لعبةُ الروليت الروسِيّة والحربُ النوويّة المُحتَمَلة

عرفان نظام الدين*

كلُّ المُؤشِّراتِ والدلائل الملموسة تُشيرُ إلى أنَّ الحربَ الروسيّة ضدّ أوكرانيا قد وصلت الى نقطة اللاعودة بعدما أُوصِدَت الأبواب أمام الحلول السلمية. كما بات واضحًا أنَّ الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين قد وصل إلى حافةِ اليأس وبدأ يضربُ خَبطَ عشواءٍ نتيجةً لفشلِ المراحل الأولى من الحرب وتراجُعِ القوات الروسية بشكلٍ مُهين من مناطق احتلتها وتَكَبّدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

ومع هذا لا يُمكِنُ التنبّؤ بنهاية الحرب والتي لن تنتهي بسهولة، لأنَّ المراحل التالية ستكون أشرس وأشدّ ضراوة ووحشية مع اقتراب فصل الشتاء وتمكّنِ “الجنرال ثلج” من إغلاق الطرق والتسبّب بتعطيل الالة الحربية، إضافةً إلى إعلان التعبئة في روسيا، والزجّ بثلاثمئة ألف جندي روسي في اتون المعارك.

ويُمكِنُ قراءة سيناريوهات المرحلة المقبلة من ملامح وجه بوتين وتصرّفاته وعصبيته بعد نكسة اندحار قواته، وانعكاس ذلك على الشعب الروسي وتزايد تحرّكات المُعارضين للحَرب، وبروز تباين بين الرئيس وجنرالات الجيش، إضافةً إلى هجرة آلاف المواطنين وبينهم مجموعات الهاربين من التجنيد.

أمّا التلويح باستخدامِ الأسلحة النووية وتكرار التهديدات بها فهو يؤكّدُ على أنَّ بوتين قد وصل إلى حافة اليأس من إمكانِ فتحِ نافذةٍ للتفاوض ومحاولة الإغراء بتنازلات وعرض صفقات، والتمهيد لذلك بتعجيلِ إجراء الاستفتاء على استقلال مناطق أوكرانية احتلتها القوات الروسية في بداية الحرب.

وفي ظلِّ أجواء التوتّر والحذر من احتمالات المرحلة المقبلة هناك سباقٌ بين التصعيد العسكري الشامل والإعلان عن تحقيق أهداف الحرب بضمّ المناطق التي جرى فيها الاستفتاء الصوري غير المُعترَف بنتائجه دوليًّا. وهذا الاحتمال مُستبعد لأنَّ بوتين فَقَدَ الأمل بحمل الغرب على القبول بالأمر الواقع، كما إنَّ تهديداته بالأسلحة النووية أخرجته من الشرعية الدولية وأبعدته من طاولة المفاوضات، ولهذا سيعمد إلى التصعيد لتحقيق مكاسب في ساحة المعارك والتقدّم على كافة المحاور وصولًا إلى العاصمة كييف لفرض الأمر الواقع.

وفيما تُحلّقُ طائرة القيامة في روسيا وطائرة القيامة الأميركية في الأجواء واللتان تحملان أزرار الأسلحة النووية، يعتقد البعض أن ذلك هو للتهويل. إلّا أنَّ البعضَ الآخر لا يستبعد هذا بسبب عناد بوتين والأهداف التي يريد الغرب تحقيقها من هذه الحرب، ويضرب هؤلاء أمثلة من التاريخ مثل ممارسات هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وإقدام الاتخاد السوفياتي على احتلال أفغانستان وجرّه إلى فخ إسقاطه كما جرى للرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلال الكويت.

وينتظر العالم اليوم بلورة المواقف ومعرفة خطوة بوتين التالية التي يتوقّف عليها ليس مصيره فحسب بل مصير روسيا والنظام العالمي الجديد.

أما الدول العربية فهي تجلس على مقاعد المُتفرِّجين كالعادة من دون ظهور ما يمكن اعتباره مؤشّرات للاستعداد لمواجهة العواصف العاتية بخطر نووي أو بدونه.

أخيرًا يبدو موقف بوتين الحالي كأنه يلجأ للمقامرة أو يُمارس لعبة التحدّي المُسمّاة “الروليت الروسية” التي يتم فيها إفراغ خزّان المسدس من الرصاصات عدا رصاصة واحدة، وعندها يضغط على الزناد إما أن ينجو أو تصيبه لتفجّر رأسه ويدفن معه أحلام القياصرة بالتوسّع والوصول الى المياه الدافئة. وقانا الله من كوارث هذه اللعبة وكل ألعاب الأمم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى