على أميركا أن تُعيد التَفكير في دفاعِها الفريد والمُتَناقِض عن يهوديّة إسرائيل

يُمكن لإسرائيل أن تُعرّف عن نفسها كما تُريد، لكن الولايات المتحدة – لا سيما في ظل إدارة بايدن التي تُعطي الأولويّة للنضال من أجل الديموقراطية – يجب ألّا تتبنّى وتُدافع عمّا يتعارض بطبيعته مع القِيَم العزيزة للديموقراطية والمساواة التي تُريد الدفاع عنها وتعزيزها.

المسيحيون الإنجيليون في أميركا: هم الذين يُشجّعون ويسوّقون ليهودية إسرائيل.

شبلي تلحمي*

مع تشكيلِ حكومةٍ إسرائيلية جديدة، يجب على إدارة بايدن إعادة التفكير في رسالتها وسردها حول إسرائيل والفلسطينيين، بخاصة في غيابِ مسارٍ واضح لإنهاء الصراع. إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة وإرسال وزير الخارجية أنتوني بلينكِن إلى الشرق الأوسط لتعزيز وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”، قدم الرئيس جو بايدن مبدأين: أن كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين “يستحقّون تدابير متساوية من الحرية والازدهار والديموقراطية”. وأن المنطقة يجب أن “تعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية مستقلة”.

اللافت هو أن المُعلّقين رأوا أن الدعوة إلى المساواة في الحقوق للفلسطينيين أمرٌ غير عادي – ولكن ليس دفاع واشنطن الفريد عن يهودية إسرائيل، والتي أصبحت طبيعة ثانية. قيلَت الأخيرة من دون أن يلاحظها أحد، كما فعلت التناقضات المُتأصّلة في الدعوة إلى الديموقراطية والمساواة من ناحية، ويهودية إسرائيل من ناحية أخرى – والتي، بحكم التعريف (والقانون)، تُوفّر حقوقاً أقل للمواطنين غير اليهود. وفي حين حوّل الأميركيون انتباههم إلى معالجة العنصرية النظامية وعدم المساواة هنا في أميركا، فإن التناقضات العميقة المُتأصّلة في سياسة واشنطن تجاه إسرائيل تقترب من الذروة.

قد يبدو للوهلة الأولى أن الموقف الأميركي من يهودية إسرائيل ليس غريباً. تُعرِّف الدول عن نفسها في كثير من الأحيان بمصطلحات قومية عرقية ودينية؛ كدولةٍ يهودية، فإن إسرائيل ليست استثناءً في هذا المنحى. هناك الجمهورية العربية السورية، التي تضم العديد من غير العرب مثل الأكراد، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الرغم من وجود العديد من الإيرانيين غير المسلمين. تاريخياً، دعمت الولايات المتحدة الأنظمة غير الديموقراطية، وحتى الديكتاتوريات المستبدّة، لأسباب تتعلق بالنفعية والمصالح، وقبلت دولاً عرقية – قومية في سياق ترتيبات حلّ النزاعات. وبقدر ما قد لا نحب الطريقة التي تُعرِّف بها الدول عن نفسها، فإننا نتّفق، على مضض، على أساس عضويتها في الأمم المتحدة ودرجة من الواقعية. ولكن لا توجد حالة باستثناء حالة إسرائيل، حيث تدعو الولايات المتحدة بشكلٍ خاص وفعّال إلى شكلٍ من أشكال الدولة العرقية- القومية التي تحطّ من قدرِ كبيرٍ من سكانها وتُطالب الآخرين بفعل الشيء نفسه.

عند التفكير في الدعم الأميركي لإسرائيل، يتحوّل التركيز عادةً إلى المساعدات العسكرية والسياسية والمالية، والتي تُعَدُّ إسرائيل أكبر متلقٍ لها منذ الحرب العالمية الثانية. لكن غالباً ما يتم تجاهل تأييد وتسويق أميركا لـ”يهودية” إسرائيل كهدف من أهداف السياسة الخارجية الأميركية. هذه الدعوة، الموجودة عبر الطيف السياسي الأميركي، شوّهت خطاب الولايات المتحدة حول إسرائيل/ فلسطين، وشجّعت، عن غير قصد، التفوّق اليهودي في إسرائيل. كما إنها كشفت حدود الحديث عن كلٍّ من الديموقراطية واليهودية. مع وجود حكومة جديدة في إسرائيل – بدون رئيس الوزراء المُعمِّر في منصبه طويلاً بنيامين نتنياهو – يجب على إدارة بايدن إعادة التفكير في رسالتها.

الدفاع عن إسرائيل على وجه التحديد كدولةٍ يهودية يتعارض بشكل مباشر وغير مباشر مع الفكرة القائلة بأن الدول يجب أن تُمثّل جميع مواطنيها وتُعاملهم على قدم المساواة، والتي هي في صميم الديموقراطية، وهي قضية جعلها بايدن مركزية لإدارته وسياستها الخارجية. أولاً، هناك قضية واضحة تتعلّق بإحساس المواطن بالانتماء إلى دولة مُحَدَّدة بمصطلحات تستبعده. والأهم من ذلك، أن هذه الصيغة تُعطي امتيازاً لليهود – حتى لغير المواطنين – على مُواطَنة غير اليهود في بعض النواحي المهمة. على سبيل المثال، اليهودي الذي هو غير مواطن، وليس له أقارب في إسرائيل، وليست له صلة مباشرة بالدولة أو بالأرض، له الحق التلقائي في التجنّس والمُواطَنة، والأصول التي تمنحها الدولة لتتماشى مع ذلك، في حين أن قريب – حتى زوجة (أو زوج) – لمواطن (أو مواطنة) غير يهودي في إسرائيل ليس له الحق عينه.

أدّى تبنّي أميركا النشط لهذه الفكرة إلى تعزيز الشعور بالاستحقاق والأحقية في إسرائيل والذي أثر في المواقف العامة وفشل في وقف الانحدار نحو التفوّق اليهودي. ويتجاوز هذا صعود الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة، المُمَثّلة الآن في الكنيست، والتي تدعو بنشاط إلى طرد الفلسطينيين – بمَن فيهم المواطنون – من إسرائيل. أنظر إلى قانون الدولة القومية لعام 2018 الذي تم تمريره خلال إدارة دونالد ترامب، من دون احتجاجٍ أميركي، والذي لا يشير إلى الديموقراطية ويُعلن أن لليهود فقط الحق في تقرير المصير في إسرائيل. وفقاً لاستطلاع رئيس أجراه مركز بيو للأبحاث في العام 2016، فإن 79٪ من اليهود الإسرائيليين يقولون إن اليهود في إسرائيل لهم امتيازات على غير اليهود، وأن 48٪ يوافقون على أنه “يجب طرد العرب أو نقلهم” من إسرائيل.

مع الاحتلال اللامتناهي للضفة الغربية وقطاع غزة، كان من المحتم أن يكون الخط الفاصل بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل وغير المواطنين غير واضح، وذلك بسبب تزايد الخوف اليهودي من فقدان الغالبية الديموغرافية في إسرائيل/ فلسطين، وكذلك بسبب الاستفزاز النشط من قبل اليمين اليهودي المتطرف. كما اتضح في الانفجار الذي أعقب محاولات إسرائيلية لطرد الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس. سرعان ما واجهت المدن الإسرائيلية المعروفة بتعايشها الودي بين العرب واليهود، مثل حيفا، مواجهات عنيفة. فجأة، ليس من الصعب تخيّل مسار التفاوت البنيوي الذي يؤدي إلى شيء أسوأ.

يُصوّر الكثير من الخطاب السياسي الأميركي يهودية إسرائيل على أنها شيءٌ مُقدّس يجب حمايته. حتى بين أولئك الذين يريدون رؤية إسرائيل تنسحب من الأراضي المحتلة، غالباً ما تكون الحجج أقل ارتباطاً بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، أو الحقوق المُتأصّلة للفلسطينيين، أو حقوق الإنسان، وأكثر ارتباطاً بالتهديد الذي تتعرّض له إسرائيل كدولة يهودية. في ظل هذه العقلية، التي أظهرها حتى بعض السياسيين التقدميين والليبراليين، فإن المواطنين غير اليهود في إسرائيل – ناهيك عن الفلسطينيين تحت الاحتلال – يُشكّلون “تهديداً ديموغرافياً” لليهود الإسرائيليين يجب استباقه أو السيطرة عليه. لقد عزّز هذا فقط – أو على الأقل فشل في إيقاف – المنحدر الزلق للخطاب الإسرائيلي الراسخ في رواية توراتية حول “أرض الميعاد”، بما في ذلك قناعات واسعة النطاق حول الامتياز اليهودي والدعم السياسي الواسع للسيادة الإسرائيلية على “كامل” القدس “الموّحَّدة” كعاصمة لإسرائيل. ولكن إذا كانت القدس، فلماذا لا الخليل أو نابلس أو بيت لحم؟ إذا كانت الأرض لليهود، فأين يترك ذلك غير اليهود؟ هذا الأساس الجوهري للشرعية مبني ضمنياً وصريحاً في إحساس معظم اليهود الإسرائيليين بالحقوق والشرعية، الأمر الذي فتح المجال لا محالة لتوسيع التفوّق اليهودي الإسرائيلي. وبدلاً من العمل لدرء هذا الاتجاه الخطير، كان لا بد أن الحماس الأميركي المتوقع لليهود الإسرائيليين يواجه نوعاً من التناقضات التي أعطت، عن غير قصد، مجالاً للمُتشدّدين اليهود المتعصبين.

دعونا نكون واضحين. العديد من الدول في الشرق الأوسط، بما فيها الدول غير الديموقراطية، التي تم قبولها الآن ككيانات ذات سيادة – الأردن وإسرائيل والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر – لم تكن موجودة على هذا النحو في أوائل القرن العشرين. من وجهة نظر دولية، فإن شرعيتها الحالية ككيانات ذات سيادة هي بشكل صارم تعود لقبولها في الأمم المتحدة، وليس سردياتها الخاصة حول إنشائها أو نشأتها. في الخطاب الأميركي، كان الخط الفاصل بين ترسيخ السياسة تجاه إسرائيل في القوانين والأعراف الدولية، وترسيخها في السرد اليهودي عن إسرائيل، غير واضح. كان هذا هو الحال قبل فترة طويلة من رئاسة ترامب، التي اعتمدت على دعم المسيحيين الإنجيليين الذين دعموا رواية دينية عن إسرائيل، وأرسلت مبعوثاً إلى إسرائيل أكد علانية تلك الرواية، وكافأت هذا الدعم الإنجيلي بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. (على الرغم من أن التأييد لإسرائيل بين الشباب الإنجيليين الأميركيين آخذ في الانخفاض، كما كتبتُ أخيراً).

يحق لكل الدولة تبنّي وسرد روايتها القومية والدينية، لكن هذه الروايات لا يمكن أن تكون أساساً للسيادة في العلاقات بين الدول – وبالتأكيد ليس للسياسة الخارجية الأميركية. كدولة ذات سيادة، يمكن لإسرائيل أن تُعرّف عن نفسها كما تُريد. لكن الولايات المتحدة – لا سيما في ظل إدارة بايدن التي تعطي الأولوية للنضال من أجل الديموقراطية – يجب ألّا تتبنّى وتُدافع عمّا يتعارض بطبيعته مع القِيَم العزيزة للديموقراطية والمساواة التي تُريد الدفاع عنها وتعزيزها. في هذا السياق، يجب أن تدافع أميركا عن الدول التي تنتمي إلى جميع مواطنيها بالتساوي، وليس تلك التي تنتمي إلى مجموعة واحدة من المواطنين على حساب الآخرين.

  • شبلي تلحمي هو زميل كبير غير مقيم في مركز سياسة الشرق الأوسط، في برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز. وهو أستاذ “أنور السادات للسلام والتنمية” في جامعة ميريلاند. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @ShibleyTelhami

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى