موسم تصفية القضية الفلسطينية
بقلم عرفان نظام الدين*
يبدو ان القوى الصهونية لم تستسلم أمام فشل الجولة الأولى من محاولات إحياء “صفقة القرن” الرامية الى تصفية القضية الفلسطينية، وفرض تسوية هزيلة تتضمّن تنازلات كبرى تتعلّق بالقدس، والدولة الفلسطينية المستقلة، وحق عودة اللاجئين، والحقوق الشرعية الأساسية للشعب الفلسطيني.
فقد تعثرت الجولة الاولى من محاولة القبول بالإكراه بسبب تحفّظ الأطراف العربية ومعارضة صاحب الحق والأرض، إلّا أن عرّاب صفقة العار جاريد كوشنير، صهر الرئيس دونالد ترامب، والمُكلَّف بهذا الملف، عاد الى عادته القديمة من محاولاته اليائسة، وهو الآن يستعد لجولة في المنطقة لتحقيق أهداف خبيثة ومنها تخفيف الضغط عن الرئيس الأميركي المُعرَّض للمساءلة، وكسب ودّ اللوبي الصهيوني واسرائيل التي وعدها بتنفيذ المرحلة الثانية بعد الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال.
يُضاف الى ذلك محاولة دعم حليفه وشريكه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وجه معارضة منافسيه في الإنتخابات التي ستجري في نيسان (إبريل) المقبل.
وتاتي هذه الجولة بعد تحقيق هدف نتنياهو الحصول على دعم إعلامي من انعقاد مؤتمر وارسو الى جانب دول عربية عدة على طريق تطبيع العلاقات. ولهذا لا بدّ من إطلاق أجراس الإنذار حتى لا يُقدم العرب على تقديم تنازلات جديدة تُضاف الى تنازلاتهم المُتكرّرة المتمادية.
وفي تاريخنا العربي مسلسل كامل من التنازلات المُقدَّمة للعدو الإسرائيلي وللآخرين من دون ان نحصل على مقابل ولو ضئيل. وزاد من خطورة هذا المسلسل المأسوي ان هذه التنازلات كانت تاتي في توقيت خاطئ وبعد فوات الأوان.
لقد رفض العرب قرارات التقسيم في العام ١٩٤٨ من دون ان يُخطّطوا لدعم هذا الرفض بقوة قادرة على فرض المطالب العربية. ثم خسروا في العام ١٩٦٧ الضفة الغربية ومعها القدس الشريف بالإضافة إلى سيناء ومرتفعات الجولان، وما لبثوا أن تخلّوا عن رفضهم السابق واكتفوا بالمطالبة باستعادة الأراضي المحتلة في العام ١٩٦٧.
وكانت ورقة الإعتراف باسرائيل هي أقوى ورقة في أيدي العرب والفلسطينيين، إذ أن العالم كله كان يضغط للعب هذه الورقة لقاء إقرار سلام معقول، ولجأت اسرائيل الى كل محاولات الإبتزاز والإرهاب لانتزاع هذه الورقة التي تشبه ورقة التوت في رقصة الستربتيز “التعري “. وكان الإسرائيليون لا يتركون فرصة تفوتهم إلّا ويحاولون استغلالها للتحدث الى عربي أو حتى التقاط صور معه.
إلّاأانه بعد أن ضمنت إسرائيل ورقة الإعتراف في جيبها، لم يعد هناك من أوراق لمجابهتها سوى القوة، وفي غيابها يبقى الحجر الفلسطيني هو الأمل الوحيد. وقد يتفق الكثيرون مع هذا التبرير، ولكن الخوف من المكر الصهيوني والمناورات الإسرائيلية الرامية الى إحباط أي تحرك بعد انتزاع أكبر قدر من التنازلات تمشياً مع حكاية طريفة تُروى عن رجل حاول إغراء فتاة مشهورة بعفتها وشرفها من دون جدوى، وفي إحدى المحاولات اقترب منها وسألها: تُرى لو أعطيتك مليون دولار هل تخرجين معي؟ وعندما هزّت المسكينة براسها قبولاً، اجابها بمكر: حسناً لقد اتفقنا على المبدأ وماعلينا الآن سوى تحديد الثمن المعقول.
• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية ,المستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin