إلى أينَ تسيرُ المفاوضات النووية الأميركية-الإيرانية؟

كابي طبراني*

أعلن وزير الخارجية العُماني، السيد بدر البوسعيدي، أنَّ الجولة الخامسة من المحادثات النووية الأميركية-الإيرانية، التي عُقدت في روما، يوم الجمعة الفائت، انتهت ب”تحقيقِ بعضِ التقدُّم، ولكن ليس بشكلٍ حاسم”.

وكتب البوسعيدي، الذي توسّطَ في المحادثات، في منشورٍ على حسابه الرسمي عبر منصة “إكس”: “نأملُ في توضيحِ القضايا المُتبقّية في الأيام المقبلة، لنتمكّنَ من المضي قُدُمًا نحو الهدفِ المشترك المتمثّل في التوصُّل إلى اتفاقٍ مُستدامٍ ومُشرّف”.

ولكن، هل هناكَ أسبابٌ تدعو إلى التفاؤل بشأنِ نتائج هذه الجولات التفاوضية؟

يرى بعضُ المراقبين أنَّ المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي قد تُعيدُ إلى الأذهان ذكريات الماضي. فبعد أسابيع من المفاوضات المضنية، والخلافات حول تخصيب اليورانيوم، وجهود إيران لفك العقوبات الأميركية طويلة الأمد، تتفاقم التكهُّنات حول إمكانية التوصُّل إلى اتفاق.

يُذكّرنا هذا الوضع بالعام 2015، العام الذي وُضِعَت فيه اللمسات الأخيرة في فيينا على خطة العمل الشاملة المشتركة – وهي اتفاقية متعددة الأطراف هدفت إلى حصر الأنشطة النووية الإيرانية في الأغراض السلمية والمدنية مقابل تخفيف العقوبات. إلّا أنَّ الشرق الأوسط قد تغيّرَ كثيرًا خلال العقد الفائت. ويُمكنُ لبعض هذه التغييرات، إذا اقترنت بتنازُلاتٍ معقولة واستراتيجية، أن تُفضي إلى اتفاقٍ جديدٍ قد يعود بالنفع على المنطقة بأسرها.

والأهم من ذلك، أنَّ شبكةَ إيران من الوكلاء المسلّحين والحلفاء في المنطقة، التي امتدت من لبنان إلى اليمن مرورًا بسوريا، قد فقدت الكثير من نفوذها. لقد استغلّت إيران جُزءًا كبيرًا من تخفيف العقوبات بعد العام 2015 لدَعمِ بعض هذه الجماعات المسلحة، مما فاقم أزماتها الاقتصادية الداخلية. وقد خفف تراجع قدرة طهران على فرض أجندتها على جيرانها الإقليميين، إلى حدٍّ ما، من نقطةِ خلافٍ أعاقت المفاوضات السابقة.

ديبلوماسيًا أيضًا، الوضع يختلف كثيرًا. في أوائل العام 2023، أدّت الوساطة الصينية إلى تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وفي نيسان (أبريل) من ذلك العام عيّنت طهران سفيرًا لدى الإمارات العربية المتحدة لأول مرة منذ العام 2016. أصبحت هذه العلاقات المُحَسَّنة أكثر أهمية بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، والذي سحب أميركا من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018. وقد أشارت زيارة ترامب الأخيرة إلى دول الخليج إلى مشاركةٍ أكبر من جانب واشنطن في الشرق الأوسط، وليس أقل – وهو تغييرٌ سيتعيّن على إيران أن تأخذه في الاعتبار.

قليلون هم من سيستفيدون من اتفاقٍ نووي جديد وتخفيف العقوبات أكثر من الشعب الإيراني. لقد أدّت سنواتٌ من سوء الإدارة الداخلية والقيود الأميركية، وخصوصًا على صادرات النفط، إلى انخفاض إيرادات الدولة وانخفاض قيمة العملة وارتفاع التضخّم، ما أدّى إلى تأجيج المشاكل الاقتصادية. كما إنَّ البُنية التحتية لإيران مُهتَرِئة بالمثل؛ في الشهر الفائت، صرّح دانيال رحمت، محلل الطاقة والجيوسياسي المُقيم في طهران “بأنَّ البُنية التحتية للسكك الحديدية في البلاد على وشك الانهيار، بينما لا يزال أسطولها الجوي المدني وسفن الشحن والموانئ البحرية وشبكة الطرق السريعة تعمل بأداءٍ ضعيف وسيِّئ”.

علاوةً على ذلك، تحتاجُ إيران إلى الكهرباء أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. فقد أدّى التوسُّعُ الحضري السريع والتنمية الصناعية إلى زيادة الطلب على إمدادات الطاقة، وكذلك أنشطة السوق السوداء مثل تعدين العملات المشفّرة غير المنظّم. ولم يُسهِم عَقدٌ من نقصِ الاستثمار في توليد الكهرباء في تحسين الوضع. ومن شأنِ برنامجٍ نوويٍّ مدني أن يُفيدَ المواطنين الإيرانيين العاديين أكثر من الإنفاق العسكري.

في ظلِّ هذه الظروف، ربما لا يكون من المستغرب وجود بعض التفاؤل الحذر بشأن فُرَصِ التوصُّل إلى اتفاق. في مقابلة حديثة مع صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، قال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جايك سوليفان -وهو شخصية رئيسة في اتفاق العام 2015- “إن إيران تُشيرُ بكلِّ الطُرُق المُمكنة إلى رغبتها في إبرام اتفاق”.

مع مراقبةٍ صارمةٍ وعمليةٍ مُوازية لتخفيفٍ تدريجي للعقوبات، يُمكنُ التوصُّلُ إلى اتفاقٍ جديد، الذي قد يُزيلُ أزمةً أخرى عالقة من المخاطر الجيوسياسية العالمية. كما سيُواصل هذا التوجُّه نحو بدايات جديدة في الشرق الأوسط، والتي شوهدت أخيرًا في دولٍ مثل لبنان وسوريا.

إذا كان ترامب مستعدًا لمواجهة المتشدّدين في حزبه الجمهوري، وكانت القيادة الإيرانية مُستعدّة لتهميش المتشدّدين لديها -بالإضافة إلى إنهاء دعمها للجماعات المسلحة، بما في ذلك “حزب الله” في لبنان وميليشيا الحوثي في ​​اليمن- فقد يكون من الممكن على الأقل إعادة إرساء تفاهُمٍ براغماتي.

Exit mobile version