصين وروسيا وتمثّلت في حلف “أوكوس” بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأوستراليا في المحيطين الهادئ والهندي بعد توجيه صفعة لفرنسا بإلغاء صفقة الغواصات الأوسترالية معها ومنحها للأميركيين؟
ويبدو أن بايدن يُمهّد الأجواء للمواجهة عن بُعدٍ بَعدَ الانسحاب من أفغانستان وتقديمها لقمة سائغة لحركة طالبان تاركاً الشعب المسكين الذي صدّق كذبة الحماية الأميركية. فاستراتيجية واشنطن الجديدة تقوم على الانسحاب من المواجهة المباشرة مع الصين وروسيا والاكتفاء بالمواجهة بالوكالة، وهو ما حمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقول بأن ما جرى هو تهديدٌ للأمن القومي الروسي، ولا بدّ أن تصل الانعكاسات إلى الشرق الاوسط ولا سيما في العراق وسوريا.
والمعروف أن التخلّي الأميركي عن الشعب الأفغاني هو الثاني بعد تشكيل قوات ما سُمّي بالمجاهدين في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي، وعندما تحقّق الهدف وانسحبت القوات السوفياتية وانهار الاتحاد السوفياتي تخلّت واشنطن عنهم، وتمّ الإعلان عن تنظيم “القاعدة” بالتحالف مع طالبان التي طبقت قوانينها الجائرة على الشعب .
واكتملت فصول المؤامرة بالتركيز على محاربة الإسلام، واتهام المُسلمين بالإرهاب والترويج لنظرية الإسلاموفوبيا وصراع الحضارات بزعم أن الإسلامَ يُمثّل الخطر الأكبر على الحضارة الغربية. والمريب في الأمر ان عملية تفجير البُرجين في نيويورك ووزارة الدفاع في واشنطن وقعت بالتزامن مع الدعوات المشبوهة ما أدّى إلى استنفار الكراهية والعنصرية كوقودٍ لمحاربة الاسلام؛ وبصورة خاصة الإسلام السنّي كهدف مباشر. وهو ما تُرجِمَ عملياً في دول المنطقة وفي الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان.
وهنا لا بدّ من التركيز على الدور الصهيوني مع ظهور ما سُمّي بالإنجيليين الجدد الذين يؤمنون بمطامع إسرائيل كخطوة أولى، وهو ما لفت اليه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عندما قال أن الرئيس الاميركي الأسبق جورج بوش الإبن زاره لإقناعه بالمشاركة بغزو العراق فسأله عن الدافع ومدى التأكّد بعلاقة الرئيس الراحل صدام حسين بتنظيم “القاعدة” و”غزوتَي” نيويورك وواشنطن، أو بوجود اسلحة دمار شامل عنده، فكان ردّه صادماً لشيراك بقوله: لا هذا ولا ذاك بل القضية أكبر فقد اكتشفنا ان المسيح المُنتَظَر سيظهر قريباً، وعلينا ان نُمهّدَ الأجواء له بتدمير العراق والمنطقة وهدم المسجد الاقصى لبناء هيكل سليمان؟!
وما جرى بعد ذلك معروف وينسجم مع احداث المنطقة بعد ذلك، تنفيذاً لما سُمّي بالفوضى الخلاقة ونشر الديموقراطية المزعومة والجهر بوجوب تدمير ٧ دول عربية وظهور تنظيم “داعش” بعد انتهاء دور تنظيم “القاعدة”.
وتاتي هذه التطورات بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، وما خلّفته من فِتنةٍ سنّية-شيعية، ولم يخفِ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر فرحته عندما سُئل عن توقّعاته للمستقبل قائلاً: حرب سنّية-شيعية لمئة عام.
وكُتِبَ الكثير عن تخلّي الولايات المتحدة عن الشعب الإيراني وحليفها الأكبر الشاه محمد رضا بهلوي كما فعلت مع الشعب العراقي بعد تدمير جيشه وتركه يتلوّى بين إرهاب سندان “داعش” ومطرقة الميليشيات الشيعية.
وقد اورد الشاه في مذكراته تفاصيل مُذهلة عن الضغط الاميركي لحمله على التنحّي والرحيل والاستسلام للتظاهرات الموالية للإمام الخميني الذي كان يُمارس نشاطه السياسي من باريس.

وقال الكاتب الراحل الشهير أنيس منصور، الذي كان مستشاراً للرئيس المصري الراحل انور السادات، أن الشاه روى له تفاصيل خيانة الأميركيين له ولإيران التي كانت الدرع القوي للولايات المتحدة والغرب خلال الحرب الباردة والصراع بين الشرق والغرب، واشتكى من ضغوطهم ومنع دول العالم من استقباله ومنحه اللجوء، مع أنه كان يُعاني من السرطان في مراحله الاخيرة. الوحيد الذي استقبله ورعاه كان الرئيس المصري.
وقال منصور أن الشاه طلب منه إيصال رسالة تحذير للرئيس السادات مُلخّصها إيّاكَ أن تثق بالأميركيين، إنهم خونة ينكرون المعروف، وأنا الشاهد الحي على موقفهم المُخزي. ففي الوقت الذي كان الرئيس جيمي كارتر يزور إيران ويتحدث إلى زوجتي عن عظمة إيران وحضارتها، كان رئيس المخابرات المركزية الأميركية مُجتمعاً مع الإيرانيين المُعارضين في باريس لإكمال خطة المؤامرة.
وكان ما كان، واتضحت الصورة الماثلة أمام أعيننا، وتمّ التحريض على الحرب العراقية-الإيرانية وصولاً الى الكشف عن فضيحة “إيران- غيت” التي تبيّن أن الولايات المتحدة التي تدّعي العداء للجمهورية الإسلامية كانت تزوّد الإيرانيين بالأسلحة الحديثة .
ومن المنتظر أن تُستأنَف مفاوضات فيينا قريباً للتوصّل الى الاتفاق النووي بين إيران والدول السبع ومعها حزمة اتفاقات وتفاهمات وأثار لا تأخذ في الحسبان مصالح العرب.

وكان الرئيس الاسبق بارك اوباما وافق على الاتفاق النووي الأوّل، مُتجاهلاً دور الدول الحليفة مثل السعودية ودول الخليج العربي.
من خلال ما سبق نكتشف القليل القليل مما يُرسَم للعرب، وما علينا إلّا البحث عن الأصابع الصهيونية التي تُحرّض وتنفّذ، ويساعدها بعض العرب وتدعمها الولايات المتحدة والدول الكبرى بشرقها وغربها. وآخر الدعم كان من ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبضمّ مرتفعات الجولان السورية المحتلة ومعظم اراضي الضفة الغربية، وجاء الرئيس بايدن ليُعلِنَ أن الدول العربية لن تنعم بالأمن والسلام إلّا بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية بحتة رُغم أنه عاد ليقول إن حلّ الدولتين هو الأفضل.
وهذا غيضٌ من فيض المؤامرات ضد العرب النائمين في عسل الأوهام والوعود الكاذبة، وأوّلها قيام الولايات المتحدة الإبراهيمية…

وللبحث صلة لعرض المزيد. وما زال التحقيق مستمراً يتعرّض للتعتيم والتضليل والخيانات مع ان المجرم معروف والضحية تصرخ من الالم والقاضي جلاد؛؟؟!

  • عرفان نظام الدين هو كاتب وصحافي مُقيم في لندن، كان سابقاً رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى