إلى الرئيس حسّان دياب: إنقسامُنا اليوم هو خلاصُنا

بقلم البروفسور بيار الخوري*

دولة الرئيس،

لقد أعَدتُ أدناه صياغةَ بعض فقراتٍ من خطابكم الذي ألقيتموه يوم السبت الفائت (07/03/2020) بطريقة الحذف والإضافة لتصويب المعاني، بما أعتقد، أنه لا غنى لكم عنه في لحظة الحقيقة. وأترك لِمَن أصغى واستمع إلى خطابكم أن يُقارِن ويَستَنتِج.

إنَّ الرّهان اليوم هو على قدرة اللبنانيين في خوض معركة استقلال جديدة، ولكن بمفهومٍ مُختلف، للتحرّر من الفساد الذي مارس السطو على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم.

اللبنانيون لم يستسلموا، ولم يُسَلّموا الوطن، لكنهم لم يُقاوِموا الإرتهان يوماً، ولم ينتصروا عليه.

كانت صرخة ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) 2019 مدوية في مواجهة الفساد، والهدر، وسوء الإدارة، والسياسات المالية والإقتصادية الخانقة، والأهمّ من كل ذلك ضدّ استغفالهم.

يُمكن لبلدٍ أن يَقوم اقتصاده على الإستدانة، ويُمكن لوطنٍ أن يكون حرّاً حتى لو كان غارقاً بالديون، ويتوقّف ذلك على كيفية استخدام هذه الديون وعلى كلفتها.

نحن اليوم ندفع ثمن أخطاء السنوات الماضية، وسوف نُورِثها لأولادنا وأجيالنا المقبلة طالما نحن نورّث الزعامة.

كانت موارد الدولة تُستَنزَف في ظل سياسات واعية تؤول لعدم اتخاذ إجراءات جذرية تُوقِف هذا الإنحدار الحاد في مالية الدولة.

عاش بعض اللبنانيين رفاهاً كان وهماً، وكأن الأمور على خير ما يرام، بينما كان لبنان يغرق بمزيد من الديون وفوائدها، ولم ينجُ من الوهم إلّا من أخرجوا ثرواتهم من سياسيين ومصرفيين وفئة الواحد في المئة.

لقد أدّى ذلك قبل غيره إلى مزيد من الضغوط على العملة الوطنية مما حدّ من إمكانية حصول اللبنانيين خلال هذه الفترة على ودائعهم بالعملة الأجنبية لدى المصارف.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن أكثر من 40٪ من السكان في لبنان قد يجدون أنفسهم قريباً تحت خط الفقر، علماً ان محاكاة البنك الدولي للفقر لم تتعرّض لأثر حجز الودائع في مستوى الدخل.

قبل الأسباب الثلاثة التي عرضتها للأزمة، هناك فشل النخبة السياسية الطائفية وتحوّل السياسيين الى رجال أعمال واصحاب ثروات كبرى، وهذا هو المُكمّل لتحوّل رجال الأعمال الى مُحترفي سياسة.

كيف يُمكننا أن نترك مَن سطا على ثروات اللبنانيبن يسرح ويمرح، واللبنانيون العاديون لا يُمكنهم حتى الحصول على أموالهم من حساباتهم المصرفية؟

كيف يُمكننا أن نترك مَن سطا على ثروات اللبنانيبن يسرح ويمرح ونترك المستشفيات تُعاني من نقص في المستلزمات الطبية؟ أو لا نستطيع تأمين الرعاية الصحية للناس؟

كيف يُمكننا أن نترك مَن سطا على ثروات اللبنانيبن يسرح ويمرح، وهناك أناسٌ على الطرقات ليس لديهم المال لشراء رغيف خبز؟

لبنان، بلدٌ يحترم التزاماته أولاً، وقبل كل شيء تجاه كرامة شعبه.

أكثر من ٥٠ دولة تخلّفت قبلنا عن سداد ديونها، وأكثر من ١٠٠ دولة في العالم لا تسمح لموظف عام بأن يستخدم بطاقة إئتمان العمل لشراء سندويش.

إن استعادة الأموال المنهوبة والإصلاحات الجريئة في صلب هذه الخطّة، تستغرق وقتاً وجهداً، وتحتاج حتماً إلى خيارات صعبة وجرأة سياسية إستثنائية.

إذا أردنا أن نستخلص من تاريخنا عبرة، فهي حتماً تكمن بأن عدوّنا الأول كان دائماً هو نفسه: الإصطفاف الأعمى، وغياب ثقافة الشفافية والمحاسبة، والإنقسام اليوم بين السارق والمسروق هو خلاصنا.

هذه ليست إلا البداية..!!

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي لبناني وكاتب في الإقتصاد السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى