لبنان برميل بارود، وسياسيّوه يُشعِلون فتيل الإنفجار الكبير

كريستوف أبي ناصيف وجان أبي نادر*

الشَلَلُ السياسي المُتَعَمَّد وغِيابُ القيادة الاقتصادية جعلا لبنان يركع على ركبتيه. إنهارت البنية التحتية الحيوية. صار توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب أمراً نادر الحدوث. المستشفيات والخدمات الطبية مشلولة بسبب نقص الطاقة والأدوية والإمدادات. الأمن الغذائي في خطر بالنسبة إلى غالبية السكان. العام الدراسي المقبل في مهب الريح. نظام القضاء عاجزٌ ومشلول. هجرة العقول تسارعت كما لم يحدث من قبل. بدأ رفع الدعم في غياب شبكة أمان اجتماعي يُثير اضطرابات اجتماعية خطيرة وعنيفة. يفقد الناس حياتهم في نزاعات أمام محطات الوقود وفي محلات السوبر ماركت. الهروب من صفوف قوات الأمن آخذ في الازدياد. من المرجح بشكلٍ متزايد حدوث انهيار أمني على الصعيد الوطني. الإنهيارُ الإنساني حدث أصلاً.

إذا تُرِكَ الوضع في الأسابيع المقبلة من دون علاج أو حلّ، فسوف يُعرقل بدون أدنى شك آفاق تعافي لبنان لسنوات عديدة، وربما لعقود، وستكون لهذا الوضع تداعيات إقليمية مُزَعزِعة للاستقرار. مع ذلك، في خضم الانهيار، تُضاعِفُ الأحزاب والقادة السياسيون الذين يسيطرون على مجلس النواب اللبناني والمؤسسات الرئيسة في لبنان “حرتقاتهم” العبثية من أجل عرقلةٍ مُتعَمَّدة لإدارة الأزمات وحلّها. لم يعد إهمالهم ولا مبالاتهم أمراً غير مسؤول. إنهم مجرمون.

اليوم، قد يكون من المفهوم تركيز الاهتمام الديبلوماسي والإنساني الدولي على الأحداث المأسوية في العالم مثل الانهيار الأفغاني وزلزال هايتي، لكن الوضع اللبناني مُثيرٌ للقلق ويحتاج إلى اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة. إن المشاركة الدولية البنّاءة تتطلّب، أكثر من أي وقت مضى، الخطوات التالية:

  • مُضاعفةُ جُهودِ الإغاثة الإنسانية لإبطاء وتيرة الانهيار، وحماية المواطنين اللبنانيين الأكثر ضعفاً ومجتمعات اللاجئين، ومنع وقوع انفجارٍ هائلٍ للعنف.
  • على الرغم من أهميتها، تظلُّ الجهودُ الإنسانية مُجرّد عاملٍ مُلطِّف لأعراضِ لبنان وليس علاجاً لأمراضه الهيكلية والسياسية. لذلك، وكجزءٍ من جهدٍ دولي مُوَحَّد وشامل، ينبغي استخدام كل الوسائل الديبلوماسية المُمكنة والضغط للدفع نحو تشكيلٍ فوري للحكومة. للتوضيح، لا توجد ثقة في المؤسسة السياسية اللبنانية، لكن الحكومة، حتى لو كانت دون الآمال، يمكنها التعامل مع صندوق النقد الدولي، والاستفادة البنّاءة من مُخصّصات حقوق السحب الخاصة الآتية، والحصول على مئات الملايين من الدولارات من الالتزامات المُسبَقة والسريعة، والأموال المُتاحة من البنك الدولي والبلدان المانحة، وعلى الأقل البدء في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة بشكل عاجل. يجب أن تُقابَل أي محاولات للخروج عن هذه الإصلاحات بعقوبات فورية شاملة ومُنَسَّقة من قبل المجتمع الدولي على كل الطبقة السياسية الحاكمة.
  • الإصرارُ، بكل الوسائل المُتاحة، على إجراء الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ربيع العام 2022. والأهم من ذلك، تنسيق جهود المُراقبة والإنفاذ العالمية على الأرض لضمانِ إجراءِ كلٍّ من الانتخابات والحشد نحوها بصورة عادلة وحرة.

لبنان حالياً هو برميل بارود، وقد بدأ سياسيوه إشعال فتيله تدريجاً. علّمنا التاريخ الحديث أن الفوضى في لبنان تتجاوز حدوده دائماً. قد يكون هذا هو التحذير الأخير قبل أن تبدأ التطورات الكارثية التي لا رجعة فيها في الظهور.

  • كريستوف أبي ناصيف هو مدير برنامج لبنان في معهد الشرق الأوسط. وجان أبي نادر هو مدير السياسات في فريق العمل الأميركي الخاص بلبنان (American Task Force on Lebanon). الآراء الواردة في هذا المقال تُمثل وتخص الكاتبين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى