في ذكرى الرابع عشر من آذار

فؤاد السنيورة*

الرابع عشر من آذار (مارس) 2005، حَدَثٌ مفصليٌّ في تاريخ لبنانَ المعاصر، وهو حَيٌّ في الذاكرةِ القريبة للكثرة الكاثرة من اللبنانيين، كما إنّهُ غيرُ مُنقطعٍ عمَّا قبلَهُ وما بعدَه، بكونه جَمَعَ اللبنانيين على اختلافِ انتماءاتهم ومناطقهم على مبادئ الحرية والسيادة والاستقلال، وعلى ضرورةِ استعادة الدولة اللبنانية دورَها الجامع لكلّ اللبنانيين، وسلطتَها الواحدةَ غيرَ المنقوصة على كامل التراب اللبناني، وفي وقوفها وصمودها ضد قوى الوصاية والاحتلال، وضد التشرذم والتطرّف.

ورُغمَ وجودِ هذا الحدث حيًّا في الذاكرة، وغيرَ منقطعٍ عمَّا قبلَه وما بعدَه، أراني مدفوعًا إلى إنعاش ذاكرةِ إخوتي اللبنانيين، بأقلِّ ما يمكن من الكلام وبالإشارةِ إلى محطَّاتٍ أساسية، تَوَخِّيًا للربْطِ الضروري. ذلك أنَّ معظَمَ اللبنانيين باتوا يَنْسونَ حَدثَ البارحة ويَغْرَقونَ في حَدثِ يومهم، لكثرةِ ما انهالَ عليهم من مصائب ووَيْلاتٍ متلاحقة، واحيانًا لرغْبَةِ بعضِ الجهات في صَرْفِ نظرِهم واهتمامهم عن البارحة، لَكَأَنَّ التاريخَ يبدأ مع هذه الجهات وبما تقول!

قلتُ إنَّ الرابعَ عَشَر من آذار (مارس) 2005 غيرُ منقطعٍ عمَّا قبله وما بعده:

ولهذا، ينبغي العودة إلى مشروع رفيق الحريري الرُؤيوي والوطني وروحه وقياديته المستنهضة، وإلى سموِّ فكرة 14 آذار الجامعة، التي لا تزال حيةً في وجدان اللبنانيين الذين يحلمون بالخروج من هذا الأتون الذي باتوا فيه، والعودة إلى فضاء الدولة اللبنانية الجامعة. وهم لذلك ليس لهم سوى التمسُّك بمرجعيَّةِ الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف. وهو الكتابُ الأشَدُّ حرصًا على معنى لبنان وصيغته الفريدة في العيش المشترك، وخصوصًا بوحدةِ القوى الاستقلالية والسيادية، وحدةٍ لا تُلْغي الخصوصياتِ والتنوُّع، ولكنها تَنْأى بنفسها عن الفئويَّةِ والزَّعامَتِيَّةِ والشخصانية، الأمرُ الذي من شأنه أنْ يُعيدَ إلى هذا الوطن شيئًا من التَّوازُن، تمهيدًا للمُعافاةِ والخلاص.
هذه هي دَعْوتي في هذه اللحظة، دعوةً مُلْزِمةً لنفسي، ومُتَمنِّيًا بها على جميع أبناءِ وطني، خصوصًا الذين راجعوا أنفسهم واستخلصوا الدروس، في أيِّ مكانٍ هُم الآنَ وسابقًا.

Exit mobile version