عَزل ديلما: البرازيل تَجمع أشلاءها

ريو دي جانيرو – واصف كرم

ميشال تامر: يحلف اليمين الدستورية ليكون رئيساً جديداً للبرازيل
ميشال تامر: يحلف اليمين الدستورية ليكون رئيساً جديداً للبرازيل

فقط بعد أكثر من أسبوع على الإختتام المُظفّر لدورة الألعاب الأولمبية للعام 2016 في ريو دي جانيرو، كان على البرازيليين مواجهة الواقع بأن رئيستهم، ديلما روسيف، تم عزلها. وعلى الرغم من أن الرئيسة روسيف قد نفت بإستمرار إرتكابها أي جريمة تستدعي إقالتها، فإن الرئيس المؤقت (والنائب السابق للرئيسة روسيف) ميشال تامر أصبح الآن رسمياً رئيساً للجمهورية حتى حلول الإنتخابات المقررة أن تجري في العام 2018. وعلى الإدارة الجديدة أن تُعالج القضيتين التي حام حولهما هذا العزل في المقام الأول: الإقتصاد الذي يعاني من ركود واسع، وفضيحة الفساد التي طالت شركة النفط الحكومية “بتروبراس” وتورط فيها رجال أعمال في القطاع الخاص ومسؤولون على أعلى المستويات الحكومية. ويتوقع معظم المراقبين زيادة تأرجح الرقّاص السياسي إلى يمين روسيف وجدول أعمال حزب العمال اليساري.

مشكلة للديموقراطية في البرازيل؟

على الرغم من أن كلمة “إنقلاب” قد إستُخدِمت من قِبَل ديلما وأنصارها في جميع الأنحاء، فقد وافقت المحكمة العليا البرازيلية بالإجماع على أن عملية الإقالة دستورية. والأكثر إنتشاراً هو الإعتقاد بأن عزل ديلما هو خطوة سياسية بحتة، وكثيرون علّقوا على نفاق رئيسة تمّت إقالتها جرّاء إنتهاكات تقنية لقوانين الموازنة من قبل مجلس شيوخ حيث غالبية أعضائه تواجه إتهامات بالفساد، وإساءة إستخدام الوظيفة العامة وأسوأ من ذلك.
وحقيقة أن نائب رئيسة الجمهورية تامر (في حينه) تحوّل ضد الرئيسة ديلما أيضاً كان أمراً سيئاً لم يهضمه كثيرون. وهناك تصورٌ بأن السياسيين إستغلوا إستياء الشعب من كل الوضع السياسي البرازيلي وأقدموا على عزل ديلما من منصبها. وقد غرق التأييد الشعبي لتامر فعلياً إلى 13 في المئة.
إن الإستياء الشعبي الواسع من تامر والدعم الفاتر للعزل ليسا في حد ذاتهما تهديداً للديموقراطية في البرازيل. ومع ذلك، فإن الطريقة التي تم التعامل بواسطتها مع العزل لديها القدرة على أن تكون حافزاً كبيراً (وبشكل دائم) للإستقطاب. مما لا شك فيه بأن حزب العمال سوف يؤكد ويشدّد على سرد “طعنة تامر في الظهر” عندما سيسعى إلى خوض إنتخابات 2018.

أمام تامر مشاكل كبيرة

لدى تامر أكثر قليلاً من عامين لإرساء إرثه كرئيس أعاد الرخاء والنمو إلى البلاد. وتشهد البرازيل أسوأ ركود إقتصادي في تاريخها الحديث. وهذا الوضع هو أكثر إيلاماً في ضوء نجاح البلاد في الآونة الأخيرة في الحد بشكل كبير من الفقر المدقع وتنامي الطبقة الوسطى من خلال مزيج من بطالة عالية، وإئتمان إستهلاكي سهل، وبرامج تحويلات نقدية مشروطة تستهدف المواطنين الأكثر فقراً. ونظراً إلى العجز الكبير في الموازنة والتصنيف الإئتماني المُتدنّي في البرازيل، من المتوقع أن يقوم تامر بتشديد الموازنة من طريق خفض الإنفاق الإجتماعي وتحويل المدفوعات، لا سيما نظام التقاعد السخي الشهير في البرازيل، وإطلاق سياسات ملائمة للسوق أكثر من روسيف.
مع ذلك، من غير المرجح أن تكون السياسات الإقتصادية الإنكماشية شعبية. وتامر أيضاً بلا شك سوف يكون تحت ضغط من مؤيديه السياسيين في “حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية” و”الحزب الديموقراطي الإجتماعي البرازيلي” لتنفيذ سياسات توسعية جذابة، سواء من خلال مشاريع “الإفادة” للحفاظ على إئتلافه غير المتجانس في الكونغرس، ولكن أيضاً لإعداد الأرضية للمساعدة في فوز أحزاب يمين الوسط في إنتخابات 2018. هذا الأمر قد يؤدي إلى نوع من الإنفصام في السياسة العامة في البرازيل على مدى العامين المقبلين.
يخيّم على مناقشات السياسة العامة التحقيق الجاري حول الفساد في شركة النفط الوطنية “بتروبراس”. تحت قيادة القاضي سيرجيو مورو، وجّهت النيابة العامة إتهامات إلى كبار السياسيين وإستطاعت إدانة شخصيات رئيسية في النخبة الإقتصادية البرازيلية بنجاح. ولكن سيكون من الصعب القضاء على الفساد تماماً لأن السياسة البرازيلية تعتمد على تشكيل تحالفات أحزاب سياسية على أساس تبادل المصالح والفوائد. وتمددت شبكة الفساد بشكل كبير وعميق الأمر الذي قوّض بشكل أساسي الثقة في الطبقة السياسية برمتها. وتثير إرتباطات تامر الكثيرة مع الحرس القديم من السياسيين البرازيليين تساؤلات مهمة حول مستقبل التحقيق في قضية فساد شركة “بتروبراس”، وكثيرون قلقون من أن الرئيس الجديد سوف يضع المزيد من الحواجز والعراقيل في طريق النيابة العامة والقضاة.

إنتخابات 2018 وما بعدها

إن أحزاب “العمال”، “الحركة الديموقراطية البرازيلية”، و”الديموقراطي الإجتماعي البرازيلي”، من المرجح أن تكون كلها قادرة على المنافسة في الإنتخابات الرئاسية في العام 2018. وسوف يحاول حزب العمال اليساري تنصيب نفسه كصوت البرازيليين الذين يعارضون وينتقدون تامر. وسوف يلعب بلا شك سرد “طعن في الظهر” لشرح أبعاد عزل ديلما وسوف يعد بإعادة البرامج الإجتماعية الشعبية التي سيخفّضها أو يلغيها تامر. لا يزال الرئيس السابق لولا دا سيلفا، وهو شخصية رائدة في حزب العمال، المرشح الرئاسي الأكثر شعبية لإنتخابات 2018، على الرغم من أنه يواجه الآن إتهامات بالفساد أيضاً. ومع ذلك، إذا تمكّن تامر من وضع نفسه كقائد لحملة “تنظيف” الإدارة ونجح في إستعادة النمو الإقتصادي وإجتثاث الفساد، فقد يستطيع حزبه “الحركة الديموقراطية البرازيلية” وتحالفه السياسي تحقيق الفوز في العام 2018. وعلى الرغم من أن “حزب الحركة الديموقراطية البرازيلية” و”الحزب الديموقراطي الإجتماعي البرازيلي” يعملان حالياً معاً كجزء من إدارة تامر، فإن هناك عدداً من السياسيين البارزين المنتمين إلى الحزب الثاني من المتوقع أن يسعى إلى ترشيح نفسه للرئاسة أيضاً. ومن المرجح أن يستمر التحقيق في فساد شركة النفط الوطنية ومتفرعاتها في توجيه الإتهامات على نطاق واسع ومحاكمة الفاسدين بين النخبة البرازيلية، مُقدِّماً بإنتظام المفاجآت إلى الطبقة السياسية على الرغم من كل الحواجز الجديدة التي قد تظهر. وهذا ما يجعل من الصعب التنبؤ تماماً بما سيؤول إليه الطريق إلى إنتخابات 2018.
الواقع أن عودة البرازيل إلى الإستقرار السياسي وإستئناف طريقها إلى الرخاء سوف يكونان أمراً إيجابياً ليس فقط بالنسبة إلى البرازيليين، ولكن أيضاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وكما أشار كتاب صدر حديثاً عن “بروكينغز برس” بعنوان “السلطة المنشودة”، فإن البرازيل التي تساهم في الإستقرار الدولي والحكم الرشيد ستكون بلا شك مفيدة للنظام العالمي. وستكون البرازيل في وضع أفضل للمساعدة على التوصل إلى توافق إقليمي بشأن كيفية التعامل مع المشاكل الرئيسية في الأميركتين، لا سيما بالنسبة إلى الوضعين السياسي والاقتصادي المترديين بشكل متزايد في فنزويلا المجاورة. ولكن واقع العامين المُقبلين هو أن البرازيليين سوف يركّزون معظم جهدهم على الداخل فيما هم يحاولون تحصين الأساس المؤسسي والإقتصادي لديموقراطيتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى