أَشهر شاعرات العالَم (4)

ساروجيني رفيقة غاندي في “مسيرة الملح” (1930) ووراءَهما إِنديرا غاندي

هنري زغيب*

لن يكون لأَحدٍ أَن يحدِّد هذا الكائن العجيب الذي هو الشعر.

أَقصى ما يمكن تعريفه أَنه فنٌّ جميل يتيح التعبير بالكلمات عن المشاعر. من عصرٍ إِلى عصر ومن جيلٍ إِلى جيل، يبقى هو ذاتُه جوهرًا وتعبيرًا. له قدرة عجيبة على هَزِّ عواطفنا وإِلهامنا، ووصْلِنا بالعالَم عبر القصائد في جميع الثقافات والأَزمنة.  

في الثلاث الحلقات السابقة كتبتُ عن خمسٍ من أَشهر شاعرات العالَـم انتشارًا وترجماتٍ إِلى لغاتٍ عالَمية، وتأْثيرًا في مجتمعاتهنّ.

في هذه الحلقة شاعرتان أُخْرَيَان:

كريستينا روزيتّي بريشة شقيقها دانتِه
  1. ساروجيني نايدو Sarojini Naidu

هي من أَبرز الوجوه النسائية في الهند (1879-1949). مناضلة من أَجل الحرية واستقلال بلادها، رفيقة المهاتما غاندي، شاعرة مكرَّسة كان لها تأْثير على حركة تمكين المرأَة، وإِشعاع واسع في بلادها، من خلال نشاطها السياسي وكتاباتها الأَدبية والشعرية. وكان لقصائدها أَثَر في مسيرة الهند نحو الاستقلال، بما في كتاباتها من حَضٍّ على الشجاعة والأَمل في قلوب مواطنيها.

نادت بالمساواة بين الجنسَين، وظلّت تناضل حتى أَصبحت سنة 1925 أَول امرأَة تترأَّس “حزب المؤتمر الوطني”، وتُعَيَّن حاكمةً في إِحدى ولايات الهند. تركت بصمة سياسية بليغة للنضال في سبيل نيل الحقوق وازدهار البلاد. وسمَّاها المهاتما غاندي “عندليبة الهند”.

هي ابنة آغوريناث شاتوباذِيايْ الذي كان براهمانيًّا بنغاليًّا ومدير “معهد نِظَام” في حيدرآباد. لها شقيق شاعر كذلك: يدعى هارينْدْرانات. بدأَت دروسها محليًّا، ثم انتقلَت إِلى لندن تواصل دروسها العليا في معهد لندن الملَكيّ، وفي معهد غيرتون (كمبردج). وفي لندن انخرطت فترتئذٍ (1895-1898) في حركة ثورية، عمَّت إِنكلترا، تدعو إِلى حق المرأَة في الاقتراع. بعودتها إِلى الهند (1898) تزوَّجت من غوڤينْدَرَاجُو (طبيب من جنوبي الهند كانت الْتقتْه في لندن). ولاحقًا انخرطَت معها ابنتُها پادْماجا في حركة التحرر الاستقلالية وفي مسيرتها السياسية. وكان      من مبادئها أَنَّ المسعى الوطني لا ينفصل عن حركة تحرير المرأَة من وضعها المزري ذكوريًّا. وهو ما أَدَّى لاحقًا  مع استقلال الهند (1947) إِلى صدور قانون يتيح للمرأَة الاقتراع.

كانت رفيقة غاندي في “مسيرة الملح” (1930، اعتراضًا على فرض ضريبة الملح)، وكانت قبلذاك منخرطة في العمل السياسي منذ 1921، عبر “حزب المؤْتمر الوطني الهندي”. جالت سنة 1924 على أَفريقيا الشمالية والجنوبية تشجيعًا لمواطنيها أَهل الهند، وبين 1928 و1929 سافرت إٍلى أَميركا الشمالية في جولة محاضرات توعوية عن حركة التحرر الوطني في الهند.

أَدبيًّا، كانت ناشطة في كتاباتها شعرًا ونثرًا (جميعها بالإِنكليزية) وفي خُطَبها ومحاضراتها. وهي أَسست صالونًا أَدبيًّا في بومباي استقطبَت إِليه نخبة المثقفين في الهند. من أَبرز مجموعاتها الشعرية: “العتَبة الذهبية” (1905)، و”عصفور الزمن” (1912). سنة 1914 انتُخبَت عضوًا في “الجمعية الملَكية للأَدب” (أَسَّسها الملِك جورج الرابع سنة 1820 لـ”تشجيع المواهب الأَدبية”). صدَرت مجموعاتها الشعرية الكاملة على حياتها بعنوان “الناي الملَكيّ” (1928)، وبعد غيابها صدرت بعنوان “ريشة الفجر” (1961).

كتاب عن سيرة كريستينا ومسيرتها
  1. كريستينا روزيتِّي Christina Rossetti

شاعرة إِنكليزية مكرَّسة (1830-1894) شدَّت إِليها القراء في عصرها بقصائدها العاطفية والملتزمة. قصيدتها الطويلة “عفريت السوق” حملَت لها شهرة واسعة لِما فيها من قصة ممتعة تهافَتَ عليها القراء. تميّز شعرها بموسيقاه ومنحاه اللطيف صوب قضية المرأَة وما تُواجه في مجتمعها من صراع ونضال وأَحلام، وهي مواضيع ما زالت تهمُّ حتى القراء المعاصرين.

كتبَت أَيضًا قصائد للأَطفال، وقصيدتين للميلاد ما زالتا رائجتين حتى اليوم. وهي شقيقة الرسام دانتِه غبريال روزيتِّي الذي رسَمَها في عدد من اللوحات.

شهرتها على حياتها لم تبلُغ ما كانت عليه معاصرتُها إِليزابيت براوننغ (كتبتُ عنها في الحلقة الثانية من هذه السلسلة) لكنها نالت من الشهرة كثيرًا بعد غيابها.

صحيح أَن قراءَها خفُّوا في العقود الأُولى من القرن العشرين، مع بزوغ حركة الشعر الحديث، لكنَّ نقَّادًا كثيرين ومؤَرخي أَدب، ظلُّوا يرجعون إِلى قصائدها، خصوصًا تلك التي فيها مواضيع أَقرب إِلى المبادئ الفرويدية، كالضغط النفسي والجنسي، والملامح الشخصية الخاصة في عدد من قصائدها.

برز بعض الأَكاديميين، في سبعينَات القرن الماضي، رأَوا في شعرها أَبعد من العاطفة الرومنسية عمقًا فكريًّا في بعض قصائدها، كما اعتبرتْها الشاعرات والكاتبات في إِنكلترا رمزًا ساطعًا للمرأَة العبقرية، ورائدةً فريدة بين شعراء القرن التاسع عشر. وكان بين المتأَثرين بشعرها مضمونًا وأُسلوبًا: فورد مادوكس فورد، وفرجينيا وولف، وإِليزابيت جينِنْغْزْ.

في دراسة عنها وضعها الناقد الأَدبي بازل دو سيلينكورتْ جاء: “هي شاعرةُ شاعراتنا على الإِطلاق، ولعلَّها بين أَهم 12 شاعرًا في اللغة الإِنكليزية”.

في الحلقة التالية: شاعراتٌ أُخريات.

Exit mobile version