هل يُمكن للقطاعاتِ البديلة إعادة التعافي للسياحة الخليجية من كوفيد-19؟

فيما يؤمّن مشروع البحر الأحمر السياحي في المملكة العربية السعودية تمويلاً أخضر، تتطلّع منطقة الخليج إلى مبادرات في السياحة البيئية مثل التخييم الفخم الترفيهي.

كينغفيشر ريتريت” (Kingfisher Retreat) في الشارقة: أفضل ملاذ بحري فخم في الشرق الأوسط للعام 2020

عمّار الحلّاق*

مع حصولِ المشروع السياحي الرائد في المملكة العربية السعودية على البحر الأحمر على 3.8 مليارات دولار من التمويل الأخضر، يتطلع العديد من الحكومات في منطقة الخليج إلى نماذج سياحية بديلة جديدة لدفع التعافي من الجائحة، مع التركيز على الخيارات البيئية و”أماكن الإقامة”.

من أجل إعادة تنشيط صناعة السياحة وكجزءٍ من سعيها إلى تنويع الاقتصاد بعيداً من الهيدروكربونات، تقوم الرياض بتطوير العديد من مشاريع السياحة البيئية الكبرى.

في نيسان (أبريل) الفائت، أعلنت شركة البحر الأحمر للتطوير – المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة- أنها جمعت 3.8 مليارات دولار لمشروع البحر الأحمر من خلال أول تسهيل ائتماني للتمويل الأخضر مُقَوَّم بالريال السعودي.

يتم بناء المشروع على موقع مساحته 28,000 كيلومتر مربع يحتوي على 90 جزيرة. من المقرر أن يُرحب المشروع بأول زواره في العام 2022، وعندما يتم تشغيله بالكامل في العام 2030، سيضم 50 فندقاً ومرسى فاخراً ومجموعة من مرافق الترفيه والتسلية. وسيتم تشغيل شبكة النقل في كل الموقع، بما في ذلك المطار الجديد، بالطاقة المُتجدّدة.

وقد ساهمت أربعة بنوك في المملكة العربية السعودية – البنك السعودي الفرنسي، وبنك الرياض، وساب، والبنك الوطني السعودي- في تمويل إنشاء المشروع، بينما عمل مصرف “إتش أس بي سي” (HSBC) كمُنسِّق للقرض الأخضر.

السياحة البديلة آخذة في الإرتفاع

تتبنّى منطقة الخليج ككل بشكل متزايد مناهج مُبتكرة ومُستدامة للسياحة.

قال شيراغ كانابار، العضو المنتدب لشركة “باين وود بيلدنغ ماتيريال ترايدينغ”  (Pine Wood Building Materials Trading)، وهي شركة تُركّز على البناء المعياري الصديق للبيئة والمستدام: “لقد نما الطلب على السياحة المحلية الأكثر خضرة وصديقة للبيئة بشكل كبير، في كلٍّ من أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي. وهذا يتماشى مع التفضيلات المتعلقة بالوباء لزيادة المسافة والخصوصية الاجتماعية”.

على سبيل المثال، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة إرتفاعاً ملحوظاً في “التخييم الرفاهي الفخم” (glamping)، حيث يُمكن للسائحين الاستمتاع بتجربة التخييم مع الوصول إلى مرافق أكثر فخامة من تلك المتوفرة في المعسكرات التقليدية.

يعد “التخييم الرفاهي الفخم” جزءاً من تحوّلٍ أوسع نحو ما يسمى بنموذج “العطلة المحلية” (staycation). مع توقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود بسبب جائحة كوفيد-19 ، قضى العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم في العام الماضي عطلاتهم داخل وطنهم. هذا العام، على الرغم من إطلاق برامج اللقاحات وإعادة فتح الحدود تدريجاً في جميع أنحاء العالم، من المتوقع أن تتعافى السياحة الدولية ببطء، وتقود “العطلة المحلية” الطريق.

في العام 2018، توقّعت شركة أبحاث السوق “أريتزون” (Aritzon) أن تصل عائدات صناعة السيارات الفاخرة العالمية إلى ما يقرب من مليار دولار بحلول العام 2023، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6٪ خلال هذه الفترة.

الواقع أن جائحة فيروس كورونا قد ساعدت على تسريع نمو القطاع. وفقاً لتقرير نشرته “غراند فيو ريسيرتش”َ (Grand View Research) في آذار (مارس) الفائت، ستبلغ قيمة “التخييم الترفيهي الفخم” العالمية 5.4 مليارات دولار بحلول العام 2028، بناءً على معدل نمو سنوي مُركّب قدره 14.1٪ بين العامين 2021 و2028.

تتمتع دولة الإمارات بموقع جيد بشكل خاص للاستفادة من هذا الاتجاه، مع مجموعة من المناظر الطبيعية القريبة من المراكز الحضرية التي تُقدّم عوامل جذب ثقافية متنوعة.

أحد المشاريع الرئيسة هو “كينغفيشر ريتريت” (Kingfisher Retreat) في الشارقة، وهو فندق خِيامٍ فاز بجائزة 2020 لأفضل “ملاذٍ بحري فخم” (Luxury Beach Retreat) في الشرق الأوسط في حفل توزيع جوائز الفنادق العالمية الفاخرة.

“هذا دليل ملموس على أن نموذج السياحة البيئية في الإمارة، المُستند إلى الهياكل الصديقة للبيئة، يعمل، لذا تسعى الحكومة إلى توسيعه ليشمل مواقع أخرى داخل أراضيها”، قال ديفيد باتريك كورت، مستشار في “بوشتيك كريايشن” (Bushtec Creations)، وهي شركة لتصنيع الخيام الفاخرة للمنتجعات ومقدمي خدمات الفخامة.

وفي الوقت نفسه، تُركّز الخطة الحضرية الرئيسة ل”دبي 2040″ التي تم الإعلان عنها أخيراً بشكل كبير على الاستدامة.

في خطوة مهمة، أعلنت شركة “غلامبيتكت” (Glampitect) -وهي شركة استشارات بريطانية رائدة في مجال تصميم المنتجعات البيئية- في آذار (مارس) أنها ستفتح موقعاً في دبي.

في مكان آخر، في سوق السفر العربي 2021 – الذي عُقد في مركز دبي التجاري العالمي في الفترة من 16 إلى 19 أيار (مايو)- أعلنت هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة عن أكثر من 20 مبادرة لتطوير السياحة المستدامة في جميع أنحاء الإمارة. وبالإضافة إلى مواقع التخييم الفخم، ستشمل هذه فنادق بيئية وعروضاً تجريبية.

“تتفوق منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في توفير فرص السفر التجريبي، نظراً إلى تاريخها وثقافتها الغنية. قد تكون إحدى الطرق المُمكنة للمضي قدماً في المنطقة للاستفادة الكاملة من ذلك أن تقوم الدول والإمارات الفردية بالتنسيق في ما بينها في نهج مماثل لتلك التي تتبعها دول جنوب شرق آسيا، حيث يمكن لكل واحدة منها أن تتخصص في عرض القيمة المميز الخاص بها”، قال تومي لاي، الرئيس التنفيذي لشركة “فنادق جي إتش أم” (GHM Hotels) في الخليج.

ويضيف: “بالنسبة إلى المنطقة، من المهم الترويج لفكرة أن السياحة البيئية مُتعدّدة الأوجه، ولا ترتبط فقط بالغابات المطيرة والأماكن الاستوائية. يمكن تطوير الإمكانات المتعددة الأوجه للسياحة البيئية على أساس الموائل الفريدة في دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الصحاري”.

مُردداً هذه المشاعر، قال سانجيف مالهوترا، نائب الرئيس التنفيذي لشركة فنادق “شذا”: “في الإمارات العربية المتحدة، تقدم كل إمارة تجربة مميزة. ركّزت الشارقة بشكل حاسم على وضع نفسها كعاصمة للتراث والثقافة، وبناءً على هويةٍ مُرتبطة بالتعليم. كما تراهن على أصولها الطبيعية، من ساحلها الخليجي إلى مدينة خورفكان”.

الاتجاهات الجديدة في الصناعة

وأفادت هيئة رأس الخيمة لتنمية السياحة أن خطتها تعكس استراتيجية الوجهة الجديدة لإمارة رأس الخيمة، والتي تُركّز على الطبيعة والترفيه والمغامرة وإمكانية الوصول والأصالة.

تتوافق هذه النقاط على نطاق واسع مع ستة اتجاهات رئيسة حددتها “يورونيوز ترافيل” (Euronews Travel) في تقرير حديث عن مستقبل السياحة بعد العام 2020، وهي: السياحة البرية، السياحة البيئية، السياحة الجوّالة، سياحة الاستجمام، السياحة الأصيلة والسياحة الواعية.

تتوافق السياحة الجوالة، أو السفر طويل الأمد، مع النمو الكبير في الرحّالة الرقميين. ينتقل هؤلاء المسافرون لفترات أطول، وفي حين أنهم ينفقون أقل على أساسٍ يومي، فمن الممكن الحصول على قيمة كبيرة من وجودهم.

تتدافع اقتصادات ناشئة عدة لترسيخ مكانتها كمراكز للرحّالة الرقميين، لكن دبي بالفعل رائدة في هذا المجال. وقد أطلقت حكومة دبي برنامج عمل افتراضياً مُصمّماً لجذب المهنيين ورجال الأعمال والعاملين في الشركات الناشئة.

والحقيقة أنه نظراً إلى بنيتها التحتية القوية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتشغيل الصحّي، تُعَدُّ دبي خياراً جذاباً للرحّالة الرقميين، حيث يقوم المسؤولون بتسويق الإمارة كمكانٍ يُمكن للناس العيش والعمل على الشاطئ.

  • عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في أبو ظبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى