ماذا تريد روسيا في الشرق الأوسط؟
يبدو أنَّ موسكو تسعى في االشرق الأوسط إلى استغلال حالة عدم الاستقرار مع تجنّب التصعيد لا سيما وأن حربها في أوكرانيا لا تسمح لها الإنخراط في أيِّ حربٍ كبرى في المنطقة.
هَنَّا نوت*
منذُ الهجومِ الذي شنّته “حماس” على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، استمتعت روسيا بمشاهدة الوضع المُتَدَهوِر في الشرق الأوسط وهو يُشغِلُ بالَ عدوّتها الرئيسة، الولايات المتحدة. لكن في 13 نيسان (أبريل)، ازداد قلقُ موسكو عندما أطلقت طهران، ردًا على الهجوم على قنصلية إيران، حليفتها المُتنامية، في دمشق، أكثر من 300 صاروخ وطائرة مُسَيَّرة على إسرائيل. وعلى الرُغمِ من أنَّ هذا الهجوم تمَّ تحييده بشكلٍ فعّال من خلال الدفاعات المُضادة للصواريخ والدعم المُنسَّق من الولايات المتحدة والشركاء العرب والغربيين، إلّا أنَّ إسرائيل ردّت بعد ستة أيام بضربةٍ على نظام الدفاع الجوي بعيد المدى من طراز “أس-300” (S-300) في أصفهان، وهي مدينة تقع في عمق إيران. وعند معايرة تصرفات الدولتين، فقد أشارت كلٌّ من إسرائيل وإيران إلى حرصهما على تجنُّب الانزلاق إلى حرب. مع ذلك، من خلال استهداف إحداها للأخرى بشكلٍ مباشر على أراضيهما، أشار الخصمان منذ فترة طويلة إلى أنَّ قواعدَ الاشتباك غير المكتوبة بينهما قد تغيَّرت، مما يجعل من الصعب على كلٍّ منهما قياس تصرّفات ونوايا الطرف الآخر والحدّ من مخاطر التصعيد. وقد أثار هذا الواقع قلقَ روسيا، التي كانت تسيرُ على خطٍّ رفيعٍ بين تقويضِ قوة ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وعدم الإفراط في الالتزام والانخراط، ولا تريد رؤية حرب أوسع في الشرق الأوسط.
بطبيعةِ الحال، فإنَّ التوتّرات المُتصاعدة بين إيران وإسرائيل يمكن أن تكونَ لها فوائد لموسكو. فمن المؤكّد أنَّ المزيدَ من التصعيدِ في الشرق الأوسط من شأنه أن يُحَوِّلَ انتباه واشنطن وإمداداتها عن أوكرانيا، حيث تشنُّ روسيا هجومها حاليًا. كانت هذه الديناميكية واضحة بالفعل في أعقاب أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) مباشرة، عندما أرسلت إدارة جو بايدن بطاريات “باتريوت” المُضادة للصواريخ إضافية إلى الشرق الأوسط، التي أُخِذَت من مخزونٍ محدود من الأنظمة التي كانت كييف تسعى إليها بشدة. وفي نيسان (أبريل)، وتحسُّبًا لضربةٍ انتقامية إيرانية ضد إسرائيل، قامت الولايات المتحدة بنقلِ المزيد من الأصول العسكرية إلى المنطقة لمساعدة الدفاع عن إسرائيل. ثم، في حزيران (يونيو)، وسطَ تصاعُدِ التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، أرسلت واشنطن سُفُنًا حربية ومشاة البحرية الأميركية إلى المنطقة. إنَّ المزيدَ من التصعيد سيتطلّبُ التزامًا بتوفير موارد إضافية من الولايات المتحدة، وهو ما لا يمكن للكرملين إلّا أن يُرَحِّبَ به. علاوةً على ذلك، من المرجح أن تؤدّي حربٌ في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيُعقّدُ جهودَ إدارة بايدن لترويض تكاليف الوقود للمستهلك الأميركي العادي قبل أشهرٍ من الانتخابات الأميركية. من المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يفرك يديه فرحًا من مأزقِ الرئيس جو بايدن.
مع ذلك، فإنَّ نشوبَ حربٍ أوسع نطاقًا في المنطقة من شأنه أن يحملَ مخاطرَ كبيرة بالنسبة إلى موسكو. إذا بدأت إسرائيل محاربة “حزب الله” أو إيران، فسيتعيَّنُ على الكرملين أن يُواجِهَ ثلاثَ نتائج خطيرة: تورُّط حليفته سوريا، وإضعاف قدرة إيران على تزويد روسيا بالأسلحة، وتعقيد علاقاتها مع دول الخليج العربية وإيران. وفي حربٍ أوسع نطاقًا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوَقَّعَ من موسكو تقديم دعم محدود لخصوم إسرائيل وإلقاء اللوم بصوت عالٍ على واشنطن في التصعيد، مع تجنُّبِ التدخُّلِ العسكري المباشر. لذلك، يتعيَّن على الولايات المتحدة استخدام الوسائل الديبلوماسية والعسكرية المتاحة لها لضمان عدم تصاعد التوترات في المنطقة.
الطريق إلى دمشق
حتى لو تجنَّبت إيران وإسرائيل المواجهة المباشرة، فإنَّ تصعيدَ الصراع الإسرائيلي الحالي مع “حزب الله” سيكونُ محفوفًا بالمخاطر بالنسبة إلى روسيا. إذا قررت إسرائيل غزو لبنان، فمن المرجح أن يؤدّي ذلك إلى دمارٍ واسع النطاق، فضلًا عن هجومٍ صاروخي من “حزب الله” يستهدف إسرائيل. ومن الممكن أن تُصبحَ سوريا، حيث تحتفظ روسيا بقاعدتين بحرية وجوية، ساحةً أخرى بسرعة لأنَّ البلاد موطنٌ للعديد من مواقع “حزب الله” وطُرُق الإمداد التي ستضربها إسرائيل. إلى جانبِ هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق، شنّت إسرائيل بالفعل ضرباتٍ على البنية التحتية السورية، بما في ذلك مستودعات الذخيرة ونقاط التفتيش والمقرات، التي تُمكِّنُ إيران من نقل الأسلحة إلى “حزب الله” وغيره من الشركاء والوكلاء. في أوائل تموز (يوليو)، أدّت غارة جوية إسرائيلية بطائرة مُسَيَّرة في سوريا إلى مقتل اثنين من مقاتلي “حزب الله”، مما دفع الجماعة إلى إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان. في الآونة الأخيرة، انتشرت تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية مفادها أنَّ إسرائيل حذّرت الرئيس السوري بشار الأسد من المشاركة في الحرب الحالية في غزة، حتى أنها هددت بتدمير نظامه إذا شُنَّ المزيد من الهجمات من بلاده.
من المُرجّح أن تتزايدَ الهجمات الإسرائيلية على سوريا بعد اندلاعٍ حربٍ شاملة مع “حزب الله”. وعلى الرُغمِ من أنَّ التأثيرَ لن يكونَ مُدَمِّرًا بقدر ما يُمكِنُ أن يتوقّعه لبنان، إلّا أنه لا يزال من الممكن أن يُثيرَ ويوتِّرَ أعصابَ روسيا. وقد تشكل أوكرانيا أولوية في السياسة الخارجية الروسية في فئة خاصة بها، ولكن سوريا تظل مهمّة في نظر الكرملين كمثالٍ للصراع الذي ظهرت فيه روسيا على القمة، بعد أن وقفت إلى جانب حليفتها. وتُمثّلُ سوريا أيضًا قيمةً استراتيجية بالنسبة إلى روسيا لأنها تعمل كمنصّةٍ لبسطِ قوة ونفوذ موسكو في شرق البحر الأبيض المتوسط من قاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم قامت روسيا بتحديثهما وتوسيعهما قبل غزو أوكرانيا. وتُعَدُّ البلاد أيضًا مركزًا لنقل الموارد العسكرية إلى ليبيا ومنطقة الساحل في إفريقيا، حيث يتوسّعُ الوجود الروسي.
هناكَ العديدُ من الأهداف السورية المُحتَمَلة. إنَّ مطارَي حلب ودمشق يقعان بالفعل في مرمى إسرائيل. لكن في حالةِ نشوبِ حربٍ إسرائيلية مع “حزب الله”، فإن قاعدة حميميم الجوية التي تُديرها روسيا في غرب سوريا، والتي يمكن استخدامها كنقطةِ عبورٍ للأسلحة الإيرانية، يمكن أن تُصبِحَ هدفًا أيضًا. ومن المُحتَمَلِ أن تُنبِّهَ إسرائيل موسكو قبلَ أيِّ ضربات من هذا القبيل لأنَّ إيذاءَ أفرادٍ روس قد يؤدي إلى تصعيدِ الصراع.
مع ذلك، قد تشهدُ روسيا تضرُّرَ بعضِ أصولها. وربما كان القرارُ الذي اتَّخذتهُ موسكو في كانون الثاني (يناير) بتكثيف دورياتها الجوية على طولِ خطِّ فضِّ الاشتباك بين سوريا ومرتفعات الجولان بمثابةِ تحذيرٍ لكلٍّ من إيران وإسرائيل من السماح لسوريا بالانجرار إلى دوّامةٍ إقليمية. وفي حالة تزايد الهجمات الإسرائيلية على سوريا، فمن المحتمل أن تقومَ موسكو بالتشويش الإلكتروني من حميميم لتعطيل العمليات الإسرائيلية والسماح للسوريين باستخدامِ أنظمة الدفاع الجوي الروسية للاشتباك مع الطائرات المقاتلة الإسرائيلية. ومن المرجح أن ترغبَ موسكو في تجنُّبِ خَلقِ الانطباع بأنَّ قواتها تقاتل إسرائيل بشكلٍ مباشر، إلّا إذا اعتقدت أنَّ وجودَها في سوريا مُهَدَّدٌ بشكلٍ أساسي.
تآكُل المخزونات
إذا انفجرَ الشرق الأوسط، فقد تنجرُّ إيران أيضًا إلى الصراع. قبل توجيهِ ضربةٍ انتقاميةٍ ضدّ إيران في 19 نيسان (أبريل)، أفادت تقاريرٌ أنَّ مجلسَ الوزراء الحربي الإسرائيلي بحثَ خياراتٍ عدة، بما في ذلك ضرب مُنشآتٍ استراتيجية بما فيها قواعد الحرس الثوري أو منشآت الأبحاث النووية. بدلًا من ذلك، استقرّت إسرائيل على ردٍّ مُعتدل. ومن المؤكد أنَّ قادتها سيكونون أقلّ تحفُّظًا في حالةِ حدوثِ المزيد من التصعيد، وهم لديهم القدرة على إلحاقِ أضرارٍ جسيمة بإيران. وقد ظهر ذلك عندما استهدفت إسرائيل المنشأة في أصفهان، مما كشف عن قوة الأصول الاستخباراتية الإسرائيلية وقدرتها على العمل على الأراضي الإيرانية. ليس هناكَ شكٌّ في أنَّ الهجمات المستقبلية يمكن أن تكون مُعوِّقة.
من المُمكِنِ أن تستهدفَ الضربات الإسرائيلية مُنشآت الإنتاج الإيرانية للطائرات المُسَيَّرة في منطقتَي طهران وأصفهان، أو الصواريخ الباليستية في طهران وخوجير وشاهرود، أو الذخيرة في بارشين وأصفهان. كما يُمكِنُ أن تتعرَّضَ للهجومِ أيضًا المُنشَآت التي تُنتِجُ مكوّناتٍ حيوية لإنتاج الأسلحة، مثل محرّكات الطائرات المُسَيَّرة في طهران وقُمّ ومحرّكات الصواريخ الباليستية الصلبة في خوجير وشاهرود. وعلى الرُغمِ من أنَّ مثل هذه المرافق منتشرة في جميع أنحاء البلاد، إلّا أّنَّ الضربات واسعة النطاق يمكن أن تؤثر، على الأقل على المدى القصير، في عمليات نقل الأسلحة الإيرانية إلى روسيا في هذه الفئات.
واعتمادًا على ما تُقرّرهُ إسرائيل -أو الولايات المتحدة، إذا اختارت الانضمام- للهجوم في موقفٍ مُتصاعِد، فإنَّ صناعةَ الدفاع الإيرانية يمكن أن تتعرّضَ لضغوطٍ خطيرة. وستكون لهذا الأمر عواقب على روسيا، التي اعتمدت على إيران في الحصول على الطائرات المُسَيَّرة وغيرها من الأسلحة لتأجيج حربها في أوكرانيا. في الواقع، منذ غزو أوكرانيا في العام 2022، قامت موسكو وطهران بتوسيع تعاونهما العسكري التقني بشكلٍ كبير، حيث تلقت روسيا أنواعًا مختلفة من الطائرات المُسيّرة المقاتلة الإيرانية، وقذائف المدفعية، وذخائر الأسلحة الصغيرة، والقنابل المنزلقة. واعترافًا بهذا الاعتماد، بدأت روسيا الإنتاج المحلي لطائرات “شاهد” الإيرانية المُسيَّرة وحصلت على إمداداتٍ عسكرية إضافية من كوريا الشمالية. وعلى الرُغم من أنَّ هذه التغييرات ربما قلّلت من اعتماد روسيا على نقل أنظمة الأسلحة الإيرانية إلى حدٍّ ما، فمن المؤكد أنَّ موسكو لا ترغب في رؤية الصناعة الدفاعية لشريكتها تنهار. وطالما أنها تقاتل أوكرانيا، سوف ترغب روسيا في ضمان قدرة طهران على المساعدة في تجديد مخزونها، وفي الوقت نفسه الدخول في شراكة مع موسكو في تطوير أنواع جديدة من الطائرات المُسيَّرة.
إنَّ دخولَ إيران في الحرب من شأنه أن يُسبّبَ مشاكلَ أخرى لموسكو. إذا اختارت إسرائيل مهاجمة إيران، فستحتاجُ طهران إلى حشدِ كل قدراتها العسكرية للرد. ونظرًا لافتقارها إلى قوة جوية أو دفاعات جوية فعّالة، سيتعيّنُ على إيران الاعتماد على أسطولها من الصواريخ والطائرات المُسيَّرة، مما سيَحُدُّ بشدة من قدرتها على تسليمِ ما تريده روسيا. وحتى لو اقتصر التصعيد في الشرق الأوسط على القتال العنيف بين إسرائيل ووكلاء إيران، فسوف تحتاج طهران إلى تجديد ترسانات شركائها، مما يمنحها مرة أخرى مجالًا أقل لدعم موسكو.
كما يُمكِنُ أن تُشَكّلَ الحملة التي تقودها إسرائيل ضد إيران مخاطر على سمعة روسيا. مع وَضعِ الحرب في أوكرانيا على رأس أولوياتها، فإنَّ موسكو ليست لديها القدرة ولا الرغبة في تقديم المساعدة لإيران في حالة نشوبِ صراعٍ عسكري خطير. في الواقع، أرادت روسيا دائمًا تجنُّب الدخول في حرب مع إسرائيل، ناهيك عن القوات الأميركية، في الشرق الأوسط. وإذا تصاعدت التوترات، فإنَّ روسيا لن تظهرَ كفارسٍ ذي درعٍ لامع لإيران. لكنها سوف تتحدّث بصوتٍ عالٍ عن العدوان الأميركي، وربما تزيد من دعمها العسكري لإيران في أعقاب الهجوم، لكنها ستتجنّب التورُّط المباشر. وقد يؤدي هذا التقاعس عن التحرك إلى إضعاف سمعة روسيا في المنطقة وخارجها. وفي المدى المتوسط، قد تدفع الحرب الإيرانية-الإسرائيلية طهران، بمجرّد تعافيها، إلى الحصول على سلاحٍ نووي – وهي النتيجة التي لن ترغب روسيا في رؤيتها، بسبب المخاطر المُرتَبطة بمثل هذا التطوُّر.
السير على الخطً
قد يؤدّي التصعيدُ الإقليمي أيضًا إلى تعقيدِ علاقات روسيا مع إيران ودول الخليج العربية. في السنوات الأخيرة، سعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى التقارُب مع إيران، على اعتبارِ أنَّ الحوارَ المُباشر والعلاقات الاقتصادية هي أفضل وسيلة للحفاظ على الاستقرار الإقليمي. وعلى الرُغمِ من أنَّ هذا التقارب تمَّ تنظيمه بدون مساهمةٍ روسية، إلّا أنه أفادَ موسكو. فقد سهّل على الكرملين التحالف الوثيق مع إيران وشركائها ووكلائها، الذين يشكلون القوى الرئيسة المناهضة للغرب في المنطقة، مع الحفاظ على علاقاته مع الدول العربية. وفي الوقت نفسه، أعطى التنسيق مع دول الخليج في “أوبك +” روسيا نفوذًا على سوق النفط، وبرزت الإمارات العربية المتحدة كقناةٍ حاسمةٍ لجهود روسيا للتهرُّبِ من العقوبات المفروضة عليها ردًّا على غزوها لأوكرانيا.
ساعدت علاقات روسيا مع دول الخليج العربية وإيران موسكو على تبريرِ توسيع عضوية مجموعة ال”بريكس”، وهي كتلة أسستها البرازيل وروسيا والهند والصين في العام 2009 وانضمت إليها جنوب أفريقيا في العام التالي. وفي العام 2023، تم توسيع المجموعة لتشمل إيران والإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر وإثيوبيا، مما عزَّزَ جهود الكرملين لتجميعِ تحالُفٍ متزايد من القوى غير الغربية. ومن الأسهل كثيرًا بالنسبة إلى روسيا أن تُحافِظَ على هذه العلاقات عندما يكون الخليج العربي مُتناغمًا، بدلًا من الانخراط في لعبة محصلتها صفر حيث يؤدي تعاملها مع أحد طرفي الصراع إلى إثارة غضب الطرف الآخر. لا عجب إذن أن يشعرَ الديبلوماسيون الروس بالسعادة عندما وَعدَ ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في أيار (مايو) خلال زيارةٍ لموسكو بأن بلاده، وهي دولة خليجية عربية صديقة للغرب منذ فترة طويلة، سوف تقوم بتطبيع العلاقات مع إيران.
وقد يؤدي التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران إلى تعقيد خطط روسيا. وعلى الرُغم من أنَّ دولًا عربية عدة ساعدت إسرائيل على صَدِّ الهجوم الجوي الإيراني في 13 نيسان (أبريل)، إلّا أنها قلّلت من دورها وأبدت اهتمامًا واضحًا بمواصلة تقاربها مع إيران. وهي تُعارضُ أيَّ أعمالٍ هجومية إسرائيلية أخرى ضد إيران أو وكلائها، خوفًا من أن تؤدّي الحرب الإقليمية إلى تعريضِ أجنداتها الاقتصادية للخطر وزيادة غضب شعوبها التي ندّدت بالدمار في غزة. ولكن بقدر ما لا ترغب دول الخليج العربية في رؤية انهيار الوفاق مع إيران، فإنَّ التصعيدَ بين إسرائيل وإيران أو وكلائها يمكن أن يؤدّي إلى ضرباتٍ وغاراتٍ على أراضيها. قد تشملُ الأهداف المنشآت العسكرية الأميركية أو الأصول الاستراتيجية مثل المنشآت النفطية، التي استهدفها الحوثيون سابقًا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبغض النظر عمَّن أطلق الطلقة الأولى، فمن المرجح أن تلومَ دول الخليج العربية حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أيِّ تصعيد. إن التآكلَ في العلاقات الناتج أخيرًا للتقارب الأخير بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وحكومات الخليج الأخرى من شأنه أن يُرضي الكرملين، الذي يَنظُرُ بقلقٍ إلى تشكيل كتلة مناهضة لإيران تُوَحِّدُ إسرائيل ودول الخليج العربية تحت رعاية الولايات المتحدة. مع ذلك، فإنَّ التصعيدَ الإقليمي يحمل مخاطر على الانفراج العربي-الإيراني أيضًا، وبالتالي على روسيا.
مشكلة
في نيسان (أبريل)، بدا أنَّ إيران وإسرائيل تتجهان نحو حافةِ الهاوية، لكنهما تمكّنتا بعد ذلك من ضبط النفس. وإذا ذهبتا إلى أبعد من ذلك في المرة المقبلة –أو إذا قررت إسرائيل أنَّ الوقتَ قد حان لمواجهة “حزب الله”– فإنَّ التصعيدَ الذي سيَعقُبُ ذلك سيُهدّدُ جميع الأطراف، بما في ذلك موسكو، التي ستضطرُّ إلى اتخاذِ قرارٍ بشأنِ الرد أو البقاء على الهامش. مع ذلك، فإنَّ قدرةَ روسيا على تشكيلِ النتائج ستكون محدودة بالنسبة إلى قدرة الولايات المتحدة في هذا المجال. وذلك لأن القدرات العسكرية الروسية قد استُنفِدت بالفعل، كما إنَّ نفوذَها على المتحاربين لا يكادُ يُذكَر. وعندما يحين وقت الجد، فمن المرجح أن تدعمَ روسيا إيران أو “حزب الله” من خلال الحرب الإلكترونية أو من طريق نقل الأسلحة إلى شركائها التي لا تحتاج إليها في حملة أوكرانيا. ومن غير المرجح أن تشارك موسكو عسكريًا بشكلٍ مباشر. ولا شك أنها ستلوم واشنطن على أيِّ تصعيد. ولكن في ضوء ما ستخسره روسيا في سوريا وإيران وأماكن أخرى في المنطقة، فليس من المضمون أن تخرج موسكو منتصرة من مثل هذه الحرب. إذا انفجر الشرق الأوسط، فسوف يلحق ذلك الضرر بأعداء روسيا، ولكنه سيضرُّ روسيا أيضًا.
ولأنَّ الأولوية القصوى بالنسبة إلى روسيا تتلخّص في مواجهتها العالمية مع الولايات المتحدة بشأنِ أوكرانيا، فلا ينبغي لبوتين أن تكونَ لديه أي مصلحة في الانجرار إلى حربٍ شاملة في الشرق الأوسط لا يستطيع السيطرة عليها. إنَّ التوترات في المنطقة تساعد روسيا في سعيها إلى تقويض النظام العالمي، ولكن فقط طالما أمكن السيطرة عليها. وتستفيد موسكو من الحرب الحالية في غزة، وهي سعيدة برؤية تراجع سمعة الولايات المتحدة بسبب ما يُنظَرُ إليه على نطاق واسع على أنه دعمٌ غير عادل لإسرائيل. ولهذا السبب أيضًا لم تُبدِ روسيا اهتمامًا كبيرًا بتهدئة التوترات الحالية.
خلال الأشهُرِ التسعة الماضية –والتي يمكن القول إنها الأكثر أهمية بالنسبة إلى الشرق الأوسط منذ عقود– كانت روسيا على الهامش الديبلوماسي. وفي حين يتنقل كبار المسؤولين الأميركيين بلا كَلَلٍ بين العواصم الإقليمية، ركّزت روسيا جهودها على مجلس الأمن الدولي. وهناك، انتقدت موسكو مرارًا وتكرارًا واشنطن لفشلها في دعم قرارات وقف إطلاق النار. وعندما اقترحت الولايات المتحدة أخيرًا قرارًا خاصًا بها لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل، امتنعت روسيا عن التصويت بحجة الافتقار إلى التفاصيل، ولكنها امتنعت عن استخدام حق النقض ضدّ النص، الذي حظي بدعم العالم العربي. لقد استمتعت روسيا بمشاهدة الولايات المتحدة وهي تواجه مأزقًا مزدوجًا المتمثل في كونها اللاعب الأكثر كراهية في المنطقة واللاعب الذي تتطلع إليه العديد من القوى من أجل الخلاص – وهو دور لا تستطيع واشنطن القيام به أو لن تؤديه. وطالما ظلت سياسة الولايات المتحدة غارقة في هذه الفوضى، فليس لدى روسيا أي سبب لتعريضِ مصالحها للخطر من خلال تأجيج المزيد من المشاكل الإقليمية.
إذا اندلعت الحرب بين إسرائيل و”حزب الله”، فإنَّ روسيا أمام خيارين معقولين: إما أنها غير قادرة على القيام بأيِّ شيء، أو يمكنها زيادة دعمها لخصوم إسرائيل في حين تتجنّب التورّط العسكري المباشر. إنَّ الجلوسَ على الهامش لا مصداقية له، ما يعني أنَّ النتيجةَ الأرجح هي أن موسكو ستدعمُ وكلاء إيران من خلالِ مزيجٍ من إمدادات الأسلحة والدعم غير العسكري. وبفضلِ قدراتها المتطوّرة على نحوٍ متزايد، يمكن لروسيا تصعيد حربها الإلكترونية من سوريا من طريق التشويش على أنظمة توجيه الأسلحة الإسرائيلية. ويمكنها أيضًا نقل المزيد من الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان أو الحوثيين في اليمن، وهو ما سيكون مُتَّسقًا مع استراتيجيتها الحالية. في كانون الثاني (يناير)، ضرب “حزب الله” قاعدة مراقبة الحركة الجوية الإسرائيلية في جبل ميرون بما بدا أنها صواريخ موجهة مضادة للدبابات روسية الصنع؛ ووفقًا لمسؤولين أميركيين، فكّرت موسكو أخيرًا في نقلِ صواريخ كروز إلى الحوثيين. إنَّ القيود العسكرية الناجمة عن الحملة الروسية في أوكرانيا والحصافة السياسية التي فرضتها علاقاتها مع دول الخليج العربية من المتوقع أن تمنع الكرملين من التورط بشكلٍ عميق مع وكلاء إيران.
يجب أن تكونَ واشنطن واضحةَ الرؤية بشأنِ وجهة نظر روسيا بشأنِ حربٍ أوسع في الشرق الأوسط. ليست لدى موسكو مصلحةٌ في أن تُحقّقَ الديبلوماسية الأميركية الهدوء والاستقرار، لكنها لا تريد أيضًا اندلاعَ حريقٍ إقليمي. لذلك، على الرُغم من أنَّ روسيا لن تكون قوةً بنّاءة تساعد الولايات المتحدة على نزع فتيل التوترات، إلّا أنها لن تحثَّ إيران أو وكلاءها على شنِّ حربٍ شاملة ضد إسرائيل. إذا اندلعت حربٌ، فيجب على واشنطن أن تتوقَّعَ دعمًا محدودًا من روسيا لخصوم إسرائيل، ويجب أن تعمل على تقويضها أو تحييدها حيثما أمكنها ذلك. ومن غير المرجح أن تنجح تحذيرات واشنطن من أنَّ موسكو لا ينبغي أن تتورَّطَ في الأمر. بدلًا من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع شركائها العرب في الخليج على ممارسة ضغطٍ هادئ على روسيا حتى لا تنقل الصواريخ والأسلحة الأخرى إلى وكلاء إيران، مما يوضح مخاطر القيام بذلك. يجب على الولايات المتحدة أيضًا تعزيز دفاعاتها، وتشجيع شركائها الإسرائيليين على احترام الخطوط الحمراء الروسية في سوريا، وقبل كل شيء، تكثيف جهودها الديبلوماسية لضمان أنه في حالة اندلاع حرب بين “حزب الله” وإسرائيل، يمكن احتواؤها بسرعة.
- هَنّا نوت هي مديرة برنامج أوراسيا لمنع انتشار الأسلحة النووية في مركز جيمس مارتن لدراسات منع انتشار الأسلحة النووية، وهي زميلة غير مقيمة في برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.