تونس أمام الغضب الساطع؟

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

في خِضَمِّ توقيت الحجر الصحي الشامل، إنطلقت تظاهرات ليلية، في مواقيت حظر التجوال، في عديد من المدن والقرى والأحياء، إذا لم نقل كلها، وفي تزامنٍ غريب يوحي بأنه ليس عفوياً. الظاهرة المُشتَركة بين هذه التحرّكات تتمثّل في رفعها لشعاراتٍ واحدة تشير إلى السأمِ من الوضع الراهن ومما يجري … حكومةٌ وراء أخرى، ولا من حلٍّ لمشاغل الناس، وكأن الحاكمين استمرَؤوا الجلوس في مقاعدهم الوثيرة، وأداروا ظهورهم  للأوضاع المُزرية للمواطنين، وخصوصاً الشباب، ولانعدام الآفاق، فيما احتلّت أصواتُ الجدال العقيم الأسماع من دون بصيصِ حلّ. بعضٌ من الشباب انتهز الفرصة للنهب وتحطيم الواجهات والسيارات ومظاهر ما اعتبروه ثراءً “غير مشروع”.

لنقف قليلاً أمام ما حدث، والذي ما زال يحدث، ولكن بوتيرةٍ أقل  حدّة وإصراراً:

  • تزامن التظاهرات؛
  • حصولها ليلاً وفي فترة منع التجوال؛
  • قوامها شباباً وحتى أطفالا في سنٍّ غضّة، وكأن الأمر يجري بتشجيع من الأهل؛
  • طبيعةُ الشعارات المرفوعة، والتنديد بطبقةٍ سياسية في مجموعها تبدو مرفوضة، رئاسةً وحكومة وبرلماناً، وفي المقدمة رئيسه، راشد الغنوشي، وحزب “النهضة” المُنتمي إليه.

ما يمكن أن يستخلصه المرء هو أن البلاد تمرّ بأزمةٍ مُجتمعية، غابت منها كل العلامات الدالة أو السمات الإجتماعية العادية، التي تُسيِّر كل مجتمع مُتوازن يستند إلى قواعد ثابتة، ويعتمد أُسُساً مُتّفق عليها، وهو ما غاب منذ 2011 وبخاصة 2012 في تناقض كامل مع ما درج عليه المجتمع التونسي منذ عصر التنوير التونسي مع أحمد باي في ثلاثينات القرن التاسع عشر، وما تعزّز وأخذ ركائزه مع الرئيس الحبيب بورقيبة بعد وصوله إلى الحكم في 1956. وبات ركيزة أساسية حتى جاءت الثورة وجاء معها توجّهٌ إسلاموي من طريق حزب “حركة النهضة”، واستلامها الحكم، إما مباشرة أو بالمشاركة مع قوى أخرى، حيث لم تهتم بمستقبل البلاد بقدر اهتمامها بوضع ساقها في السلطة، بقطع النظر عن المآل. وفي اهتمامٍ شديد بممالأة سلطة التوجّهات الإسلاموية، مهما كانت المآلات، حصل هذا مع يوسف الشاهد الذي وضع نفسه وحكومته تحت جناح راشد الغنوشي، في قطيعة مع الرئيس الباجي قائد السبسي، صاحب الفضل عليه، عندما لم يكن يساوي شيئاً، إلا خصلة قلة الوفاء التي هي خصلة غابت عن سلوكه، استمراراً مع هشام الشيشي، الذي جاء به رئيس الجمهورية قيس سعيد  إلى رئاسة الحكومة، فبادر، فيما بدا له استقلالاً بحكومته، إلى وضع نفسه وحكومته هو أيضاً تحت جناح “النهضة” ورئيسها، مع ما يوجب عليه الأمر من تنازلات، وفي تغييب الوفاء للأب سيزيف وفق الأسطورة اليونانية، إن ما تعرفه البلاد هو في بداية ونهاية، تناقض مجتمعي من جهة، وانفلات سلوكي، ناتجان عن فقدان البوصلة لدى شعب لم تعد الطريق أمامه واضحة المعالم ولا السمات، لا يرى في طبقته السياسية قدوة بل انتهازية مُفرطة، يذهب ضحية لها، ويظهر ذلك أكثر وضوحاً لدى جمهرة شبابية، لا يبدو أمامها أفق واضح المعالم، بل ضبابية وعتمة مظلمة.

من هنا يحق للمرء أن يتساءل : مَن المسؤول؟

هل هم المتظاهرون، وجانب منهم أطفال ومراهقون، أم طبقة حاكمة و”معارضة” تجري كلها بلا هدف أو غاية، وتترك هؤلاء الشباب والشابات للضياع، حيث لا يرون أي بصيص أمل لمستقبل واضح المعالم؟

والنتيجة كانت أن ما بين 600 و1200 صادرة ضدهم بطاقات إيداع. صحيحٌ أنهم خالفوا القانون بالخروج إلى الشارع في فترة منع التجوّل، وصحيحٌ أن البعض منهم ارتكب جرائم النهب واقتحام محلات، ولكن أيضاً ماذا لو كان من بين هؤلاء مَن هم من أبناء تلك الطبقة الحاكمة، أو أن مثل أولئك سيخرجون للهواء الطلق بضمان آبائهم ” الواصلين”؟ ويبقى للمحاكمة الباقون.

حكومةٌ تسجن مئات الشباب، لا بدّ أن تسأل نفسها، أليست هي التي في قفص الاتهام؟

حكومةٌ تسكت عمَّن يتطاول على اختصاصاتها، ويقول بأنه وحزبه يمكن أن يعاضدان الأمن في حملاته، وهو يعرف أن العنف الشرعي هو احتكار للقوات الأمنية للدولة؟

هذه بعض الأسئلة التي لا بد أن تُطرَح… وهناك غيرها الكثير؟

  • عبد اللطيف الفراتي هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي تونسي مخضرم. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى