البروفِسور بيار الخوري*
العلاقة الأميركية-الإسرائيلية تَدخُلُ طورًا جديدًا لا يتعلّقُ بتبدُّلِ الأشخاصِ بقدر ما يَعكسُ تبدُّلًا في طبيعةِ الارتباط نفسه. فبعد أن كانت العلاقة تُقَدَّمُ طوال سبعة عقود بوصفها تحالُفًا بين دولتين مُتكافِئتَين، صارت أقرب إلى علاقة وصاية بين قوةٍ عظمى وحليفٍ من دول العالم غير الغربية. الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم يَعُد يتحدّث عن إسرائيل كدولةٍ ذات سيادةٍ مُتماسِكة، بل ككيانٍ يحتاجُ إلى تدخُّله المباشر لحمايته من الانهيار السياسي والعسكري.
قبل عهد ترامب، كانت العلاقة تمرُّ عبر المؤسسات. إدارة باراك أوباما جسّدت هذا النموذج حين وقّعَت اتفاقَ الدَعم العسكري الأكبر في تاريخ البلدين بقيمة ثمانيةٍ وثلاثين مليار دولار، لكنها في الوقت نفسه مارست ضغطًا واضحًا على حكومة بنيامين نتنياهو في ملفّات الاستيطان والاتفاق النووي الإيراني. الإدارات السابقة، من بيل كلينتون إلى جورج بوش الإبن إلى جو بايدن، تمسّكت بخطابٍ مؤسّساتي يؤكّد المصالح المشتركة داخلَ منظومةٍ قيميّة غربية، لا وصاية شخصية.
مع مجيء ترامب، تغيّرَ هذا النمطُ كُلِّيًا. صار يتحدث عن نتنياهو كما يتحدّث عن زعيمٍ في دولةٍ تابعة: “دَفَعتُهُ في الاتجاهِ الصحيح”، “سأتدخّل لمساعدته قليلًا”، “إنه يُعامَلُ بظُلمٍ كبير”. هذا الخطاب أخرجَ إسرائيل من خانة الشريك المُتكافئ وأدخلها في منطقِ الحليف المُعتَمِد على إرادة الرئيس الأميركي. لم يَعُد التحالف بين دولتين، بل بين شخصَين يتبادلان الحماية السياسية مقابل الولاء.
حربُ السنتين في غزة كشفت حجمَ هذا التحوُّل. الحربُ التي امتدّت عامين كاملين بيّنت تراجُعَ قدرة إسرائيل على الحسم رُغمَ تفوُّقها العسكري والدعم الأميركي غير المحدود. واشنطن تحوّلت إلى الجهة التي تضبطُ إيقاعَ الحرب وتفرضُ التهدئة وتُحدّدُ سقفَ العمليات. إسرائيل فقدت مكانتها بوصفها “ضامنًا للاستقرار” وأصبحت في نظر الولايات المتحدة مصدرًا للفوضى يحتاجُ إلى إدارةٍ مستمرّة.
خلال هذه المرحلة، كرّس ترامب موقعه كسلطةٍ فوق الجميع. حين تصاعدت الحملة الجوية الإسرائيلية على الحوثيين في البحر الأحمر، تدخّلَ ليعرض اتفاقًا خاصًا مع الجماعة لوقف التعرُّض للملاحة مقابل ترتيبات إنسانية في اليمن، مُعتبرًا نفسه القادر الوحيد على ضبط التوازن بين حماية إسرائيل ومنع تعطيل التجارة العالمية. بعد ذلك بأسابيع، تدخّلَ لوقف الحرب التي اندلعت بين تل أبيب وطهران واستمرّت اثني عشر يومًا، مُستخدمًا قنوات اتصال أمنية سرية لفرض وقف النار. في الحالتين، لم يكن الدور الأميركي دعمًا لإسرائيل فحسب، بل وصاية فعلية على مسار النزاعات في المنطقة، تُمارَس باسم الحفاظ على النظام العالمي الذي تديره واشنطن.
انتهت الحرب، لكن نتائجها السياسية أعادت صياغة العلاقة. إسرائيل أصبحت دولة من صيغة “الأصدقاء” لأميركا عبر العالم غير الغربي في علاقتها بالولايات المتحدة، تعتمد على المظلّة الأميركية في قرارها العسكري والسياسي، وتحتاج إلى تدخل البيت الأبيض لحماية قيادتها داخليًا. واشنطن تُمسِكُ اليوم بالمفاتيح جميعها: متى تُطلِقُ الحرب ومتى تُوقفها، من يُحكَم في تل أبيب ومَن يُترَك لمصيره. في هذه المعادلة الجديدة، لم تَعُد إسرائيل القوة التي تؤثر في القرار الأميركي، بل الدولة المُطيعة وإن على مضض.
- البروفِسور بيار الخوري هو أكاديمي لبناني وكاتب في الإقتصاد السياسي. وهو عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا. يُمكن التواصل معه على بريده الإلكتروني: info@pierrekhoury.com
