الإنتخابات الأميركية 2020: نظرة من الخليج

بقلم عبد الخالق عبد الله*

الإنتخابات الرئاسية الأميركية المُقبلة هي على رأس أولويات دول الخليج العربي. هذه ليست مفاجأة لأن هناك الكثير على المحك بالنسبة إليها. مع دخول السباق أسبوعه الحاسم الأخير، تتجه الأنظار إلى مَن سيحتل البيت الأبيض خلال السنوات الأربع المقبلة – ولدول الخليج العربي تفضيلاتها.

كانت أميركا شريكاً استراتيجياً وركيزة أساسية لأمن الخليج على مدار الخمسين سنة الفائتة، وعلى الرغم من الحكمة التقليدية الجديدة بأنها تتراجع عن منطقة الخليج وعلى نطاق أوسع من منطقة الشرق الأوسط، تظل الولايات المتحدة قوة عالمية رئيسة ستُشكل أمن الخليج لسنوات آتية. قد لا يكون نفط الخليج مصلحة حيوية كما كان في السابق، لكن دول الخليج العربي الست، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وعُمان وقطر والبحرين، إكتسبت الكثير من الثقل الاستراتيجي والمالي الخاص بها لدرجة أنها أصبحت الآن مركزية لرفاهية النظام المالي العالمي. لا تزال أميركا لا غنى عنها لأمن الخليج، لكن الخليج أصبح أيضاً شريكاً إقليمياً لا غنى عنه لمَن يُريد قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين. اليوم كلا الجانبين بحاجة إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى.

لذا، فإن مراقبة الإنتخابات الأميركية عن كثب ليست رفاهية بل ضرورة لمختلف عواصم الخليج العربي. إنها إلى حد بعيد الإنتخابات الأكثر أهمية من الناحية السياسية لهذا العام. كما أنها الأكثر إثارة وتسلية ومليئة بالدراما أيضاً. إن انتخابات 2020 هي بالتأكيد أطول انتخابات في التاريخ الأميركي وأكثرها إثارة للإنقسام، وهي في الواقع الأكثر تكلفة. من المتوقع أن يصل الإنفاق على الحملة في دورة 2020 إلى مستوى قياسي يبلغ 11 مليار دولار، مع ما يزيد قليلاً عن 5 مليارات دولار من هذا المبلغ لانتخاب الرئيس ال46 للولايات المتحدة الأميركية.

قلّة قليلة من الناس حول العالم تبقى مُستيقظة إلى وقت متأخر من الليل لمشاهدة الإنتخابات اليابانية أو الروسية أو الإيطالية أو الإسبانية أو الأوسترالية أو الكندية، والتي تبدو كلها ضيّقة الأفق بالمقارنة. إن الإنتخابات الأميركية لها تداعيات عالمية واسعة وعواقب وخيمة على منطقة الخليج العربي، بما فيها إيران، التي تتوق لرؤية الرئيس دونالد ترامب مهزوماً تماماً. وسيُعتَبَر فوز جو بايدن هدية من الله بالنسبة إلى الراديكاليين في طهران.

لا تتم مراقبة الإنتخابات الرئاسية الأميركية عن كثب من قبل الحكومات والمسؤولين الخليجيين فحسب، بل إنها تميل أيضاً لكي تكون موضوع الساعة لوسائل الإعلام الخليجية والجمهور عموماً. هناك بالفعل قدر كبير من الرهانات الصغيرة والكبيرة على النتيجة، بما فيها بعض الرهانات المرتفعة التي تصل إلى 100,000 دولار، وهذا ليس مفاجئاً لصالح ترامب، بدلاً من بايدن.

تعرف دول الخليج العربي جيداً أن هناك اختلافاً كبيراً بين ترامب وبايدن. ومع ذلك، فإن كلا المُرَشَّحَين ليسا غريبَين عن المسؤولين الخليجيين. لقد تعاملوا مع ترامب على مدى السنوات الأربع الماضية ويعرفون تقلّباته. إنهم يعرفون أنه غريب الأطوار وكان مُهيناً في بعض الأحيان أيضاً، لكنهم تعاملوا بنجاح مع تقلّباته المزاجية وإساءاته عبر تويتر وأسلوبه غير التقليدي. كما أن المسؤولين الخليجيين على دراية تامة ببايدن منذ أن كان نائباً للرئيس خلال السنوات الثماني الصعبة لرئاسة باراك أوباما.

ثلاث قواعد ذهبية

على مدار السبعين عاماً الماضية، طوّرت عواصم الخليج ثلاث قواعد ذهبية لكيفية العمل بنجاح مع أي رئيس أميركي. الأولى هي أن غالبية دول الخليج العربي تُفضّل الإستمرارية الرئاسية والسياسية على الإضطراب الذي يجلبه الرئيس الجديد. إختاروا المعلوم على المجهول. هذا يعني أنهم يفضلون ترامب، بغض النظر عن مزاجيته ومدى صعوبة التنبؤ به، على بايدن، مهما بدا لائقاً. إنهم أفضل حالاً بعد أربع سنوات أخرى من حكم الرئيس الحالي من إدارة جديدة تَعِدُ بالتراجع عن كل ما فعله سلفها.

القاعدة الذهبية الثانية التي تعلّمتها دول الخليج العربي على مرّ السنين أنها تفضل الرؤساء الجمهوريين على الرؤساء الديموقراطيين. تاريخياً، لدى الجمهوريين تقديرٌ أعمق للعلاقات الأميركية-الخليجية. إنهم يتفهّمون المخاوف الأمنية الخليجية وهم أكثر شخصية في تواصلهم مع قادة الخليج العربي. يحظى التقارب الشخصي بتقدير كبير في هذا الجزء من العالم في ما يتعلق بالعلاقات السياسية، وقد أثبت الرؤساء الجمهوريون أنهم سادة في ذلك. الإختلافات في النهج الذي اتّبعه كلٌّ من جورج دبليو بوش وباراك أوباما ليست سوى أحدث الأمثلة على ذلك. وبالتالي، على الرغم من أسلوبه الفظ إلى حد ما، فإن ترامب هو المُفَضَّل، وليس بايدن، في الإنتخابات الأميركية الحالية. لن تنسى دول الخليج العربي أبداً أن الرئيس ترامب قام بأول رحلة خارجية له إلى الرياض. ربما دفعوا ثمنها غالياً،  لكن الرحلة كانت موضع تقدير كبير وتستحق كل سنتٍ ودولار.

أخيراً، تتعلّق القاعدة الذهبية الثالثة بالوصفة السرية المُحكَمة التي طوّرتها دول الخليج العربي على مر السنين في تعاملها مع سياسة واشنطن والمؤسسة السياسية الأميركية. لقد تعاملت بنجاح مع 14 رئيساً ديموقراطياً وجمهورياً على مدار السبعين عاماً الماضية. لقد تكيّفت بشكل ملحوظ مع الرئيس الجيد والسيئ وحتى الأكثر شراً، وفي جميع الحالات، حققت أقصى استفادة ممكنة منهم. كان المفتاح دائماً يكمن في المصالح المشتركة. هناك الكثير من المصالح الملموسة التي تحكم العلاقات الخليجية-الأميركية؛ وهي كثيرة، دائمة وتنمو يومياً. لا يستطيع أي رئيس أميركي أن يتلاعب بهذه المصالح المشتركة – ولا حتى الرئيس بايدن، بغض النظر عما يقوله خلال موسم الحملة الإنتخابية. سوف يُغيّر رأيه بمجرد أن يكون في المكتب البيضاوي. بالطبع، قبل أن يهتم بإيران وسياسات الخليج العربي، سيتعيّن عليه أولاً التعامل مع القضايا الأكثر إلحاحاً في الداخل، مثل إقناع ما يقرب من 100 مليون أميركي بارتداء أقنعة في أول 100 يوم له.

لقد نجحت وصفة دول الخليج العربية التي تم اختبارها على مر الزمن بشكل جيد مع الرئيس ترامب، الرئيس المزاجي والأكثر صعوبة للتنبؤ في التاريخ الأميركي، وستكون أيضاً قادرة على استيعاب الرئيس بايدن أيضاً. في نهاية المطاف، قد لا تكون رئاسة بايدن مختلفة تماماً عن رئاسة أوباما. في الواقع، لقد أطلق عليه البعض بالفعل لقب “أوباما لايت”.

  • الدكتور عبد الخالق عبدالله هو أستاذ علوم سياسية من دولة الإمارات العربية المتحدة. الآراء الواردة في هذه المقالة هي آراؤه الخاصة وتُمثّله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى