هل يَدومُ دورُ قطر المُتَوازِن في غزّة؟

لا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى الاعتماد على الدوحة لاستخدام نفوذها لدى “حماس” لتحقيق بعض المكاسب الأساسية.

إسماعيل هنية وخالد مشعل في قطر: هل تطردهما قطر إذا أُجبرَت على ذلك بعد حرب غزة؟

يوئيل غوزانسكي*

كان الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل، والحرب اللاحقة في غزة، سببًا في تسليط الضوء على الدور المتصاعد في السياسة الإقليمية والدولية لدولةٍ خليجية صغيرة: قطر. مُنذُ بدء الصراع، انخرطت الإمارة في جهودٍ رفيعة المستوى للتوسّط في هُدنةٍ بين إسرائيل و”حماس” والتفاوض على صفقاتٍ لإطلاق سراح الرهائن المدنيين الذين احتجزتهم “حماس”، وكذلك إجلاء الرعايا الأجانب من غزة. وباعتبارها دولة تتمتع بعلاقاتٍ جيدة بشكلٍ عام مع جيرانها العرب ومعظم الدول الغربية، تجد قطر نفسها في العديد من النواحي في موقفٍ تُحسَدُ عليه. ولكن يتعيَّن عليها أيضًا أن تُديرَ عمليةَ توازنٍ صعبة.

على مدى العقدين الماضيين أو نحو ذلك، شرعت قطر في انتهاجِ سياسةٍ خارجية تقومُ على التَحَوُّط، وهي السياسة التي يتم اختبارها الآن من خلال الحرب في غزة. وتستخدم الدوحة ثروتها الهائلة وعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة للتحَرّكِ بحرية على المسرح العالمي، وغالبًا ما تكون غير مُقَيَّدة بالضغوط المُعتادة في العلاقات الدولية مثل التزامات التحالف. على سبيل المثال، حافظت قطر على علاقاتِ عملٍ مع إسرائيل بينما ظلت الداعم الرئيس ل”حماس”. وقد ظهر توازنها بوضوح في ردّها على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). لم تَدِن قطر الهجوم علنًا، بل إنها أعلنت أنَّ إسرائيل وحدها هي المسؤولة عن العنف المتصاعد. وفي الوقت نفسه، ساعدت على تحرير أكثر من 100 رهينة إسرائيلية (وأكثر من 3,000 سجين فلسطيني) بفضل وصولها الفريد إلى كلٍّ من إسرائيل و”حماس”.

وحتى الآن، أتت مناورات قطر بثمارها، ما سمح لها بتعميقِ الشراكات مع الجهات الفاعلة الرئيسة، بما في ذلك الولايات المتحدة. لقد استخدمت قطر نفوذها الإقليمي ونفوذها الديبلوماسي لكسب ثقة واشنطن من خلال التوسّط بينها وبين قوى أخرى بما فيها إيران وفنزويلا، وأصبحت تدريجًا أحد أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. لكن هناك تعقيدًا: فمن المحتمل أنَّ قطر لعبت دورًا في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). على الرُغمِ من أنها لم تكن مُتَوَرِّطة بشكلٍ مباشر في هجوم “حماس”، فإنها لم تكن مُتَفَرِّجًا أيضًا: لسنوات، دعمت قطر المنظمة الفلسطينية من خلال توفير التمويل، واستضافة قيادة “حماس” في الدوحة، وتضخيم وتسويق رسائل المجموعة من خلال شبكاتها الدعائية والإعلامية.

مع ذلك، فإنَّ علاقةَ قطر الحميمة مع “حماس” تمنحها أيضًا قدرةً فريدة على التأثير في قادة الجماعة وإحضارهم إلى طاولة المفاوضات للتوصّل إلى صفقة رهائن جديدة. ولا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل بحاجة إلى الاعتماد على الدوحة لاستخدام نفوذها لدى “حماس” لتحقيق بعض المكاسب الأساسية – حتى لو أُجبِرَت قطر في نهاية المطاف على قطع علاقاتها مع المنظمة الفلسطينية.

الديبلوماسية الشاملة

يبلغ عدد سكان قطر حوالي 2.7 مليوني شخص، لكن غالبيتهم من العمال المهاجرين من جنوب آسيا؛ فقط 300 ألف أو نحو ذلك هم مواطنون قطريون. وعلى الرُغمِ من صغر حجمها، إلّا أنَّ قطر تتمتّع بنفوذٍ دوليٍّ كبير. إنها واحدة من أغنى الدول في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وواحدة من أكبر مُوَرِّدي الكوكب للغاز الطبيعي المسال. وعلى مدى العقود العديدة الماضية، استخدمت ثروتها من الطاقة لتغذية صعودها على المسرح الديبلوماسي، لتُصبح وسيطًا رئيسًا في النزاعات الدولية الصعبة.

حتى أوائل التسعينيات الفائتة، كانت قطر دولة محافظة ومُهَمَّشة، وعادة ما كانت تستمدّ سياستها الخارجية من الأعضاء الآخرين في الممالك والإمارات الغنية بالنفط في مجلس التعاون الخليجي. لكن الدوحة برزت كقوةٍ إقليمية في السنوات التي تلت العام 1995، عندما نَفَّذَ الشيخ حَمَد بن خليفة آل ثاني انقلابًا غير دموي ضد والده، الذي كان أميرًا لأكثر من عقدين من الزمن. عند وصوله إلى السلطة، استخدمَ الشيخ حَمَد عائدات الغاز الطبيعي في البلاد واعتمد سياسةً خارجية تهدفُ إلى رفعِ مكانة قطر العالمية ودعم الدولة ضد المملكة العربية السعودية، جارتها الأكبر والأكثر هَيمَنة. وقد عانت محاولة قطر للاستقلال الإقليمي من انتكاسات، بما في ذلك الانقلاب المضاد الفاشل في العام 1996؛ وتنازل الشيخ حَمَد عن العرش لصالح ابنه، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في العام 2013؛ والحصار الذي قادته السعودية والذي استمر من العام 2017 إلى العام 2021.

مع ذلك، نجحت قطر في ترسيخ مكانتها كوسيطٍ ثقيلِ الوزن في النزاعات، وهو الدور الذي جعلها حليفًا قَيِّمًا لمجموعةٍ غير مُتَوَقَّعة من الدول. توسّطت الدوحة في المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان؛ بين رواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية؛ بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، من بين آخرين. وعلى الرُغم من أنَّ جهود الوساطة القطرية لم تنجح دائمًا، إلّا أنها ساعدت الدولة الخليجية على الفوز بالمكانة الدولية الضرورية لبقائها بين جيرانها الأكبر والأقوى، المملكة العربية السعودية وإيران.

لقد أصبحَ وضعُ قطر كوسيطٍ ديبلوماسي مُمكِنًا بفضلِ حيادها الواضح، والذي عزّزته البلاد من خلال الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف في مجموعةٍ من الصراعات، ولأنَّ جيوبها العميقة تسمح لها بتقديمِ حوافز مالية للسلام. تهدفُ قطر إلى البقاء مُستَقِرّة وآمنة، وتعتقد أنه كلما اتَسعَت مكانتها الدولية، زادت مصلحة الشركاء الخارجيين في أمنها في المدى الطويل. كما إنَّ عملها كوسيطٍ سمحَ لها أيضًا بكسب ثقة القوى المتنافسة، ما أدّى إلى عزلها نظريًا عن تأثيرات المنافسات الدولية. ولكن في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ربما لا يكون لهذا النهج الذي يشمل جميع الأطراف في التعامل مع الشراكات الدولية فترة صلاحية طويلة كما كانت الدوحة تأمل.

ضرر الشراكة والأصدقاء

على الرُغم من أن استراتيجية التَحَوّط التي تتبعها قطر ساعدت على تعزيز بعض التحالفات الرئيسة وأبقت منافسيها الأكبر في وضعٍ حَرج، إلّا أنها تحمل أيضًا مخاطر كبيرة. على سبيل المثال، أدّى دعم قطر للجماعات الإسلامية إلى نتائج عكسية في الماضي. ففي العام 2014، على سبيل المثال، قطعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع الدوحة بسبب دعمها لجماعة “الإخوان المسلمين”. وفي العام 2017، ذهبت هذه الدول (إضافة إلى مصر) إلى أبعد من ذلك وفرضت حصارًا ديبلوماسيًا واقتصاديًا على قطر بعد اتهامها بدعم الإرهابيين الإسلاميين وكذلك إيران.

اليوم، أصبحت علاقة قطر مع “حماس” مَوضِعَ تدقيقٍ مُكَثَّف. وتمشّيًا مع مظهرها المُحايد، استضافت البلاد قيادة “حماس” منذ العام 2012، عندما أجبرت التوتّرات بين الجماعة الإسلامية الفلسطينية والديكتاتور السوري بشار الأسد وسطَ حربٍ أهلية متصاعدة، المنظمة الفلسطينية على الفرار من قاعدتها الطويلة الأمد في سوريا. وزعمت قطر منذ ذلك الحين أنها سمحت ل”حماس” بفتح مكتبٍ في الدوحة بناءً على طلبٍ من واشنطن لإنشاءِ خطوطِ اتصالٍ غير مباشرة مع المنظمة. كما دعمت قطر حركة “حماس” بطُرُقٍ أكثر دقة؛ في العام 2012، كان الشيخ حَمَد أيضًا أول رئيس دولة يزور غزّة التي تسيطر عليها “حماس”، وقد زوّدت شبكة تلفزيون “الجزيرة” المملوكة لقطر المجموعة الفلسطينية بدعايةٍ قَيِّمة.

لكن قطر ذهبت إلى ما هو أبعد من السماح ل”حماس” بالانتقال إلى الدوحة وتسهيل الحوار مع واشنطن؛ فقد قدّمت أيضًا دعمًا ماليًا حاسمًا للحركة يصل إلى مليارات الدولارات على مدى عقد من الزمن تقريبًا، والذي بدونه ربما لم تكن حكومة “حماس” لتتمكّن من البقاء والصمود. بدأت قطر تساعد “حماس” منذ فوزها بالغالبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2006، واستيلائها على المؤسسات العسكرية والحكومية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة في العام 2007. ودخلت هذه الدولارات إلى قطاع غزة ليس فقط بإذنٍ ضمني من إسرائيل، بل أيضًا بطلبٍ صريح من حكومتها. وكانت إسرائيل تأمل أن تُشَجِّعَ هذه الأموال “حماس” على الحفاظ على الاستقرار والأمن في غزة، وإدامة الانقسام بين حكم “حماس” في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وموازنة نفوذ إيران على “حماس”. ومن خلال قبول ومساعدة دعم قطر ل”حماس”، كانت إسرائيل تشتري السلام في المدى القصير بشكلٍ أساسي – ولكن على حساب أمنها القومي في المدى الطويل، بالنظر إلى أنَّ أموال الدوحة من المرجح أنها كانت تساعد “حماس” على توسيع وتعزيز جناحها العسكري.

في الماضي، منحت علاقات قطر ب”حماس” الإمارة الخليجية الصغيرة نفوذًا ومكانةً في الشرق الأوسط وخارجه. وقد عزّز دعمُ الدوحة ل”حماس” التصوّرَ العام بأنَّ قطر تعمل من أجل القضية الفلسطينية، على عَكسِ الأنظمة العربية الأخرى –مثل البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة– التي كان يُنظَرُ إليها على أنها تخلّت عن الفلسطينيين لصالح التطبيع مع إسرائيل. علاوةً على ذلك، تمكّنت قطر من وَضعِ نفسها كوسيطٍ حصري بين إسرائيل و”حماس” في وقت كانت دولٌ أُخرى في المنطقة تنأى بنفسها عن القضية الفلسطينية حيث بدت آفاقها السياسية باهتة. وحتى مصر، التي عملت حتى سنواتٍ قليلة مضت على مواجهة النفوذ الإقليمي لقطر، قامت منذ ذلك الحين بإصلاح العلاقات مع الدوحة وقبلت احتكار قطر الديبلوماسي لغزة. ويعني هذا النفوذ المُتراكِم أنه على الرُغم من أعباء “حماس” السامة، فإنَّ قطر مُتَرَدّدة في التضحية بعلاقتها مع الحركة بالكامل. تَوَدُّ الدوحة أن تبقى “حماس” في السلطة في غزة لأنها تريد أن ترى عائدًا على استثماراتها، وأن تحتفظَ بنفوذها بالنسبة إلى واشنطن.

الطريق الصعب

لكن قطر تسلك خطًا محفوفًا بالمخاطر للغاية عندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة. وعلى نحوٍ فريدٍ من بين الدول العربية، تمكّنت الدوحة من الحفاظ على خطوطِ اتصالٍ مع إسرائيل على مدى العقود العديدة الماضية، حتى مع تعزيز العلاقات ليس فقط مع “حماس” ولكن أيضًا مع إيران. في العام 1996، افتتحت قطر سفارة إسرائيلية فعلية في الدوحة -وتمَّ تسميتها رسميًا كمكتبٍ تجاري- لتصبح أول دولة خليجية عربية تُقيمُ علاقاتٍ رسمية مع إسرائيل. وأغلقت قطر المكتب في العام 2009 بعد صراعٍ عسكري بين إسرائيل و”حماس”، لكنها حافظت منذ ذلك الحين على علاقةِ عملٍ مع إسرائيل.

وقد سمح خط الاتصال هذا لقطر بتنفيذ تجارةٍ محدودة مع إسرائيل والدخول في حوارٍ شخصي مع الديبلوماسيين ورجال الأعمال الإسرائيليين، على الرُغم من الخلافات السياسية المُستَمِرّة حول القضية الفلسطينية. بل إنَّ الحديثَ يدورُ عن تطبيع العلاقات، على الرُغم من أنَّ قطر قالت إنها تستبعدُ هذا الاحتمال في غياب التزامٍ إسرائيلي بحلِّ الدولتين. وامتدَّ حوارُ قطر مع إسرائيل إلى غزّة؛ فقبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، على سبيل المثال، تمَّ تمريرُ المساعدات القطرية إلى القطاع من خلال منظمة تسمى لجنة إعادة إعمار غزة، والتي يرأسها محمد العمادي، وهو مسؤول قطري يعمل أيضًا كمبعوثٍ غير رسمي إلى إسرائيل. وكانت قطر أيضًا وسيطًا رئيسًا في محاولة إنهاء 11 يومًا من الاشتباكات بين إسرائيل و”حماس” في أيار (مايو) 2021، وهو المسعى الذي نال إشادة القادة الإسرائيليين.

وقد حافظت قطر على موقفها المُزدَوِج تجاه إسرائيل حتى في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر). فحتى عندما انتقد الشيخ تميم، أمير قطر، إسرائيل بسبب عدد القتلى المدنيين في حربها في غزة، عمل المسؤولون القطريون بشكلٍ وثيق مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس”. وقد استضافت إسرائيل وفودًا استخباراتية قطرية لإجراء مناقشاتٍ مُماثلة، حتى أن أحد المسؤولين الإسرائيليين قال للصحافة إنَّ التعاونَ بين الوكالات الإسرائيلية والقطرية “وثيقٌ تقليديًا” – وهو تصريحٌ غير عادي يعكسُ العلاقة غير التقليدية وغير الرسمية بين البلدين.

ولكن مع تعهّد إسرائيل بالقضاء على “حماس”، فإنها تواجه الآن معضلة بشأن الدوحة. لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لقطر بمواصلة دعم المجموعة الفلسطينية، لكن علاقات قطر مع “حماس” جعلت منها ركيزةً لا غنى عنها في أيِّ مفاوضات مستقبلية، وخصوصًا في ما يتعلق بالإفراج عن الرهائن الذين ما زالوا مُحتَجَزين في غزة. لقد ثبت بالفعل أنَّ تردّدَ إسرائيل بشأن قطر مُكلِفٌ سياسيًا، بخاصة في ظلِّ الدعوات المتزايدة داخل إسرائيل لإعلان قطر دولة مُعادية واتخاذ إجراءات ضدها. على سبيل المثال، اتَّهَمَ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قطر بتمويل “حماس” وإيواء قادتها، وقال إنَّ الدوحة “يمكن أن تؤثر ويمكنها أن تساعد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن المحتجزين لدى الإرهابيين”. وفي التعامل مع قطر، يتعيّن على إسرائيل أن توازن بين الهدف القصير الأمد المتمثل في إنقاذ أكبر عدد ممكن من الرهائن والهدف الطويل الأمد المتمثل في الإطاحة ب”حماس”.

لعب لعبة قطر

تتصرّف واشنطن وإسرائيل بحذرٍ مع قطر بينما تعتمدان عليها للحصول على المساعدة مع “حماس”، حيث لا يستطيع أيٌّ منهما تحمّل استعداء الدولة الخليجية. تُعتَبَرُ قطر حليفًا قيِّمًا للولايات المتحدة في منطقةٍ ذات أهمية جيوسياسية؛ فهي تستضيف الآلاف من القوات الأميركية، بما في ذلك المقر الأمامي للقيادة المركزية الأميركية، وهي موطنُ أكبر قاعدة جوية أميركية خارج الولايات المتحدة، والمعروفة باسم “قاعدة العديد”. وفي كانون الثاني (يناير) 2022، كان الشيخ تميم أول زعيم خليجي يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أشاد بصفقة قطر بقيمة 20 مليار دولار مع شركة بوينغ -وهي واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ الشركة- ثم أعلن قطر “حليفًا رئيسًا من خارج الناتو”. علاوة على ذلك، تمتلك قطر أكثر من 26 مليار دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية النشطة للولايات المتحدة، ما يجعلها ثالث أكبر مُشتَرٍ للمعدات العسكرية الأميركية. وفي الأسابيع الأخيرة، توصلت واشنطن إلى اتفاقٍ مع الدوحة لتوسيع وجودها في “قاعدة العديد”، ما يُسلّطُ الضوء على اعتماد الولايات المتحدة العسكري على الإمارة.

يبدو أن واشنطن وإسرائيل قد تُوَضِّحان لاحقًا أنهما لن تتسامحا مع الدعم القطري لحركة “حماس” للمضي قُدُمًا. ويتوقع الخبراء أن  تضغط واشنطن على قطر ليس فقط لطرد قيادة “حماس” من أراضيها، بل أيضًا لتوجيه أي مساعدة مستقبلية للفلسطينيين -التمويل اللازم للمساعدات الإنسانية وجهود إعادة إعمار غزة- من خلال سلطة فلسطينية يتم تجديدها وتنشيطها. ولكن في هذه الأثناء، يبدو أنَّ واشنطن وإسرائيل تلعبان لعبة قصيرة الأمد: فهما بحاجة إلى قيام قطر بالضغط على “حماس” لحملها على الانضمام إلى صفقة رهائن أخرى، وسوف ترفض “حماس” القيام بذلك إذا اعتقدت أن قطر سوف تطردها من أراضيها في نهاية المطاف.

ونظرًا للدور الحيوي الذي تلعبه قطر في الحوار القصير الأمد مع “حماس” ومستقبل غزة في المدى الطويل، يتعيّن على الولايات المتحدة وإسرائيل الامتناع عن انتقاد الدوحة علنًا أو اتخاذ إجراءات قوية ضدها، مثل اغتيال قادة “حماس” الذين ما زالوا في قطر. الأولوية الآن يجب أن تكون على تأمين إطلاق سراح المزيد من الرهائن. تُدرك الدوحة جيدًا مكانتها وسمعتها الدولية وقد تكون أقل استعدادًا لمساعدة الولايات المتحدة وإسرائيل إذا عارضاها علنًا. يمكن الضغط على قطر، ولكن بشكلٍ سرّي، وليس على الساحة العامة.

قطر براغماتية وانتهازية أكثر من كونها إيديولوجية. فهي تتكيَّف مع التغيّرات في بيئتها الجيوسياسية وتتكيَّف بسرعة بحثًا عن النفوذ. وعلى الرُغم من أنَّ هذه الخصائص قد لا تجعلها الحليف الأكثر موثوقية، إلّا أنها تُشكل حاليًا رصيدًا مفيدًا في جهود أميركا وإسرائيل لإطلاق سراح الرهائن من غزة. ولكن بمجرد حل قضية الرهائن وانتهاء الحرب، من المتوقع أن يربط المجتمع الدولي مشاركة قطر في غزة ما بعد الحرب بتغيير سياستها تجاه “حماس”. ونظرًا للنهج العملي الذي تتبعه البلاد في التعامل مع السياسة العالمية ورغبتها في الحفاظ على تأثيرها على القضية الفلسطينية، فمن المرجح أن تمتثل لهذه المطالب. ومع ذلك، في الوقت الحالي، تقوم واشنطن وإسرائيل بلعب لعبة قطر، والمناورة لتحقيق أهدافهما الخاصة.

  • يوئيل غوزانسكي هو خبير في شؤون الشرق الأوسط وباحث غير مُقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالانكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى