إيران تستخدم عملة البيتكوين للإلتفاف على العقوبات الأميركية؟

تفيد تقارير غربية صدرت أخيراً بأن إيران و”حزب الله” يستخدمان العملات الرقمية المُشَفّرة، وخصوصاً بيتكوين”، للتهرّب والإلتفاف على العقوبات الأميركية. فإلى أي حد تصح هذه المعلومات؟

“حزب الله”: هل يستخدم بيتكوين لتمويل أفراده وعملياته؟

بقلم أنطوان كنعان*

أحبُّ أن أُردّد دائماً أن للأرضِ ثلاثة أقطاب: الشمال والجنوب و… واشنطن. تُحافظ الولايات المتحدة على تفوّقها النقدي من خلال الدولار، بينما الأدوات القانونية مثل “فاتكا” –وهو قانون أميركي يُلزم المؤسسات المالية الأجنبية بالإبلاغ عن الأصول التي تحتفظ بها نيابة عن الأميركيين– تعمل على زيادة مركزية الدولار من خلال التأكد من مراقبة كل شيء عن كثب. بسبب هذا الإمتداد العالمي، غالباً ما تؤدي العقوبات الأميركية إلى قتل الاقتصادات الناشئة.

كيف، إذن، تمكّن النظام الحاكم في إيران من الصمود في الوقت الذي يواجه منذ فترة طويلة الولايات المتحدة ويخضع لعقوباتها القاسية، ويواصل إبراز وتوسيع نفوذه خارج حدوده من خلال تمويل مجموعات مختلفة بالوكالة؟ فهو يدعم “حزب الله” في لبنان، والمتمرّدين الحوثيين في ​​اليمن، وميليشيات مختلفة في العراق التي تأخذ الحكومة في بغداد كرهينة. إن رعاية مثل هذه المجموعات يُشكّل مسعاً مُكلفاً يتطلّب مالاً وفيراً، حتى بالنسبة إلى الدول المزدهرة. إيران، الدولة المحاصرة اقتصادياً، تسعى إلى تحقيق هذه المصالح بنجاح. فكيف تتخطّى العقوبات الأميركية؟

الواقع أن إيران دولة فاعلة ذكية وعنيدة، قادرة على تحديد ومتابعة مصالحها بكفاءة. كما أنها تُحافظ على مصلحةٍ غير محدودة في الحفاظ على استثماراتها الأجنبية السابقة، بما في ذلك “حزب الله” و”الحوثيين”، إلى أجل غير مُسمّى وبأي وسيلة ضرورية. مثل أي دولة عند مواجهة صعوبات، يمكن الوثوق بأن طهران ستتبنّى الحلول والاستراتيجيات التي تُخفف من هذه الصعوبات. علاوة على ذلك، فإن مستوى سرية الدولة والمكائد التي تسود إيران يجعلان جمع الأدلّة القوية أقرب إلى المستحيل.

لكن من الممكن فهم الاستراتيجية الإيرانية للصمود والحفاظ على نفسها من خلال القليل من الحدس الرياضي/الحسابي. إذا تمكّنتُ، أنا الكاتبٌ غير المُتأثّر نسبياً، من استحضار طريقةٍ تستطيع إيران من خلالها تجاوز العقوبات الأميركية بشكل فعّال، فمن المُحتمَل أن تكون طهران، نظراً إلى الضغط الذي تواجهه، تقوم بذلك فعلياً منذ بعض الوقت وحتى أنها أصبحت جيدة في فعله.

كيف يقوم كيانٌ خاضعٌ للعقوبات بتزويد وكلائه باستمرار بدولارات أميركية جديدة؟ كيف يحافظ على سيولة من الدولار الأميركي؟ الجواب قد يفاجئ الكثيرين. إنها “بيتكوين” (Bitcoin)، العملة الرقمية المُشَفَّرة الأكثر إنتاجاً وربحية في العالم.

تساعد خصائص بيتكوين الفريدة مثل إخفاء الهوية، والأمن، وإمكانية النقل، واللامركزية في تأمين الأصول الإيرانية وحمايتها من المراقبة والتخريب الأميركيَين. وتُعتَبَر قابلية استبدال البيتكوين بدورها نعمةً كبيرة لعمليات إيران في جميع أنحاء العالم؛ يمكن بسهولة استبدال أي مبلغ من بيتكوين بالدولار (أو أي عملة أخرى) بسهولة نسبياً.

الحقيقة هي أن الإقتصاد الإيراني عانى كثيراً في السنوات الأخيرة، مما شكّل ضغطاً على الجمهورية الإسلامية لتمويل “حزب الله”. وقد أدى ذلك إلى لجوء الجماعة اللبنانية المسلحة إلى وسائل أخرى لتمويل نفسها، وهي تجارة المخدرات الدولية وغسيل الأموال.

على الرغم من إنكار “حزب الله” تورّطه في هذه الأمور والعمليات (التي يزعم أنها تتعارض مع مبادئه التي يُفترَض أنها مُتدَيِّنة)، فليس هناك مجالٌ للشك في أنه يُدير بالفعل حلقة تهريب عالمية ضخمة بمساعدة البعض في الشتات اللبناني. في الواقع، تم الإبلاغ على نطاق واسع أن إيران تُشجّع “حزب الله” على الإنخراط في هذه التجارة. بعد كل شيء، كان امتداد أنشطة “حزب الله” غير المشروعة إلى أميركا الجنوبية آلية متكاملة عزّزت طهران من خلالها تحالفها مع حكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا.

يحتفظ “حزب الله” بشبكة عالمية من النشطاء، بشكل أساس في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب جيش دائم كبير في الداخل في لبنان. كل هذا يتطلب كميات كبيرة من التدفق النقدي. للأسباب المُوَضَّحة سابقاً، تُوَفّر بيتكوين حلاً سهلاً لجميع مشاكل السيولة لديه.

تحتفظ كلٌّ من فنزويلا وإيران بقطاعات واسعة لتعدين البيتكوين، مما يُسهّل القدرة على تصنيف المعاملات بينهما بالعملة المُشَفّرة. على عكس الريال الإيراني أو البوليفار الفنزويلي، وكلاهما شهد مستويات غير مستقرة من التضخم، فإن عملة البيتكوين لها قيمة في كل مكان. علاوة على ذلك، فهي من الأصول الآمنة والمُقَدَّرة؛ يُمكن لأيّ شخصٍ يتابع أخبار العملات المُشَفَّرة أن يرى مدى سرعة ارتفاع قيمتها، ما يجعلها وسيلة تحوّط كبيرة ضد الانخفاض السريع في قيمة الريال الإيراني.

تتميّز بيتكوين أيضاً بأنها لامركزية، ولا يمكن التلاعب بها بأي طريقة مباشرة من قبل وزارة الخزانة الأميركية أو السلطات التنظيمية الأخرى. وبطبيعتها، فإن بيتكوين لا تعترف بمصطلحات “عقوبة” و”عقوبات” أو “تنظيم”.

كما أنها -وهذا أمرٌ حاسم- مجهولة الهوية. هذا يعني أنه حتى الأفراد الخاضعين للعقوبات يمكنهم المشاركة في المعاملات عبر بيتكوين لأنه لا يوجد رابطٌ بين “محفظة” العملة المُشَفَّرة (الوسائل الافتراضية لتخزين أصول العملة المشفرة) ومالكها.

إضافة إلى ذلك، يُعَدُّ إرسال مبالغ كبيرة من الأموال عبر شبكة بيتكوين أمراً سهلاً للغاية -فوريٌّ تقريباً، في الواقع- ومن نظير إلى نظير. ونظراً إلى أن شخصاً واحداً يمكنه امتلاك محافظ متعددة، يُمكن إخفاء المبلغ الحقيقي من بيتكوين الذي تملكه وتديره حكومة مثل إيران لتجنّب الشك. هذا، في حدّ ذاته، يُمكن أن يدعم عملاء إيران في الغرب. في حين أن الدولار الأميركي قد يضطر إلى المرور عبر ثلاثة بنوك قبل أن يصل أخيرًا إلى وجهته، يتم صرف البيتكوين بطريقة تشبه مُذكّرة أو صَدَقة نقدية.

حتى كمية صغيرة من البيتكوين ستكون كافية لإيران وعملائها لبدء عملياتهم، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدٍّ كبير إلى قيمتها التي ارتفعت أخيراً بسبب الاندفاع المستمر عليها من قبل المستثمرين. في الواقع، أصبحت الروابط المباشرة بين “حزب الله” وبيتكوين واضحة بالفعل لوكالات إنفاذ القانون. في الصيف الماضي، تسلمت وزارة العدل الأميركية رجلَين من قبرص – لص بيتكوين وعامل مخدرات تابعَين ل”حزب الله”.

شهدت بيتكوين بالفعل معدل اعتماد مرتفعاً بشكل ملحوظ بين الجمهور في إيران، حيث أثبت التعدين أنه مربحٌ بشكلٍ خاص بسبب دعم الكهرباء. كشفت دراسة أجريت على 1,650 إيرانياً أن البعض يكسب ما يزيد عن 3,000 دولار شهرياً من أنشطة العملات المُشَفَّرة. وقد وافقت السويد على الاستثمار في سوق الأوراق المالية الإيرانية باستخدام بيتكوين، واستثمرت روسيا في البنية التحتية لتكنولوجيا “بلوك تشين” (blockchain) الإيرانية. شهدت بيتكوين معدل اعتماد هائلاً في إيران لدرجة أنها دخلت في التشريع. أصبح قانونياً الآن استيراد البضائع إلى إيران باستخدام بيتكوين، ويتم تنظيم تعدين بيتكوين باستخدام الطاقة المدعومة بشكل صارم من قبل وزارة الطاقة الإيرانية. وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، تحاول إيران وفنزويلا إطلاق عملات رقمية خاصة بهما.

وكما قال تانفي راتنا، خبير “بلوكتشين” في مقال في مجلة “فورين بوليسي”: “لقد فهمت إيران بوضوح أن العملات المُشَفَّرة هي من بين الطرق لتحدّي وتخريب البنية المالية التي تُهيمن عليها الولايات المتحدة”.

كان النظام السياسي العالمي أحادي القطب يتأرجح  بقدر ما كان النظام الاقتصادي، حيث صارت الدول تبحث عن أي وسيلة ممكنة خارج الأنظمة القائمة والمنظمة لتأكيد هيمنتها. ستصبح عملة البيتكوين لا غنى عنها في المستقبل من خلال ضمان بنية نقدية عالمية موازية للدول والكيانات الخاصة على حد سواء. إذا لم تكن إيران و”حزب الله” يستخدمان البيتكوين بعد لتجاوز الولايات المتحدة والإلتفاف على عقوباتها، فسيكونان متأخّرين أكثر بكثير مما تشير إليه جميع الحوافز والأدلّة المتاحة. وإذا كانا يفعلان ذلك، فمن المؤكد أن آخرين سوف، أو، يحذون حذوهما.

  • أنطوان كنعان هو رئيس تحرير مدوّنة “Lebanon Law Review“.
  • هذا المقال مقتبس من دراسة بحثية مطوّلة نُشرت في الأصل على موقع: http://www.lebanonlawreview.org/bitcoin-iran/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى