
بعدما أتحفت اللبنانيين في مهرجانات بيبلوس الدولية في آب (أغسطس) الماضي، وقدّمت أمسية استثنائية لا تزال حاضرة في ذاكرة الجمهور، ها هي نجمة البوب العالمية نايكا (Naïka) تُذهل السعوديين بأداء جديد لافت، وذلك خلال مشاركتها مساء الأحد الماضي في الحفل الرسمي لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة والذي أُقيم في العاصمة الرياض.
وجاء اختيار نايكا لإحياء المناسبة الدولية في إطار رؤية المنظّمين لتقديم صورة شابة وعالمية تعكس طموح السعودية في ترسيخ مكانتها كوجهةٍ سياحية رائدة. وبفضل حضورها الآسر على المسرح، تمكّنت من خطف الأضواء في سهرةٍ حافلة جمعت شخصيات بارزة من العالمين الثقافي والديبلوماسي. وقدّمت مجموعة من أشهر أعمالها بإيقاعاتٍ نابضة وطاقة مُعدية تفاعل معها الحضور بشكل لافت، قبل أن يُختتم الحفل بعرضٍ مُبهر للألعاب النارية أضفى طابعًا احتفاليًا يليق بالمناسبة.
وُلدت نايكا في ميامي في العام 1995 لأمٍ من هايتي (من أصل لبناني) وأبٍ فرنسي مولود في مدغشقر، ونشأت متنقلةً بين قاراتٍ وثقافاتٍ متعدّدة —من جزر غوادلوب إلى فانواتو ونيروبي وباريس وجنوب أفريقيا— قبل أن تعود إلى ميامي في سن السادسة عشرة. هذا التنوّع الجغرافي والثقافي المبكر شكّل هويتها الفنية المُمَيزة التي تصفها هي بـ”موسيقى العالم” أو “World Pop“، حيث تمتزج فيها النغمات الكاريبية والأفريقية والفرنسية مع موسيقى البوب والسول والإيقاعات الأميركية الحديثة. وهي تتقن الغناء بالإنكليزية والفرنسية والكريولية الهايتية، ما يجعل صوتها جواز سفر فني يَعبُرُ الثقافات بسهولة.
بدأت نايكا مسيرتها الاحترافية مُبكِرًا بعد أن درست الأداء الموسيقي في كلية بيركلي الشهيرة في بوسطن، وشاركت خلال دراستها في جولةٍ موسيقية مع المغني العالمي مايكل بولتون، كما ظهرت في برنامج “The Voice“ على شبكة أن بي سي” (NBC). وقد لفتت الأنظار لأول مرة في العام 2016 عندما قدّمت بصوتها العميق والحيوي النسخة الخاصة من الأغنية الهايتية التراثية “(Papa Gèdè (Bel Gason“ التي حصدت أكثر من مليون مشاهدة خلال أيام قليلة، قبل أن تُطلِقَ أغنيتها الأصلية “Ride” في العام 2017، والتي حققت أكثر من خمسة ملايين استماع على منصة “سبوتيفاي”، واحتلت مواقع متقدّمة في قوائم الانتشار العالمي. منذ ذلك الحين، واصلت نايكا إطلاق أعمال ناجحة مثل “Sauce” التي ظهرت في إعلان عالمي لشركة “أبِل” (Apple) أثناء بثّ حفل توزيع جوائز ال”غرامي” (Grammy’s Awards))، فضلًا عن ألبومَيها القصيرَين: “Lost in Paradïse 1“ و(2 Lost in Paradïse) اللذين رسّخا حضورها كصوتٍ متفرّد يجمع بين السحر والجرأة والهوية المتعددة.
في السنوات الأخيرة، بدأت نايكا تمدُّ جسورًا جديدة مع الجمهور العربي، سواء من خلال مشاركتها في حفلات في القاهرة وعمّان وتونس وبيروت والرياض أو عبر تعاونها مع مغنيين من أصول عربية مثل الفلسطيني سانت ليفان (مروان عبد الحميد) الذي شاركته الغناء على مسرح كوتشيلا في العام 2024. هذا الانفتاح الفني يعكس رؤيتها العالمية للغناء بوصفه لغة مشتركة تتجاوز الحدود والسياسة والاختلافات الثقافية. لذلك تبدو زيارتاها الأخيرتان إلى لبنان والرياض امتدادًا طبيعيًا لمسيرتها، فهي فنانة تعرف كيف تخلق مساحة مشتركة بين الجمهور أينما ذهبت، وتحوّل الأغنية إلى جسر للتواصل والاحتفاء بالحياة.
وتستعدّ نايكا حاليًا لمحطتها المقبلة ضمن مهرجان “سول DXB” في دبي في 14 كانون الأول (ديسمبر)، حيث تُرتقب مشاركة جديدة تُبرِزُ هويتها الفنية المتجدّدة وحضورها الذي يجمع بين الابتكار والجرأة والإلهام.
ومع استعدادها لإطلاق ألبومها الأول الكامل في العام 2025، يبدو أن نايكا تعيش مرحلة نضوجٍ فني واضح، تُعمّق فيها هويتها العالمية وتواصل رسم مسيرتها بثقة واندفاع، مؤكدةً أن الموسيقى بالنسبة إليها ليست مجرد أداء، بل رحلة حياة تجمع بين الجذور والإنسانية والطموح.
من المتوقع أن يتضمّن حضورها في دبي أداءً استثنائيًا يدمج بين أغانيها الشهيرة وإبداعات جديدة تليق بالمناسبة الكبرى التي جاءت من أجلها، لكن ما يبدو مؤكدًا هو أنّ نايكا لن تمرّ مرور الكرام. فهي فنانة تحمل في صوتها ملامح القارات التي عبرتها، وفي حضورها طاقة تجمع الحنين والفرح والجرأة. ومع اقتراب موعد زيارتها، يبدو أنَّ الجمهور الخليجي على موعدٍ مع تجربة موسيقية تحتفي بالعالمية دون أن تفقد دفء الإنسان.
