ماذا يعني صعود الأمير محمد بن سلمان للشرق الأوسط؟

قبل أن تشرق الشمس صباح الأربعاء الواقع في 21 حزيران (يونيو) الجاري في المملكة العربية السعودية، تم تغيير نظام الخلافة في المملكة بطريقة من المرجح أن تُشكّل قيادتها لعقود مُقبلة.
في سلسلة من المراسيم الملكية، أعفى الملك سلمان بن عبد العزيز إبن أخيه الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد وسمّى إبنه المفضل وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان وريثاً للعرش. في بداية الثلاثينات فقط من عمره، يُمكن أن يكون ولي العهد الجديد ملكاً لمدة نصف قرن.

الملك سلمان بن عبد العزيز: حقق أمنيته التي هيّأ لها طويلاً

الرياض – راغب الشيباني

كان قرار الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بإعفاء ولي العهد محمد بن نايف وتعيين إبنه المفضل، وزير الدفاع محمد بن سلمان، مكانه مُتوَقّعاً منذ فترة. وهو يثير تساؤلات عميقة حول الإستقرار المُستقبلي لأقدم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لقد غيّر الملك حتى الآن مرتين ولي عهده، وهي خطوة لم يسبق لها مثيل في المملكة. قبل عامين، أعفى سلمان أخيه غير الشقيق الأمير مُقرن من دون أي تفسير، وعيّن مكانه محمد بن نايف. ووضعت هذه الخطوة الأخيرة محمد بن سلمان، 31 عاماً، الثاني في خط العرش.
لأكثر من نصف قرن، كان خط الخلافة في المملكة ينتقل أفقياً بين أبناء مؤسس المملكة الحديثة، الملك عبد العزيز آل سعود. وقد أسفرت هذه العملية عن نتائج مستقرة ومشروعة ويمكن التنبؤ بها، لكن نهايتها كانت حتمية. من خلال إعفاء مُقرن، فقد سرّع الملك سلمان لحظة الحقيقة. فهو تخطّى الآن جيلاً في عملية الخلافة وذهب إلى أحفاد إبن سعود. وقد أعلن الديوان الملكي أن غالبية (31 من 34) من أفراد سلالة إبن سعود الأحياء (أعضاء مجلس البيعة) وافقت على التغيير.
كان التعديل الكبير مُتوَقَّعاً على نطاق واسع، على الرغم من أن توقيته لم يكن كذلك. بدأ محمد بن سلمان توطيد سيطرته على المحافظ الحكومية منذ لحظة صعوده من الإبهام والمجهول ليصبح ولياً لولي العهد في العام 2015. في ذلك الوقت، لم يكن هناك ديبلوماسي في الرياض يمكن أن يتذكر أنه صافحه أو قابله. واليوم، يسيطر على جميع مقابض السلطة السعودية، المحلية والأجنبية، سواء بشكل مباشر أو من خلال شبكة متنامية من الشباب المُعَيَّنين الذين يشاركونه الميول عينها.
“لم تكن هناك مفاجأة في هذا القرار” قال الديبلوماسي السعودي السابق عبد الله الشمري. مضيفاً: “لم يكن سراً أن محمد بن سلمان كان أقوى شخصية في السعودية في اللسنة الأخيرة”.
ويعود الفضل في صعود محمد بن سلمان إلى مستشارين ومُؤيّدين كان الأمير الشاب بأمس الحاجة إليهم للتحوّل من الجيل الأكبر سناً إلى مجموعة جديدة حريصة ومثقفة من التكنوقراط. “بعد هذه المراسيم، أصبحت السعودية الآن أكثر إستعداداً لتمثيل شبابها وتلبية إحتياجاتهم المتزايدة”، قال سلمان الأنصاري، مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة الأميركية – السعودية.
في إرساء الأساس لصعوده وبروزه خلال العامين الماضيين، فقد أثار محمد بن سلمان أيضاً توقعات لما يُمكن أن يحققه – إلى حد كبير من دون أن يكون حقق إنتصارات كبيرة حتى الآن.
محلياً، وعد بتوفير فرص عمل لشباب البلد المُتنامين (والعاطلين من العمل بشكل متزايد). من خلال “رؤية 2030” التي تعد بإصلاحات إقتصادية التي تدعو إلى خصخصة جزئية لشركة النفط الحكومية أرامكو السعودية، تعهّد بتحريك الإقتصاد بعيداً من النفط. ويمكن أن يتم ذلك مع الحفاظ على الفوائد الشعبية العزيزة مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية، كما قال. وبالتزامن مع المراسيم التي أعلنت عن تعزيز وترقية محمد بن سلمان، وعدت الدولة بدفع الفوائد بأثر رجعي التي كانت خُفِّضت في أيلول (سبتمبر) الماضي في تجربة وجيزة للتقشف. كما روّج لتغييرات ثقافية شعبية مثل السماح بإحياء الحفلات الموسيقية وغيرها من الفعاليات الترفيهية، مما أثار إنتقادات صامتة من المؤسسة الدينية القوية.
في الخارج، أثبت محمد بن سلمان أنه لا يقل طموحاً. كان من بين وظائفه الأولى منصب وزير الدفاع، وهو منصب إستُخدِم كوجه عام للتحالف الذي تقوده السعودية في الحرب في اليمن لإطاحة المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران. لقد دمّرت الضربات الجوية السعودية البنية التحتية الضعيفة في اليمن، وتركت البلاد على شفا المجاعة، حتى فيما خط الجبهة في المعركة لم يتغير وبقي جامداً إلى حد كبير.
من ناحية أخرى قاد محمد بن سلمان حملة من أجل الفوز بدعم ساكن البيت الأبيض الجديد. ويبدو أن هذا الجهد كان ناجحاً للغاية: فقد زار دونالد ترامب الرياض في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس للجمهورية، ومنذ ذلك الحين يميل بشكل واضح نحو توجه السياسة السعودية بالنسبة إلى بقية المنطقة، وعلى الأخص في عدائه لإيران.
لا شك أن محمد بن سلمان يأمل في دعم ترامب في صراع إقليمي آخر أيضاً. إن السعودية تواجه حالياً أسوأ أزمة سياسية داخلية في تاريخ مجلس التعاون الخليجي حيث إنضمت الى الامارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وقائمة متزايدة من الدول الاخرى لوقف أو خفض العلاقات الديبلوماسية مع قطر. وإتهمت الرياض وحلفاؤها الدوحة بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج وعدم إحترام القواعد الإقليمية. وقد منعت السعودية والإمارات وصول القطريين إلى مجالهما الجوي وطرقهما البرية وقطعتا المواقع الإلكترونية وقنوات التلفزيون القطرية وطردتا المواطنين القطريين.
بمعنى ما، فإن إعلان يوم الأربعاء في 21 حزيران (يونيو) الجاري يجلب بعض الوضوح لهذه الأزمة. إن قرار المملكة العربية السعودية بقطع العلاقات مع قطر يُرسل بياناً واضحاً حول ما يمكن أن تتوقعه الدوحة من الرياض في العقود المقبلة. مثل رئيس تنفيذي جديد يمشي للمرة الأولى في قاعة إجتماعات مجلس إدارة معادٍ، وضع محمد بن سلمان النبرة التي يريدها: الرياض تضع قواعد اللعبة ولن تتسامح مع كسرها.
“منذ فترة طويلة إفتُرِض أن محمد بن سلمان كان بارزاً في إتخاذ قرار الإنضمام أو بدء الحصار على قطر. لكننا الآن نعرف ذلك جلياً”، قال ديفيد روبرتس، أستاذ مساعد في كلية كينغز في لندن ومؤلف “قطر: تأمين الطموحات العالمية لدولة – مدينة”.
ومحلياً أيضاً، فإن عملية تبديل وطرد الموظفين الأخيرة تبدو أكثر منطقية في سياق إعلان يوم الأربعاء.
في نيسان (إبريل) الفائت، قاد محمد بن سلمان إعادة تنظيم الديوان الملكي، وهو بمثابة مجلس وزراء رئاسي سعودي، لإنشاء مركز للأمن القومي تحت سلطته. هذه الهيئة، التي تهدف إلى العمل كمركز لتبادل جميع المسائل المتعلقة بالأمن والدفاع، تركت كثيرين يتساءلون عن السلطة التي تركها لولي العهد آنذاك محمد بن نايف الذي كان وزيراً للداخلية (وهو منصب أُعفي منه في مراسيم الأربعاء).
وقد تضاءل دور محمد بن نايف قبل أيام من إعفائه من مناصبه عندما صدرت مراسيم ملكية نقلت سلطة النيابة العامة، مثل مكتب النائب العام، من مقرها التاريخي في مكتب ولي العهد إلى سلطة مستقلة إسمياً تتبع الملك.
بإستذكار الماضي، نرى من الواضح أن هذا الإقتطاع البطيء من سلطات محمد بن نايف كان واحداً من القرائن الرئيسية على أن عملية التبديل كانت آتية. هذا التحوّل لم يأتِ تلقائياً: كان محمد بن نايف قائداً مُحترماً، وكانت دعوته داخل العائلة المالكة راسخة – وهذا ما جعل المحللين في البداية يخلصون إلى نتيجة بأنه من غير الممكن ولن تتم إزالته من خط الخلافة. ومن أجل كسب الدعم الأسري، أمضى الملك سلمان عامين يُقدّم إبنه ويسوّقه تدريجاً قبل أن يرفعه إلى منصبه، بدلاً من مجرد تسميته خليفة له منذ البداية.
وكان الحلفاء الغربيون بدورهم أبدوا إرتياحهم أيضاً عندما سُمي محمد بن نايف أولاً على خط الخلافة بعد وقت قصير من تولي الملك سلمان السلطة في العام 2015. وبإعتباره الشريك الأمني الرئيسي للغرب في الحملة ضد تنظيم “القاعدة” بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، فإنه رجل يعرفونه جيداً ويحترمونه. وقد نجا محمد بن نايف من أربع محاولات إغتيال، واحدة منها – من قبل إنتحاري في “القاعدة” في العام 2009 – أدت إلى إصابته بجروح طفيفة.
“إنه سيُذكر لفترة طويلة بما قام به لضمان الأمن والسلام في البلاد”، قال سلطان السعد القحطاني، رئيس تحرير موقع “الرياض بوست” الإلكتروني. “ربما يكون لدى الناس مشاعر مختلطة حول تقاعده بعد ثلاثة عقود من العمل”، مضيفاً.
وقال: “كان في تواؤم تام مع محمد بن سلمان خلال العامين الماضيين، لكنه لأسباب طبية، فهو خارج المشهد الآن”. (كانت صحة بن نايف مسألة مثيرة للقلق منذ أن نجا من محاولة الإغتيال في العام 2009. وكان مكتئباً جداً أخيراً إلى حدّ أنه أمضى أكثر من شهر في الجزائر في العام الماضي، مُهملاً واجباته).
كان إعفاء محمد بن نايف من مناصبه مليئاً بالرمزية التي من شأنها أن تُسدّد ضربة إلى العديد من الذين أُعجبوا به ودعموه وإحترموه. وتعهدت المراسيم بأن قرار يوم الاربعاء (21/06/2017) لا يستبعد فروعاً أخرى من الأسرة من العرش.
وجاء هذا الإعلان في وقت كان العديد من السعوديين ينتهون من السحور، وجبة الفجر قبل الصيام، في أحد الأيام الأخيرة من شهر رمضان. في 25 حزيران (يونيو) الجاري، سيحلّ عيد الفطر، وسيكون إحتفالاً لبدايات جديدة. وبهذه الروح، بدأ محمد بن سلمان فترة ولايته بالإعلان عن أن المملكة قد أضافت أسبوعاً إضافياً إلى العطلة الرسمية.
وفيما تعهّد محمد بن نايف بالولاء لولي العهد الجديد، فإن محمد بن سلمان هو الذي إنحنى أمام إبن عمه الأكبر سناً، وقام بتقبيل يده مراراً في علامة إحترام.
وقد تكون كلمات محمد بن نايف القصيرة في هذا التبادل أفضل ملخص لما يكمن في هذا التغيير الجديد. لقد ذهب جيل من قادة الخليج الذين يبدون الإحترام للمراسم والعمر. أما الجيل الجديد فقد رفض مثل هذه المفاهيم لصالح شكل أنقى من الطموح. لذا سواء في مواجهة إيران، أو الضغط على قطر، أو قيادة التغيير الإقتصادي، لن يكون هناك تراجع.
“سأستريح الآن، ساعدكم الله وكان في عونكم”، قال محمد بن نايف لولي العهد الجديد فيما هو يقف جانباً ليتقاعد.
إن المملكة العربية السعودية ملكية وثيوقراطية مُطلقة. الملك يتمتع بكامل السلطة والسيطرة. إن إختياره إبنه المُفضّل من المرجح أن يثير غمغمات وهمسات إمتعاض وشكاوى هادئة في الأسرة المالكة والمؤسسات الدينية، ولكن ليس تحدياً. إن التكاليف الأطول أجلاً للإخلال بشرعية خط الخلافة في خضم إنخفاض أسعار النفط والتوترات الإقليمية هي أكثر إثارة للقلق. إن الأمير الشاب يستعدّ لوراثة وحكم مملكة تحت الضغط والإجهاد في الداخل والخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى