و…عادَ العِزُّ إلى الكوفِيّة الفلسطينية

عرفان نظام الدين*

بعيدًا عن التحليلات السياسية والعسكرية للحرب الإسرائيلية على غزّة التي دخلت شهرها الرابع، يُمكِنُ رَصدُ محصلةً شاملة لحسابات الربح والخسارة مع الاعتراف بحجم الدمار الذي لحق بالقطاع وشعبه الأبي وعدد ضحايا العدوان الغاشم الذي بات يُعَدُّ بعشرات الالاف من الشهداء والجرحى وجلّهم من المدنيين العُزَّل ومن الأطفال والنساء.
هذه المحصلة تُسجّلُ المُتغَيِّرات التي حدثت منذ اليوم الأول حتى يومنا هذا وهي:
•  عدم قدرة إسرائيل على إعلانِ أيِّ نَصرٍ عسكريٍّ أو معنوي بعد الزعم بأنَّ الجيشَ الإسرائيلي ذاهبٌ إلى نزهة، وتَراجُعُ أهدافها المُعلَنة من احتلال غزة بالكامل والشمال تارة والجنوب تارة أخرى. كما فشلت مؤامرة تهجير السكان إلى سيناء بسبب صمود الفلسطينيين ومُعارضة مصر الحازمة ورفض المجتمع الدولي لها.
• عدم حَسمِ نتيجة الحرب أدّى إلى تدهورِ الاقتصادِ الإسرائيلي، وحدوثِ انقسامٍ داخل حكومة الحرب، وتزايد المعارضة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهجرة عشرات الالوف من الشباب الإسرائيليين.
• تقلّص حجم التأييد المُطلَق لدول الغرب وتحوّله إلى تأييدٍ شكلي ودعوة لوقفِ إطلاقِ النار أو شجب الانتهاكات للقوانين الدولية إلى أن وَصَلَ الأمرُ إلى إقدام دولة جنوب أفريقيا (وليس دولة عربية او إسلامية) على محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الدولية بتُهَم جرائم حرب وانتهاك حقوق الانسان وقتل الأطفال والمدنيين.
• ويمكن المضي في تفصيل نتائج الحرب إلّا أنَّ ما لفتني إشارات معنوية مهمة تؤكد فشل إسرائيل في القضاء على الهوية الفلسطينية وترحيل الفلسطينيين، ومنها:
•  قيام مظاهرات يومية في شتّى عواصم العالم ومدنه تضامُنًا مع أهل غزّة والمُطالَبة بوَقفِ إطلاق النار تمهيدًا لإنهاء الحرب، وبعضُ هذه المظاهرات كانت مليونية في بعض المرّات، وبكلِّ أسف نتحدّث عن العالم وليس عن العالم العربي.
•  الملفت للنظر أنَّ المظاهرات ضمّت آلاف المُتظاهرين الأجانب، ولوحِظَ أنَّ المُشاركين هم من كلِّ الأعمار ومن النساء والشباب والشابات. كما إنَّ من المُثيرِ للإعجاب الطابع الحضاري وتقيُّد المُتظاهرين بالنظام العام والأمن حيت لم يقع أيُّ حادثٍ مُخِلٍ وكانت التفافات هادئة تدعو للسلام ووقف الحرب.
• من كلِّ هذه المحصلة نصلُ إلى حقيقةٍ دامغة تُعيدُ القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام العالم وتُثبِتُ فَشَلَ كلِّ الضغوط لذبحها والقضاء عليها، وهو ما شهدناه في وقفات العز للشباب وإرادة الصمود لحمل الراية بأيدي الأطفال الذين كبروا فجأةً وصاروا رجالًا نعتزُّ بهم ونخجلُ منهم لتقصيرنا عن دعمهم ولو بلقمة عيش أو نقطة ماء.
وأختُمُ مع مشهدٍ يُضيءُ لنا طريق الأمل تمثّلَ في عودة العز للكوفية الفلسطينية التي كان يمثلها الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى جانب العلم الفلسطيني الذي رفرف عاليًا في العالم كله.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى