الترابط المنسي بين المغرب العربي والساحل الإفريقي
في مواجهة التحديات الأمنية العابرة للحدود في دول الساحل الإفريقي، من شأن الأفرقاء الدوليين أن يُفيدوا من منح دول المغرب العربي دوراً في بسط الإستقرار وتحقيق التنمية.
بقلم جاك روسيلييه*
في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، ناقش مجلس الأمن الدولي طبيعة وحجم الدعم الذي تقدّمه الأمم المتحدة للقوة المشتركة الناشئة لمجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس المدعومة من فرنسا، والتي نجحت واشنطن في الحؤول دون حصولها على تمويل وتفويض من المنظمة الدولية للإضطلاع بمهمة حفظ السلام في حزيران (يونيو) الماضي. ومجدداً إمتنع مجلس الأمن الدولي عن منحها هذا التفويض، ودعا، بدلاً من ذلك، إلى تقديم مساعدات ثنائية ومتعددة الأطراف. لكن بعد سقوط ضحايا أميركيين أخيراً في النيجر، وظهور مؤشرات عن تفاقم عدم الإستقرار في الساحل الإفريقي، إحتدم السجال الدائر حول التدخل الأمني في المنطقة.
أثارت المبادرة الساعية إلى تشكيل قوة خاصة بمجموعة دول الساحل الخمس، ردود فعل متناقضة وتنافسية من المغرب إلى الجزائر، اللتين تعتبر كل منهما أن الصحراء هي إمتداد طبيعي لأراضيه. من جهته رحّب المغرب بالخطوة الفرنسية، لأنها تقوّض الآراء الجزائرية بالنسبة إلى الساحل من جملة أسباب أخرى، وعرضَ تقديم الدعم في مجالي التدريب العسكري والأمن الحدودي. أما الجزائر فقد شعرت من جهتها بأنها تعرّضت للتهميش من الفرنسيين الذين إنتقدوها لأنها لعبت على الحبلَين في علاقاتها مع المجموعات الإرهابية في الصحراء، وتغاضوا عن محاولاتها الساعية إلى أداء دور مهم في الأمن الإقليمي. إن فرنسا تنظر بعين الشك إلى الطرفَين الإقليميين، وذلك على خلفية العلاقات الجزائرية الملتبسة مع المجموعات الإرهابية في المنطقة، والروابط التي يقيمها المغرب في مجال تجارة المخدرات وطرقات الهجرة نحو الساحل وغرب إفريقيا.
وفيما تسعى فرنسا إلى إعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، فقد حذّر الرئيس إيمانويل ماكرون في تموز (يوليو) من أن بلاده ستفرض مطالب جديدة على الجزائر ودول الساحل كي تتشدّد أكثر في التعاطي مع التنظيمات الإرهابية في الصحراء والساحل، بغض النظر عن دوافعها السياسية الداخلية. غير أن الجزائر سارعت إلى الرد عبر إطلاق مبادرة جديدة في الساحل، بما فيها خطط لإعادة إحياء خليتها غير الفعالة إلى حد كبير المعنية بالتنسيق الدفاعي من أجل مكافحة الإرهاب في الساحل، والتي تتولّى إدارتها لجنة الأركان العسكرية المشتركة. يُشار إلى أن مبادرة لجنة الأركان العسكرية المشتركة التي أطلقتها الجزائر في العام 2010، ضمّت مالي وموريتانيا والنيجر، إنما من دون المغرب، ولم تتبلور على الأرض الخطة الجزائرية لإنشاء قاعدة عسكرية مشتركة تستضيف قوة مشتركة بين دول الساحل مؤلّفة من 70 ألف عنصر في الصحراء الجزائرية في ولاية تمنراست. بإمكان الرباط الآن أن تستخدم القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس المدعومة من فرنسا، ضد الجزائر التي ربما تأمل بأن تتكبّد فرنسا أكلافاً مالية وسياسية مرتفعة جراء تدخلها، ما قد يدفعها إلى الانسحاب من الساحل.
شهدت البيئة الأمنية في غرب وشمال أفريقيا تغيّراً تدريجياً نحو إزدياد النزاعات التي تشارك فيها جهات فاعلة غير حكومية. كان النزاع على الصحراء الغربية مصدر قلق أمنياً في منطقة الصحراء – الساحل بين العامَين 1975 و1990، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصدامات بين ليبيا وتشاد للسيطرة على قطاع أوزو في الصحراء الشرقية. اليوم، أتاحت حركات التمرد وتفكك الدول نمو الجهات الفاعلة غير الحكومية وإزدهارها. فقد فرض تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” سيطرته في مناطق واسعة عصيّة على الحكم، لا سيما في مالي، كما فعل تنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا وتشاد. تستغلّ هذه التنظيمات عدم الإستقرار السياسي والمظالم الإثنية المحلية، وتحصل على التمويل من الإتجار بالأسلحة والبشر والمخدرات. لقد تمكّنت المجموعات المسلّحة من التكاثر والإنتشار نظراً إلى الطبيعة الجغرافية القابلة للإختراق بين الساحل وشمال ووسط إفريقيا. هذه التنظيمات شديدة القدرة على التكيّف، ويمكنها التوزّع عبر الحدود الوطنية، وإعادة التنظّم عبر الخطوط الإثنية والإقتصادية الإجتماعية. ويتيح غياب التعاون العسكري الإقليمي الفعال لهذه التنظيمات أن تتحدّى، بطريقة غير متكافئة، القوات التابعة للدول وداعميها الدوليين في المنطقة.
في الساحل، تركّز الولايات المتحدة على إحتواء التطرف العنفي، في حين أن الإتحاد الأوروبي يعطي الأولوية لكبح تدفّق المهاجرين. لكن على الرغم من هذه المصالح الأمنية المختلفة، تقتضي التحديات المتعددة المستويات في الساحل اعتماد استراتيجية لبسط الاستقرار وتحقيق التنمية تؤدّي فيها دول المغرب العربي دوراً مهماً. لقد أُطلِقت مبادرات وخطط كثيرة لمساعدة دول الساحل في المسائل التي يضعها الأفرقاء الخارجيون في صدارة الأولويات، مثل الإرهاب، أو الجريمة العابرة للأوطان، أو الهجرة، أو التنمية – غير أن هذه الخطط لا تُشرِك بصورة ثابتة ومتماسكة الأفرقاء الإقليميين على نطاق أوسع – على غرار المغرب أو الجزائر أو نيجيريا.
لكل من المغرب والجزائر تاريخ طويل في التفاعل مع دول الساحل، بهدف التنافس على النفوذ وتعزيز سردياتهما عن الهوية الوطنية على السواء. تقتضي المقاربة العملية إشراكهما في الجهود الفرنسية والأميركية المتجدّدة من أجل تعزيز المساعدات التي تُقدَّم إلى دول الساحل بهدف بسط الأمن والاستقرار فيها. يُتوَقَّع أن تعمد القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس المدعومة من فرنسا – التي من المزمع أن تضم خمسة آلاف جندي من بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد – إلى تعزيز الحرب ضد الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان في المنطقة، وأن تكون بمثابة قوّة مكمِّلة لقوة التدخل الفرنسية المعروفة بـ”عملية برخان” والتي تعاني من ضائقة مادّية، وكذلك لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الإستقرار في مالي. بالمثل، تُقدّم الولايات المتحدة دعماً لوجستياً وإستخبارياً أساسياً لـ”عملية برخان”، وتؤمّن المساعدة في مجال التنسيق الأمني لقوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات الخاضعة للقيادة الإفريقية – والمؤلّفة من النيجر وتشاد ونيجيريا وبنين والكاميرون – التي تقاتل ضد تنظيم “بوكو حرام” في حوض بحيرة تشاد.
كان بإمكان إتحاد المغرب العربي – الذي يضم الجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب وتونس، ويُعتبَر على نطاق واسع بأنه غير فعّال – أن يؤدّي دور الوسيط في المبادرات المتعلقة بدول الساحل على غرار مبادرة تشكيل القوة المشتركة لمجموعة الدول الخمس. لكن بسبب الخلافات في الرأي بين الجزائر والرباط حول الصحراء الغربية، وما إذا كان يجب التطلع نحو الاتحاد الأوروبي (كما يفعل المغرب وتونس) أو نحو العالم العربي (كما تفعل الجزائر) في التبادل التجاري، لم ينطلق إتحاد المغرب العربي أبداً على المستوى الاقتصادي، فكم بالأحرى على المستوى السياسي. وفيما تعمّ الفوضى في ليبيا، وتمرّ تونس في مرحلة إنتقالية هشّة، وتعاني موريتانيا من نظام متزعزع، وتتنافس الجزائر والمغرب على توسيع نفوذهما ونشاطهما التجاري جنوب الصحراء، قد لا يكون اتحاد المغرب العربي جاهزاً للتعاون الكامل مع دول الساحل، على الرغم من أنه من الممكن قيام بعض التعاون ضمن قطاعات معيّنة. أو بدلاً من ذلك، قد يكون بالإمكان إقناع الجزائر بالإنضمام إلى تجمع دول الساحل والصحراء (سين – صاد)، وهو عبارة عن كتلة اقتصادية إقليمية مكلّفة أيضاً التنسيق في مجال الأمن الإقليمي، لا سيما مكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة، وتضمّ 29 دولة من غرب أفريقيا وشمالها وشرقها.
إن إقناع دول المغرب العربي، لا سيما المغرب والجزائر، بالمشاركة في الجهود الآيلة إلى تحقيق تنمية مستدامة وإستقرار دائم في دول الساحل الإفريقي لا يخدم فقط المصالح الأمنية البعيدة المدى للأفرقاء الخارجيين الأساسيين على غرار فرنسا والولايات المتحدة، بل من شأنه أن يساهم أيضاً في خفض المخاطر القصيرة المدى التي قد تترتب عن قيام الجزائر، المفسِدة المحتملة للأمور، أو المغرب، المنتفع مجاناً، بإستخدام الجهود الآيلة إلى مكافحة الإرهاب وبسط الإستقرار، لتحقيق مآربهما التنافسية في الساحل كما في المنطقة الواقعة جنوبه.
* جاك روسيلييه أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، شارك في تحرير كتاب “آفاق حول الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة”2014.
* عُرّب هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.