من فوضى الدعم إلى أوهام”البطاقة”

الدكتور غسان الشلوق*

في لبنان، يستمر الجدل وسوء التقديرعلى غير مستوى حول المشروع الحكومي المعَدَّل والمؤيَّد من أطرافٍ سياسية مُختلفة بهدف الخروج من “فوضى الدعم” عبر احتمال خطرِ مشروعِ “فوضى” اّخر وأوهامٍ واسعة مع ما يسمى”البطاقة التمويلية” و”الترشيد” الجزئي. وعلى الرغم من تحسّنٍ أصاب المشروع الأساسي خلال نقاشٍ طويل ساهم فيه خبراء هذا الشهر، فإنّ ثغرات اساسية عدة ما تزال ماثلة لاسيما بشأن “البطافة” و”الترشيد” الجزئي والحلول الجدّية.

أوّلاً: في “البطاقة”:

ثانياً: في “ترشيد” الدعم

ثالثاً: ما الحل؟

لكن ما الحل الذي يُمكن أن يؤدّي إلى بديلٍ مقبول؟

إن المدخلَ إلى الإجابة يكمن في المبدأ العلمي والإداري المعروف القائل إنه إزاء مشكلةٍ هيكلية لا يصحّ الاكتفاء بتدابير تقنية محدودة الفعالية وبالمسكّنات، وهذا يعني أن الحلّ السليم لا يُمكن إلّا أن يكون شاملاَ هيكلياً وجذرياً.

وبكلامٍ اّخر، إن الحلّ الجذري المطلوب في حالةٍ كالحالة اللبنانية الراهنة ليست مشكلة فوضى الدعم إلّا جزءاً بسيطاً منها تكمن في إطارٍ واحد: بناء القرار السياسي بدءاَ بحكومةِ إنقاذٍ ذات برنامجٍ مُختلفٍ (وليس ما يقول المشروع عن “عمل حكومي فعّال”)، ثم الإصلاح الفعلي والشامل.

والإصلاح الفعلي الشامل لا بدّ أن يأتي عبر تغييراتٍ في السياسة المالية، لاسيما في سياسةِ نفقاتٍ مُعقلَنة، وسياسة ضرائبية يصحّ أن تتضمّن مُبادراتٍ مرحلية على شكل “ضريبة النهوض والتكافل الاجتماعي”، وسياسة اقتصادية تقوم أوّلاً على دعمٍ مُتعدّد الوجوه لمؤسسات الإنتاج بشروطٍ واضحة تتصل بحقوق العمال والنوعية وسياسة التسعير وإعادة بناء وتفعيل خريطة الصادرات وتفعيل العلاقة مع الانتشار بتصوّرٍ مُختلف، وسياسة إجتماعية أبرز أركانها سياسة أجور جديدة –بعد تصحيح الأجور الحالية– ووقف تدمير التعليم، وإصلاحاتٍ مُلحّة في النقل والإسكان، وإعادة بناء مؤسّسات الرعاية الإجتماعية بدءاً بصندوق الضمان، كما باحترام  معايير العمل (الإتفاقات) الدولية الخاصة ببناء وضمان حرية واستقلالية النقابات.

ولا بدّ أن يترافق كلّ ذلك مع إصلاحٍ إداري جذري يبدأ بإعادة السلطة إلى أجهزة الرقابة، ووقف التوظيف ريثما يُعاد رسم التوصيف الوظيفي بكل بنوده.

والمهم الأهم قيام السلطة القضائية المستقلة بصلاحياتٍ وإمكاناتٍ استثنائية.

وفي ظننا أن خطوةً واحدة على الأقل تتمثّل في سلطةٍ ذات برنامجٍ مُختلف ووعدٍ صادق ومُقنِع بالإصلاح تؤدّي خلال أيامٍ قليلة، وليس شهور، إلى تعزيزِ الثقة، وإلى تحسّن مؤشّرات العيش عبر تحسّن سعر العملة الوطنية بمعدّلٍ قد يصل في مرحلة أولى إلى نحو 25% أي ما يفوق ربما  الأحلام بل الأوهام الناشئة عن “البطاقة”. فلماذا إذن كل هذا الجهد؟ وكل هذه الأوهام؟

ولا بأس هنا أن يترافق كل ذلك مع بناء “سلّة غذائية”شهرية خاصة لكلِّ العائلات المُصنَّفة فقيرة وحتى الاقل فقراً ومتوسطي الدخل بديلاً من أحلام “البطاقة” على أن تشمل السلّة  كل السلع الضرورية لاستمرار عيش الأُسرة بحيث تكون كلفتها أقل بكثير (ربما نحو 20%) من “البطاقة”، كما إن السلّة تسمح دائماً باحتمال تبادل السلع التي تفوق الحاجة مع أُسَرٍ أخرى.

ومن إيجابيات هذا المشروع ايضاً أنه يحصل بالتأكيد، وبخلاف “البطاقة”، على دعم دولٍ ومنظّماتٍ أجنبية بما يُخفّض مرة أخرى التكاليف ويستبعد كل سوء استعمال للمساعدات المالية. ويوفّر المشروع دعماً كبيراً لمؤسسات الانتاج الوطنية صناعية وزراعية إذ يحصر غالبية السلع بإنتاجها، أما الإدارة فيُمكن أن تُحصَر بالجيش اللبناني وهيئاتٍ محلّية علماً أن المؤسسة العسكرية تقوم بنجاح بمهام فوق عسكرية عدة. وثمة غير دليل على ذلك في المرحلة الأخيرة.

Exit mobile version