رحَّال بولكوط: المغرب أوَّلًا

تُعتبرُ مجموعة ماريتا المغربية إحدى أكبر الشركات الخاصة والأسرع نموًا في المغرب حيث يصل عدد العاملين فيها إلى أكثر من 5 آلاف شخص.

مشروع “حدائق دار السلام” في الرباط: راق من حيث البناء وحديث من حيث الرقمنة.

محمد سليم*

لم يَكُن يبلغُ من العمر أكثر من عشرين ربيعًا عندما حَلَمَ رَحّال بولكوط بأنه يُريدُ أن يُصبِحَ رجلَ أعمالٍ كبيرًا. على هذا الأساس  أطلقَ في العام 1989 شركة “إيغوريا” في إيطاليا، وفي توسكانا بالتحديد التي ترعرع فيها في كَنفِ عائلته الآتية من المغرب، حيث  افتتحت الشركة مصنعًا صغيرًا للفلّين ما لبث أن كبر لتصل منتوجاته إلى كلِّ إيطاليا وغالبية الدول الأوروبية.

في العام 1994 إنتقَلَ بولكوط إلى المغرب بعدما استحوذ على “كولومبين”، ثاني أكبر شركة في العالم لصناعة الفلين، الأمر الذي جعله مُنتِجًا كبيرًا لتلك المادة حيث نال في العام 1999 الميدالية الذهبية كأكبر مُصدّر للفلين في العالم. وقد انتُخِبَ بعدها رئيسًا للجمعية المغربية لصناعيي الفلين، ونائبًا لرئيس الجمعية الأوروبية للفلين.

بعدما ثبّت أقدامه في مجال قطاع صناعة الفلّين، قرّر بولكوط الدخول في مجالاتٍ أخرى كان أوّلها قطاع العقارات، فأسّس في العام 2003 مجموعة ماريتا (Marita Group) (وهي اختصارٌ ل”المغرب-إيطاليا” بالأجنبية). ثم ما لبثت هذه المجموعة أن تحوّلت إلى مجالاتٍ وقطاعاتٍ عدة بينها الطاقات المتجددة، والتعدين، والتكنولوجيا الرقمية، والرعاية الصحية، والأمن السيبراني، والزراعة وتربية الأحياء المائية حيث أسست شركات عدة تابعة تُعنى بكل قطاع، منها: “ماريتا للتعدين” (Marita Mining) “ماريتا الذكية” (Smart Marita)، “ضفاف”، “شركة ماريتا العقارية”، “بوتيماكس للنقل”  “ماريتيمِكس” وغيرها…

في قطاع العقارات قامت مجموعة ماريتا بإنشاء مشاريع ضخمة واستراتيجية أحدثها كان مشروع “حدائق دار السلام” أو (Dar Essalam Gardens) في الرباط والذي يقوم على مساحة 75 هكتارًا ويضم فيلات فخمة للسفراء والوزراء ورجال الأعمال المغاربة والعرب والأجانب، وفندقًا فخمًا (5 نجوم) تديره مجموعة ماريوت الأميركية، وناديًا خاصًا للسفراء، ومنتزهًا طبيعيًا يضم غابة وحديقة خلابتين.

بالإضافة إلى هذا المشروع الراقي، تُعِدُّ المجموعة العدّة والدراسات لبناء “مدينة طبية”،  “Health & Wellness City”، في مدينة القنيطرة على أرضٍ تملكها، والتي ستضم: مستشفى بسعة 1400 سرير؛ جامعة طبية لتخريج أطباء، ممرضات، وصيادلة؛ مركزًا للأبحاث (للأورام السرطانية، الأمراض المعدية، وإنتاج اللقاحات…)؛ فندقًا ب300 غرفة (5 نجوم) مع مركز مؤتمرات؛ مركزًا مُخَصَّصًا لاستقبال العجزة والمتقاعدين؛ مركزًا للعافية يضم قسمًا للعناية الجسدية، قسمًا للعناية النفسية، قسمًا للراحة…؛ مساكن للعاملين وطلاب الجامعة؛ مركزًا لإنتاج الطاقة الشمسية، وحديقة كبرى خضراء للتنزه.

في العام 2014 قامت المجموعة بالالتزام بالتنمية المستدامة من خلال توفير الحافلات الكهربائية لمدينة مراكش أثناء انعقاد  مؤتمر المناخ “كوب 22” ( COP 22)، وتلا ذلك إنشاء فرع متخصص في تأجير السيارات الكهربائية مع محطات شحن.

وإذا كان بولكوط حَلَّقَ عاليًا في قطاعَي الفلّين والبناء فهو حلّق أكثر في العالم السيبراني والرقمي بعدما انخرط في العام 2022 في شراكة مع المجموعة البريطانية المعروفة في عالم الرقمنة والسيبرانية والحائزة على جوائز عالمية في هذا المجال، “تَمبلار إيكزيكوتيف” “TEMPLAR EXECUTIVE “، وأسّسا معًا شركة “ماريتيمِكس” (MARITEMEX) التي تقدّم خدمات التقييم والاستشارة والتدريب وتنفيذ أنظمة حماية معلومات الأنظمة وتقنياتها، حيث انبثقت عنها “أكاديمية ماريتيمكس السيبرانية” (Maritemex Cyber Academy) في مراكش التي تمتلك محفظةً تعليمية وتدريبية عالمية المستوى بما في ذلك دورات مُعتَمَدة. جميع هذه الدورات تفاعلية وجذابة، حيث  تُقدّم جلساتٍ وجهًا لوجه، وفصولًا دراسية افتراضية بقيادة مُدَرِّب، ومهارات، والتعلم الإلكتروني والتدريب والتوجيه عبر الإنترنت.

من ناحية أخرى، أطلقت مجموعة ماريتا برنامجها للتنمية الزراعية وتربية الأحياء المائية، ملتزمة بإنشاء وتربية منتجات ذات قيمة مضافة عالية، وطنيًا ودوليًا. فهي تستثمر في المحاصيل ذات القيمة المضافة العالية، مع مشاريع التصنيع والتسويق الدولي للمنتجات المصنوعة في المغرب. ويتضمن المشروع أيضًا وحدات لإنتاج الزيت العطري وتربية أسماك المياه العذبة. أهم هذه المشاريع:

  • إنتاج حامض الكافيار، والذي تُعتَبَرُ سوقه جديدة ومحدودة نسبيًا، لكنها تنمو بسرعة بسبب شعبيتها المتزايدة في المطاعم والصناعات الغذائية.ويُعَدُّ حامض الكافيار مكونًا راقيًا ومكلفًا، مما يجعله خيارًا شائعًا للطهاة وخبراء الخلط الذين يتطلعون إلى تقديم تجارب طهي فريدة من نوعها. غالبًا ما يركز منتجو حامض الكافيار على الأسواق المتخصصة.
  • زراعة الأفوكادو التي شهدت نموًا سريعًا في السنوات الأخيرة، مع تزايد الطلب في العديد من البلدان حول العالم. وتتعدد أسباب هذا النمو في الطلب، بما في ذلك تزايد شعبية الأفوكادو كغذاء صحي ومتعدد الاستخدامات، بالإضافة إلى الحملات التسويقية الناجحة التي يقوم بها منتجو الأفوكادو. علاوةً على ذلك، ساهم تزايد عدد السكان ونمو الطبقة المتوسطة في العديد من البلدان أيضًا في ارتفاع الطلب.
  • صناعة الزيوت الأساسية التي تنمو سوقها باستمرار، مع ارتفاع الطلب على هذه المنتجات الطبيعية في مجالات الصحة والجمال والأغذية والعطور والعلاج العطري. ومن المتوقع أن تصل قيمة سوق الزيوت الأساسية العالمية إلى أكثر من 15 مليار دولار بحلول العام 2026، مع نموٍ سنوي متوقع يزيد عن 8٪ بين العامين 2021 و2026. العوامل الرئيسة وراء هذه الشعبية هي الطلب المتزايد على المنتجات الطبيعية والعضوية وكذلك اتجاه العلاجات البديلة.
  • تربية الأحياء المائية في المياه العذبة التي تشهد سوقها في المياه العذبة نموًا كبيرًا بسبب الطلب المتزايد على الأسماك المستزرعة في جميع أنحاء العالم. وقد زاد الإنتاج العالمي لتربية الأحياء المائية في المياه العذبة بشكل مطرد خلال العقود الماضية، حيث وصل إلى أكثر من 40 مليون طن في العام 2018.

على الرغم من أن فلسفة رحّال بولكوط تقوم على “المغرب أوّلًا”، فإن مجموعته لم تبقَ في المملكة أو في مركز انطلاقتها
الأولى إيطاليا فقط، فقد وسّعت آفاقها ووصلت إلى غالبية الدول الأفريقية (خصوصًا أفريقيا الوسطى) ودول الخليج العربي (خصوصًا عُمان ودولة الإمارات) وبعض الدول الأوروبية (خصوصًا بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والولايات المتحدة وكندا وأميركا الجنوبية.

وإذا كان حلم بولكوط أن يصبح رجل أعمال كبيرًا قد تحقق بوصول أصول مجموعته إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار فهو لم يَنسَ أن عليه واجبات أخرى تجعله أكبر وهي مساعدة المجتمع، لذا أنشأ في أوائل هذا العام مؤسسةً خيرية، “مؤسسة ماريتا” (Marita Foundation)، التي تهدف إلى تحسين حياة المجتمعات التي تعمل فيها المجموعة. وتعتبرُ المؤسسة ركيزةً أساسية لالتزام المجموعة بالمسؤولية الاجتماعية، وقد عقدت العزم على خلق تأثير إيجابي في الناس والبيئة والمجتمعات التي تعمل فيها “ماريتا”.

يبقى أن نعلم أنه في بداية هذا العام أُختيرَ بولكوط ليكون السفير الثاني الجديد لمجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في المغرب.

  • محمد سليم هو صحافي من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى