ليُغَيِّرنَ خلق الله

عبد الرازق أحمد الشاعر*

في الوقتِ الذي تعمل البشرية جاهدةً على أَنسَنَةِ الآلة، فإنها تسعى حثيثًا ودونما خجلٍ إلى حَيوَنَةِ الإنسان. لا أقصدُ هنا بالطبع أن أُعَظِّمَ من شأنِ مَخلوقٍ أو أحطَّ من قَدرِ آخر، فكل ميسر لما خلق له، لكنني أحاول قدر ما أوتيت من وعي أن أتأمل معك عزيزي القارئ كيف مارس الإنسان هذا التمرد غير المقنع على طبيعة الخلق كي يتمكن من صناعة “روبوت” يطهو الطعام ويقم المنزل ويشرح المقررات في الوقت الذي يمارس التغرير بالرجال والنساء لإقناعهم بممارسة الجنس في الشوارع والسير على أربع والعواء وهزّ الذيول؟

نعلمُ جميعًا أنَّ الآلة أقدر على إنجاز الكثير من العمليات الحسابية والمنطقية والجراحية من الإنسان بآلاف المرات. وهي لا تجوع ولا تعرى، ولا تظمأ ولا تضحى، ورُغمَ ذلك فهي قادرة على حملنا فوق الكواكب وبين المجرّات، كما إنّها تُحارِبُ نيابةً عنا، فتقتل ولا تُقتَل، وتُبيد ولا تُباد. المجد للآلة التي تغوص في أعماق البحار فلا تغرق، وتجوب الفيافي والقفار، فلا تسأم ولا تمرض. هكذا وقع الإنسان في غرام الآلة ووله بها، حتى تمنى من أعماق قلبه أن يستبدل بها الصديق والمرأة، فهي وفية لمُبَرمجها، لا تنقلب عليه ولا تحنّ لغيره. وكم كان سعادة المبرمج الأول حينما أسرّت له امرأة روبوت بحبها.

أما الإنسان، الذي فشل تمامًا في مهام الخلافة، فقد استوجب لعنة التجريد من رتبة الإنسانية والعودة إلى مصاف الحيوانات، يأكل كما تأكل، ويشرب كما تشرب، ويمارس شهواته في العراء. وقد تآمرت على الإنسان قوى الشر الكامنة فيه وفي مجتمعه وفي الكون بأسره كي تنزع عنه لباسه لتريه سوءاته، وتقنعه بأنه سليل قرود كانت تتقافز فوق الأشجار حتى عهد قريب لتشبع حاجاتها البيولوجية بدون حياء.

وقد انصاع الإنسان لمحفزات الحيونة، ووجد في الردة إلى حمأة الجسد انفلاتًا من سطوة القانون وردع الأعراف والتشريعات. فبدأ التمرّدَ على نصفه الروحي واكتفى بالبحث في خشاش الأرض عما يشبع حاجاته الدنيا كأحطِّ الديدان، ولم يجد غضاضةً في وَضعِ الطوق في رقبته وإسلاس قياده للحاكم والجلاد شريطة أن يوفّرا له ما يُشبِعُ نهمه الجسدي للطعام والشراب والمرأة. وعرف الطغاة من الرعية تلك النوازع، فاستغلّوها أبشع استغلال، واستغلتها الدول الكبرى في تسخير رعايا الدول الأقل حضارة لتنفيذ مآربها التوسّعية، فجعلت الإنسان رقيقًا يُباع ويُشترى بثمنٍ بخس. وكان لتلك الممارسات ما يبرّرها في عصور النخاسة ما قبل الثورات التي أعادت للإنسان شيئًا من حريته السليبة وكرامته المُستباحة. فلماذا يحاول المارقون اليوم الانتكاس بالإنسان وتحويله إلى حيوان بري لا يصلح إلّا للقنص أو الجنس؟ ولماذا تفرض الحكومات في الدول المتقدمة تشريعاتها العفنة التي تقتل الروح في الإنسان لتطمس وهج الحضارة التي جهد الإنسان في تحصيلها منذ سقوطه الأول فوق هذا الكوكب المقيت؟

لماذا تبيح الدول الغربية زواج المثليين وتفرضه على الشعوب الأقل حيوانية، وتحاول سنَّ تشريعاتٍ تبيح زواج المحارم ليتزوج الرجل من ابنته ويعاشر الابن والدته؟ لماذا يحاولون إطلاق العنان للغرائز الدنيا في الإنسان ليحرّروا الوحش الرابض فيه من معقله؟ لماذا هذا الانقلاب المريع والسريع على الفطرة التي خلق الله الناس عليها، ولماذا الآن؟ وهل يمكن أن تجني الأرض التي أخذت زخرفها وازينت خيرًا من تلك الردّة غير المُبرَّرة على طبيعة الخلق؟ أسئلة قد لا تحتاج إلى إجابات بقدر ما هي في حاجة إلى التأمل.

يمكننا أن نصنع سيارة تقيس لنا الضغط وضربات القلب وتختار لنا أيسر طرق السير، بل وتتعطف بالقيادة نيابة عنا إن أدركت بحدسها المصطنع أننا نشعر بالإرهاق. ويمكن للرجل أن يصنع امرأة آلية وأن يتزوجها، لكن إحساسه بالخجل من ممارساته غير الأخلاقية هذه لن يجعله يشعر بكثير من الفخر بعد أن حطم في داخله نصفًا من إنسانيته والكثير من القِيَمِ التي ميَّزته ذات يوم عن غيره من المخلوقات الأدنى حوله.

  • عبد الرازق أحمد الشاعر هو أديب، كاتب وصحافي مصري. يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني التالي: Shaer1970@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى